Back to subchapter overview
Subchapter (Sura: 13, Ayat: 32-33)
Tafsir: Ḥāšīyat aṣ-Ṣāwī ʿalā tafsīr al-Ǧalālayn
The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com
قوله : { فَأَمْلَيْتُ لِلَّذِينَ كَفَرُواْ } هذا تنزل من الله سبحانه وتعالى ، حيث عامل عباده معاملة ملك عدل في رعيته ، حيث أمرهم بطاعته المرة بعد المرة وأغدق عليهم النعم ، وكلما عصوه سترهم وأمدهم بالعطايا ، فلما تكرر منهم العصيان وعدم الخوف أخذهم بالعقاب ، فهل هذا ظلم منه أو عدل ؟ وجواب الاستفهام أنه عدل لو كان صادراً من سلطان في رعيته ، فكيف من الخالق الذي يستحيل عليه الظلم عقلاً ؟ قوله : ( فكذلك أفعل بمن استهزأ بك ) أي لا على العموم إكراماً لنبيه صلى الله عليه وسلم . قوله : { أَفَمَنْ هُوَ قَآئِمٌ } الهمزة داخلة على محذوف ، والفاء عاطفة على ذلك المحذوف ، والتقدير أعميتم وسويتم بين الله وبين خلقه فمن هو قائم إلخ ، والمعنى أفمن كان حافظاً للنفوس ورازقها وعالماً بها ، كمن ليس بقائم ، بل هو عاجز عن القيام بنفسه فضلاً عن غيره ؟ قوله : ( لا ) هذا هو جواب الإستفهام . قوله : ( دل على هذا ) أي على الجواب المحذوف ، وهذا نظير قوله تعالى : { أَفَمَن شَرَحَ ٱللَّهُ صَدْرَهُ لِلإِسْلاَمِ } [ الزمر : 22 ] أي كمن قسا قلبه ، يدل عليه قوله { فَوَيْلٌ لِّلْقَاسِيَةِ قُلُوبُهُمْ } [ الزمر : 22 ] ، ونظيره قوله تعالى : { أَفَمَن يَخْلُقُ كَمَن لاَّ يَخْلُقُ } [ النحل : 17 ] ولكنه صرح فيها بالمقابل . قوله : { قُلْ سَمُّوهُمْ } أي صفوهم ، وانظروا هل بتلك الأوصاف تستحق العبادة ؟ قوله : ( من هم ) أي بينوا حقيقتهم من أي جنس ومن أي نوع . قوله : { أَمْ تُنَبِّئُونَهُ } إلخ ، أم منقطعة ، فلذا فسرها ببل والهمزة ، والمعنى أتخبرون الله بشريك لا يعلمه في الأرض لعدم وجوده ، إذ لو وجد لعلمه ، وخص بالأرض لكون آلهتهم التي جعلوها شركاء كائنين فيها . قوله : { أَم بِظَاهِرٍ } أم هنا للإضراب الإبطالي ، ولذا فسرها ببل فقط ، والمعنى أن تسميتهم شركاء ، ظن باطل فاسد لا يعتبر ، وإنما هو اسم من غير مسمى . قوله : { بَلْ زُيِّنَ لِلَّذِينَ كَفَرُواْ } إضراب عن محاججتهم كأنه قال : لا تلتفت لهم ولا تعتبر بهم ، فإنهم لا فائدة فيهم ، لأنهم زين لهم ما هم عليه من المكر والكفر . قوله : { وَصُدُّواْ } بضم الصاد وفتحه قراءتان سبعيتان ، والمعنى منعوا عن طريق الهدى ، أو منعوا الناس عنه . فائدة : قال الطيبي : في هذه الآية احتجاج بليغ مبني على فنون من علم البيان ، أولها : { أَفَمَنْ هُوَ قَآئِمٌ عَلَىٰ كُلِّ نَفْسٍ بِمَا كَسَبَتْ } ( كمن ليس كذلك ) احتجاج عليهم وتوبيخ لهم على القياس الفاسد لفقد الجهة الجامعة لهما . ثانيهما : { وَجَعَلُواْ لِلَّهِ شُرَكَآءَ } من وضع الظاهر موضع الضمير ، للتنبيه على أنهم جعلوا شركاء لمن هو فرد واحد ، لا يشاركه أحد في اسمه . ثالثها : قوله : { قُلْ سَمُّوهُمْ } أي عينوا أسماءهم ، فقولوا فلان وفلان ، فهو إنكار لوجودها على وجه برهاني كما تقول : إن كان الذي تدعيه موجوداً فسمه ، لأن المراد بالاسم العلم . رابعها : قوله : { أَمْ تُنَبِّئُونَهُ بِمَا لاَ يَعْلَمُ } احتجاج من باب نفي الشيء بنفي لازمه ، وهو المعلوم وهو كناية . خامسها : قوله : { أَم بِظَاهِرٍ مِّنَ ٱلْقَوْلِ } احتجاج من باب الاستدراج ، والهمزة للتقرير لبعثهم على التفكر ، المعنى أتقولون بأفواهكم من غير رؤية ، فتفكروا فيه لتقفوا على بطلانه . وسادسها : التدرج في كل من الإضرابات على ألطف وجه ، وحيث كانت الآية مشتملة على هذه الأساليب البديعة مع اختصارها ، كان الاحتجاج المذكور منادياً على نفسه بالإعجاز ، وأنه ليس من كلام البشر ، اهـ .