Back to subchapter overview
Subchapter (Sura: 18, Ayat: 10-14)
Tafsir: Ḥāšīyat aṣ-Ṣāwī ʿalā tafsīr al-Ǧalālayn
The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com
قوله : { إِذْ أَوَى ٱلْفِتْيَةُ إِلَى ٱلْكَهْفِ } أي نزلوه وسكنوه . وحاصل قصتهم كما قال محمد بن إسحاق : لما طغى أهل الإنجيل ، وكثرت فيهم الخطايا ، حتى عبدوا الأصنام وذبحوا لها ، وبقي فيهم من هو على دين عيسى ، مستمسكين بعبادة الله وتوحيده ، وكان بالروم ملك يقال له دقيانوس ، عبد الأصنام ، وذبح للطواغيت ، وكان يحمل الناس على ذلك ، ويقتل من خالفه ، فمر بمدينة أصحاب الكهف ، وهي مدينة من الروم يقال لها أفسوس ، واسمها عند العرب طرطوس ، فاستخفى منه أهل الإيمان ، فصار يرسل أعوانه ، فيفتشون عليهم ويحضرونهم له ، فيأمرهم بعبادة الأصنام ، ويقتل من يخالفه ، فلما عظمت هذه الفتنة ، وراى الفتية ذلك ، حزنوا حزناً شديداً ، وكانوا من أشراف الروم ، وهم ثمانية ، وكانوا على دين عيسى ، فأخبر الملك بهم وبعبادتهم ، فبعث إليهم ، فأحضروا بين يديه يبكون ، فقال : ما منعكم أن تذبحوا لآلهتنا وتجعلوا أنفسكم كأهل المدينة ؟ فاختاروا إما أن تكونوا على ديننا ، وإما أن نقتلكم ، فقال له أكبرهم : إن لنا إلهاً عظمته ملء السماوات والأرض ، لن ندعو من دونه إلهاً أبداً ، اصنع ما بدا لك ، وقال أصحابه مثل ذلك . فأمر الملك بنزع لباسهم ، والحلية التي كانت عليهم ، وكانوا مسورين ومطوقين ، وكانوا غلماناً مرداً حساناً جداً ، وقال : سأتفرع لكم وأعاقبكم ، وما يمنعني من فعل ذلك بكم ، إلا أني أراكم شباباً ، فلا أحب أن أهلككم ، وإني قد جعلت لكم أجلاً ، تدبرون فيه أمركم ، وترجعون إلى عقولكم ، ثم إنه سافر لغرض من أغراضه ، فخافوا أنه إذا رجع من سفره ، يعاقبهم أو يقتلهم ، فاستشوروا فيما بينهم ، واتفقوا على أن يأخذ كل واحد منهم نفقة من بيت أبيه ، يتصدق ببعضها ويتزود بالباقي ، ففعلوا ذلك ، وانطلقوا إلى جبل قريب من مدينتهم يقال له ينجلوس فيه كهف ، ومروا في طريقهم بكلب فتبعهم ، فطردوه فعاد ، ففعلوا ذلك مراراً ، فقال لهم الكلب : أنا أحب أحباب الله عزَّ وجل ، فناموا وأنا أحرسكم فتبعهم ، فدخلوا الكهف وقعدوا فيه ، ليس لهم عمل إلا الصلاة والصيام والتسريح والتحميد ، وجعلوا نفقتهم تحت يد واحد منهم اسمه تمليخا ، كان يأتي المدينة يشتري لهم الطعام سراً ، ويتجسس لهم الخبر ، فلبثوا في ذلك الغار ما شاء الله ، ثم رجع الملك دقيانوس من سفره إلى المدينة ، وكان تلميخا يومئذ بالمدينة يشتري لهم طعاماً ، فجاء وأخبرهم برجوع الملك وأنه يفتش عليهم ، ففزعوا وشرعوا يذكرون الله عز وجل ، ويتضرعون إليه في دفع شره عنهم ، وذلك عند غروب الشمس ، فقال لهم تمليخا : يا إخوتاه ، كلوا وتوكلوا على ربكم ، فأكلوا وجلسوا يتحدثون ويتواصون ، فبينما هم كذلك ، إذ ألقى الله عليهم النوم في الكهف ، وألقاه أيضاً على كلبهم ، وهو باسط ذراعيه على باب الكهف ، ففتش عليهم الملك فدل عليهم ، فتحير فيما يصنع بهم ، فألقى الله في قلبه أن يسد عليهم باب الغار ، وأراد الله عز وجل أن يكرمهم بذلك ويجعلهم آية للناس ، وأن يبين لهم أن الساعة آتية ، وأنه قادر على بعث العباد من بعد الموت ، فأمر الملك بسده وقال : دعوهم في كهفهم يموتون جوعاً وعطشاً ، ويكون كهفهم الذي اختاروه قبراً لهم ، وهو يظن إنهم أيقاظ يعلمون ما يصنع بهم ، وقد توفى الله أرواحهم وفاة نوم ، ثم إن رجلين مؤمنين في بيت الملك دقيانوس يكتمان ايمانهما ، شرعا يكتبان قصة هؤلاء الفتية ، فكتبا وقت فقدهم وعددهم وأنسابهم ودينهم ، وممن فروا في لوحين من رصاص ، وجعلاهما في تابوت من نحاس ، وجعلا التابوت في البنيان وقالا : لعل الله أن يظهر على هؤلاء الفتية قوماً مؤمنين قبل يوم القامة ، فيعرفوا من هذه الكتابة خبرهم ، ثم مات الملك دقيانوس هو وقومه ؛ ومر بعده سنون وقرون ، وتغايرت الملوك ثم ملك تلك المدينة رجل صالح يقال له بيطروس ، واختلف الناس عليه ، فمنهم المؤمن بالساعة ، ومنهم الكافر بها فشق ذلك عليه ، حيث كان يسمعهم يقولون : لا حياة إلا حياة الدنيا ، وإنما تبعث الأرواح دون الأجساد ، فجعل يتضرع ويقول : رب أنت تعلم اختلاف هؤلاء ، فابعث لهم آية تبين لهم أمر الساعة والبعث ، فأراد الله أن يظهره على الفتية أصحاب الكهف ، ويبين للناس شأنهم ، ويجعلهم آية وحجة عليهم ، ليعلموا أن الساعة آتية لا ريب فيها ، وأن الله يبعث من في القبور ، فألقى الله في قلب رجل من أهل تلك الناحية ، أن يهدم ذلك البناء الذي على باب الكهف ، ويبني بحجارته حظيرة لغنمه ، فهدمه وبنى به حظيرة لغنمه ، فلما انفتح باب الكهف ، بعث الله هؤلاء الفتية ، فجلسوا فرحين مسفرة وجوههم طيبة نفوسهم ، وقد حفظ الله عليهم أبدانهم وجمالهم وهيئتهم ، فلم يتغير منها شيء ، فكانت هيئتهم وقت أن استيقظوا ، كهيتئهم وقت أن رقدوا ، ثم أرسلوا تلميخا إلى المدينة ليشتري لهم الطعام ، فذهب فرأى المدينة قد تغير حالها وأهلها وملكها ، وقد أخذه أهل المدينة وذهبوا به إلى ذلك الملك المؤمن ، فأخبره تمليخا بقصته وقصة أصحابه ، فقال بعض الحاضرين : يا قوم لعل هذه آية من آيات الله ، جعلها الله لكم على يد هذا الفتى ، فانطلقوا بنا حتى يرينا أصحابه ، فانطلق أريوس وأسطيوس من عظماء المملكة ، ومعهما جميع أهل المدينة ، كبيرهم وصغيرهم ، نحو أصحاب الكهف لينظروا إليهم ، فأول من دخل عليهم ، هذان العظيمان الكبيران ، فوجدا في أثر البناء تابوتاً من نحاس ، ففتحاه فوجدوا فيه لوحين من رصاص مكتوباً فيهما قصتهم ، فلما قرأوهما عجبوا وحمدوا الله الذي أراهم آية تدلهم على البعث ، ثم أرسلوا قاصداً إلى ملكهم الصالح بيدروس ، أن عجل بالحضور إلينا ، لعلك ترى هذه الآية العجيبة ، فإن فتية بعثهم الله وأحياهم ، وكان قد توفاهم ثلاثمائة سنة وأكثر ، فلما جاءه الخبر ، ذهب همه ، وقال أحمدك رب السماوات والأرض ، تفضلت عليّ ورحمتني ، ولم تطفئ النور الذي جعلته لآبائي ، فركب وتوجه نحو الكهف ، فدخل عليهم وفرح بهم واعتنقهم ووقف بين أيديهم ، وهم جلوس على الأرض ، يسبحون