Back to subchapter overview
Subchapter (Sura: 17, Ayat: 85-87)
Tafsir: Ḥāšīyat aṣ-Ṣāwī ʿalā tafsīr al-Ǧalālayn
The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com
قوله : { وَيَسْأَلُونَكَ عَنِ ٱلرُّوحِ } سبب نزولها كما قال ابن عباس : أن قريشاً اجتمعوا وقالوا : إن محمداً نشأ فينا بالأمانة والصدق ، وما اتهمناه بكذب ، وقد ادعى ما ادعى ، فابعثوا نفراً إلى اليهود بالمدينة واسألوهم عنه ، فإنهم أهل كتاب ، فبعثوا جماعة إليهم فقالت : سلوه عن ثلاثة أشياء ، فإن أجاب عن كلها ، أو لم يجب عن شيء منها فليس بنبي ، وإن أجاب عن اثنين ، ولم يجب عن واحد فهو نبي ، فاسألوه عن فتية فقدوا في الزمن الأول ما كان أمرهم ؟ فإنه كان لهم حديث عجيب . وعن رجل بلغ شرق الأرض وغربها ما خبره ؟ وعن الروح . فسألوا النبي صلى الله عليه وسلم فقال : أخبركم بما سألتم غداً ، ولم يقل إن شاء الله ، فلبث الوحي اثني عشر ، وقيل خمسة عشر ، وقيل أربعين يوماً ، وأهل مكة يقولون : وعدنا محمد غداً ، وقد أصبحنا لا يخبرنا بشيء ، حتى حزن رسول الله صلى الله عليه وسلم من مكث الوحي ، وشق عليه ما يقول أهل مكة ، ثم نزل جبريل عليه السلام : بقوله تعالى : { وَلاَ تَقُولَنَّ لِشَاْىءٍ إِنِّي فَاعِلٌ ذٰلِكَ غَداً * إِلاَّ أَن يَشَآءَ ٱللَّهُ } [ الكهف : 23 - 24 ] ونزل في الفتية { أَمْ حَسِبْتَ أَنَّ أَصْحَابَ ٱلْكَهْفِ وَٱلرَّقِيمِ كَانُواْ مِنْ آيَاتِنَا عَجَباً * إِذْ أَوَى ٱلْفِتْيَةُ إِلَى ٱلْكَهْفِ } [ الكهف : 9 - 10 ] الآيات . ونزل فيمن بلغ المشرق والمغرب { وَيَسْأَلُونَكَ عَن ذِي ٱلْقَرْنَيْنِ } [ الكهف : 83 ] الآيات . ونزل في الروح قوله تعالى { وَيَسْأَلُونَكَ عَنِ ٱلرُّوحِ } الآية ، فأصل السؤال من اليهود ، والناقل له قريش . قوله : { عَنِ ٱلرُّوحِ } أي عن حقيقة الروح الذي به حياة البدن ، وهذا هو الأصح ، وقيل الروح التي سألوه عنها هو جبريل ، وقيل ملك له سبعون الف وجه ، لكل وجه سبعون الف لسان ، يسبح الله تعالى بجميع ذلك ، فيخلق الله تعالى بكل تسبيحة ملكاً ، وقيل إنهم جند من جنود الله على صورة بني آدم ، لهم أيد وأرجل ورؤوس ، ليسوا بملائكة ولا أناس يأكلون الطعام ، وقيل ملك عظيم عن يمين العرش ، لو شاء أن يبتلع السماوات السبع في لقمة واحدة لابتلعها ، ليس شيء أعظم منه إلا العرش ، يشفع يوم القيامة في أهل التوحيد ، متحجب عن الملائكة ، لو كشف لهم عنه لاحترقوا من نوره ، وقيل عيسى ، وقيل القرآن . قوله : { مِنْ أَمْرِ رَبِّي } أي بما استأثر الله بعلمه وهذا هو الصحيح ، وقيل الروح هي الدم ، وقيل النفس ، ونقل عن بعض أصحاب مالك أنها صورة كجسد صاحبها ، وفي الآية اقتصار على وصف الروح ، كما اقتصر موسى في جواب قول فرعون : وما رب العالمين ، على ذكر صفاته ، فإن إدراكه بالكنه على ما هو عليه لا يعلمه إلا الله . قوله : { وَمَآ أُوتِيتُم مِّنَ ٱلْعِلْمِ إِلاَّ قَلِيلاً } رد لقول اليهود : أوتينا التوراة وفيها العلم الكثير ، بدليل القراءة الشاذة وما أوتوا ، وقيل الخطاب عام لجميع الخلق ، أي إن الخلق عموماً ، وإن أعطوا من العلم ما أعطوا ، فهو قليل بالنسبة لعلمه تعالى . قوله : { وَلَئِن شِئْنَا } هذا امتنان من الله تعالى على نبيه صلى الله عليه وسلم بالقرآن ، وتحذير له عن التفريط فيه ، والمقصود غيره ، والمعنى حافظوا على العمل بالقرآن ، واحذروا من التفريط فيه ، فإننا قادرون على إذهابه من صدوركم ومصاحفكم ، ولكن إبقاؤه رحمة بكم . قوله : ( لام قسم ) أي وجوابه قوله : { لَنَذْهَبَنَّ } ، وجواب الشرط محذوف لدلالة جواب القسم عليه . قوله : ( لكن أبقيناه ) أشار بذلك إلى أن الاستثناء منقطع ، وقدره بلكن على طريقة البصريين ، وعند الكوفيين يقدر ببل ، وقوله : ( أبقيناه ) إلى أقرب قيام الساعة ، فعند ذلك يرفع من المصاحف والصدور لما في الحديث " لا تقوم الساعة حتى يرفع القرآن من حيث نزل ، له دوي حول العرش ، فيقول الله : ما لك ؟ فيقول : أتلى فلا يعمل بي ، ولا يرفع القرآن حتى تموت حملته العاملون به ، ولا يبقى إلا لكع بن لكع ، فعند ذلك يرفع من المصاحف والصدور ، ويفيضون في الشعر ، فتخرج الدابة ، وتقوم القيامة بأثر ذلك " قوله : ( حيث أنزله ) علة لقوله : { إِنَّ فَضْلَهُ كَانَ عَلَيْكَ كَبِيراً } . قوله : ( وغير ذلك ) أي ككونك خاتم المرسلين ، وسيد ولد آدم ، ونحو ذلك .