Back to subchapter overview

Subchapter (Sura: 11, Ayat: 108-108)

Tafsir: Ḥāšīyat aṣ-Ṣāwī ʿalā tafsīr al-Ǧalālayn

The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com

قوله : { وَأَمَّا ٱلَّذِينَ سُعِدُو } هذا مقابل قوله : { فَأَمَّا ٱلَّذِينَ شَقُواْ } [ هود : 106 ] وفي هذه الآية من المحسنات البديعية ، الجمع والتفريق والتقسيم ، فالجمع في قوله : { يَوْمَ يَأْتِ لاَ تَكَلَّمُ نَفْسٌ إِلاَّ بِإِذْنِهِ } [ هود : 105 ] والتفريق فة قوله تعالى : { فَمِنْهُمْ شَقِيٌّ وَسَعِيدٌ } [ هود : 105 ] ، والتقسيم في قوله : { فَأَمَّا ٱلَّذِينَ شَقُواْ } [ هود : 106 ] إلخ { وَأَمَّا ٱلَّذِينَ سُعِدُواْ } إلخ . قوله : ( بفتح السين وضمها ) أي فهما قراءتان سبعيتان ، فالفتح من قولهم : سعد الرجل بمعنى قامت به السعادة ، والضمم في قولهم : سعده الله أي أسعده ، فالأول قاصر ، والثاني متعد ، والمعنى : إن الذين سبقت لهم السعادة من الله بموتهم على الإيمان ، وإن سبق منهم الكفر في الدنيا ، فهم في الجنة ، والمراد بالسعادة رضا الله على العبد ، وعلامة ذلك أن يكون العبد محباً لربه ، ساعياً في مرضاته ، دائم الإقبال على طاعته ، راضياً بأحكامه . قوله : { فَفِي ٱلْجَنَّةِ } المراد بها دار النعيم بجميع دورها ، فشمل جنة الفردوس وغيرها . قوله : { مَا دَامَتِ ٱلسَّمَٰوَٰتُ وَٱلأَرْضُ } أي مدة دوامهما في الدنيا ، والمعنى قدر مكث السماوات والأرض ، من أول الدنيا إلى آخرها . قوله : ( كما تقدم ) أي فيقال غير ما شاء ربك من الزيادة التي لا منتهى لها ، فالمعنى خالدين فيها أبداً ، ويدل ذلك على قوله تعالى : { خَالِدِينَ فِيهَآ أَبَداً } [ النساء : 75 ] فالزيادة التي شاءها الله ، فسرت في آيات أخر بالخلود المؤبد ، قوله : ( ودلّ عليه ) أي على الخلود المؤبد ، وقوله : ( فيهم ) أي السعداء . قوله : { عَطَآءً } مفعول مطلق لفعل محذوف وتقديره أعطاهم ذلك العطاء ، وعطاء اسم مصدر أعطى ، والمصدر إعطاء . قوله : ( مقطوع ) أي ولا ممنوع ، بل هو عطاء دائم ، لا يزول ولا يحول . قوله : ( هو الذي ظهر ) أي من نحو عشرين وجهاً في تفسير تلك الآية ، منها أن المراد بالسماوات والأرض سقف الجنة والنار وأرضهما ، ويحتمل الاستثناء في جانب أهل الشقاوة على عصاة الأمة فيكون المعنى خالدين فيها أبداً ، إلا عصاة المؤمنين الذين نفذ فيهم الوعيد ، فلا يخلدون أبداً ، بل يخرجون بشفاعة النبي صلى الله عليه وسلم ، والاستثناء حينئذ ، إما منقطع لعد دخول هؤلاء في الأشقياء ، أو متصل بحعل هؤلاء أشقياء باعتبار ، وسعداء باعتبار آخر ، وفي جانب أهل السعادة على عصاة المؤمنين أيضاً ، لكن باعتبار تعذيبهم أولاً ، فيتأخرون في الدخول مع السابقين ، فتحصل أن الاستثناء في كل محمول على العصاة ، لكن في جانب أهل الشقاوة مستثنون من الخلود ، وفي جانب أهل السعادة مستثنون من المبدأ . كأنه قال : فأما الذين سعدوا ففي الجنة من أول الأمر ، إلا ما شاء ربك من العصاة ، فليسوا في الجنة من أول الأمر ، بل هم في النار يعذبون ثم يخرجون . ومنها : أن المراد بالذين شقوا الكفار ، وبالذين سعدوا المؤمنون ، والاستثناء باعتبار أن بعض الكفار ، قد ينقل من النار إلى غيرها كالزمهرير ، وبعض المؤمنين قد ينقل من النعيم ، فيما تشتهيه الأنفس وتلذ الأعين ، إلى أعلى منه ، وهو رؤية وجه الله الكريم ومخاطبته ، ومنها : أن الاستثناء راجع لمدة تأخرهم عن دخول الجنة والنار ، كمدة الدنيا والبرزخ ، لأنهم لم يدخلوها حين خلقوا سعداء وأشقياء . ومنها غير ذلك . وما تقدم من أن نعيم الجنان وعذاب النار دائم ، هو ما دلت عليه الآيات القرآنية والأحاديث النبوية ، ووراء ذلك أقوال يجب تأويلها ، والأخذ بظاهرها كفر ، فمنها ما قيل إن الجنة والنار يتقضيان بدليل ظاهر هذه الآية ، ومنها أن أهل النار تنقلب عليهم النار نعيماً ، حتى لو صب عليهم ماء الجنة يتأذون ، ومنها أن النار تخرب حتى لا يصير فيها أحد ، ومنها غير ذلك ، وهذه الأقوال باطلة ، ونسبتها المحيي الدين بن العربي كذب ، وعلى فرض صحة نقلها عنه يجب تأويلها .