الله ويحمدونه ، فقالوا له : نستودعك الله ، والسلام عليك ورحمة الله ، حفظك الله وحفظ ملكك ، ونعيذك بالله من شر الإنس والجن ، فينما الملك قائم ، إذ رجعوا إلى مضاجعهم فناموا ، وتوفى الله أنفسهم ، فقام الملك إليهم ، وجعل ثيابهم عليهم ، وأمر أن يجعل كل رجل منهم في تابوت من ذهب ، فلما مشى ونام ، أتوه في منامه فقالوا له : إنا لم نخلق من ذهب ولا فضة ، ولكنا خلقنا من الترا وإلى التراب نصير ، فاتركنا كما كنا في الكهف على التراب ، حتى يبعثنا الله منه ، فأمر الملك عند ذلك بتابوت من ساج فجعلوا فيه ، وأمر أن يبنى على باب الكهف مسجد فيه ، ويسد به باب الغار فلا يراهم أحد ، وجعل لهم عيداً عظيماً ، وأمر أن يؤتى كل سنة اهـ ملخصاً من الخازن . قوله : ( جمع فتى ) أي كصبي وصبية . قوله : ( أصلح ) أي أو أيسر . قوله : ( هداية ) أي تثبيتاً على الإيمان ، وتوفيقاً للأعمال الصالحة . قوله : { فَضَرَبْنَا عَلَىٰ آذَانِهِمْ } مفعوله محذوف تقديره حجاباً مانعاً لهم من السماع ، وهذا هو المعنى الحقيقي ، وليس مراداً بل المراد أنمناهم ، ففي الكلام تجوز ، حيث شبه إلقاء النوم بضرب الحجاب ، واستعير اسم المشبه به للمشبه ، واشتق من الضرب ضربنا بمعنى أنمنا ، استعارة تصريحية تبعية . قوله : ( معدودة ) أشار بذلك إلى أن عدداً مصدر بمعنى معدود نعت لسنين ، وسيأتي عدها في الآية . قوله : ( علم مشاهدة ) جواب عما يقال : كيف قال تعالى : { لِنَعْلَمَ } مع أنه تعالى عالم بكل شيء أزلاً ، فأجاب بقوله : ( علم مشاهدة ) والمعنى ليظهر ويشاهد ويحصل لهم ما تعلق به علمنا أزلاً من ضبط مدتهم . قوله : ( الفريقين المختلفين ) قيل المراد بالفريقين أصحاب الكهف ، لافتراقهم فرقتين : فرقة تقول يوم ، وفرقة تلوق بعض يوم ، وقيل هم أهل المدينة ، افترقوا فرقتين في قدر مدتهم بالتخمين والظن . قوله : ( فعل ) أي ماض وليس اسم تفضيل ، لأنه لا يبنى من غير الثلاثي . قوله : ( للبثهم ) أشار بذلك إلى أن ما مصدرية مراعى فيها اعتبار المدة ، وقوله : ( متعلق بما بعده ) أي حال منه ، و { أَمَداً } مفعول { أَحْصَىٰ } . قوله : { نَحْنُ نَقُصُّ عَلَيْكَ نبَأَهُم } أي نفصل لك يا محمد خبرهم . قوله : { بِٱلْحَقِّ } الباء للملابسة ، والجار والمجرور حال من نبأ . قوله : { إِنَّهُمْ فِتْيَةٌ } أي شباب كانوا من عظماء أهل تلك المدينة ، وأحدهم كان وزيراً للملك . قوله : { آمَنُواْ بِرَبِّهِمْ } أي صدقوا به وانقادوا لأحكامه . قوله : ( قويناها على قول الحق ) أي حيث خالفوا الملك ، ولم يحصل لهم منه رعب ولا خوف . قوله : { إِذْ قَامُواْ } ظرف لربطنا ، أي ربطنا على قلوبهم وقت قيامهم . قوله : ( بين يدي ملكهم ) أي واسمه دقيانوس . قوله : { فَقَالُواْ } أي خطاباً للملك ثلاث جمل ، وآخرها قوله : { شَطَطاً } . قوله : { لَن نَّدْعُوَاْ } أي نعبد . قوله : ( أي قولاً ذا شطط ) أشار بذلك إلى أن شططاً منصوب على المصدرية ، صفة لمحذوف على حذف مضاف ، أي إفراط في الكفر ، أي مجاوزة الحد فيه .