Back to subchapter overview
Subchapter (Sura: 18, Ayat: 83-87)
Tafsir: Ḥāšīyat aṣ-Ṣāwī ʿalā tafsīr al-Ǧalālayn
The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com
قوله : { وَيَسْأَلُونَكَ } أي المشركون بأمر اليهود ، فاليهود سبب في السؤال ، وإن لم تقع منهم المباشرة له ، فصح قول المفسر لليهود . قوله : { عَن ذِي ٱلْقَرْنَيْنِ } لقب بذلك لما قيل : إن له قرنين صغيرين في رأسه ، وقيل لأنه أعطي علم الظاهر والباطن ، وقيل لأنه ملك فارس والروم . قوله : ( اسمه الإسكندر ) أي وهو الذي بنى الإسكندرية وسماها باسمه . قوله : ( ولم يكن نبياً ) أي على الصحيح ، وإنما كان ولياً فقط ، وما يأتي مما يوهم نبوته ، فمؤول ومحمول على الإلهام والإلقاء في القلب ، وذلك غير مخصوص بالأنبياء ، واسكندر هذا من أولاد سام بن نوح ، وكان ابن عجوز ليس لها غيره ، وكان أسود اللون ، وكان على شريعة إبراهيم الخليل ، فإنه أسلم على يديه ودعا له ، وأوصاه بوصايا ، وكان يطوف معه ، وكان الخضر وزيره وابن خالته ، وكان يسير معه على مقدمة جيشه ، وهذا بخلاف ذي القرنين الأصغر ، فإنه من ولد العيص بن إسحاق ، وكان كافراً ، عاش ألفاً وستمائة سنة ، وكان قبل المسيح بثلاثمائة سنة , وفي القرطبي قال وهب بن منبه : كان ذو القرنين رجلاً من الروم ، ابن عجوز من عجائزهم ، ليس لها ولد غيره ، كان اسمه إسكندر ، فلما بلغ كان عبداً صالحاً ، قال الله تعالى ، أي على لسان نبي كان موجوداً أو بإلهام : يا ذا القرنين إني باعثك ، أي سلطاناً إلى أمم الأرض ، وهم أمم مختلفة ألسنتهم ، وهم جميع أهل الأرض ، وهم أصناف : أمتان بينهما طول الأرض كلها ، وأمتان بينهما عرض الأرض كلها ، وأمم في وسط الأرض منهم : الجن الإنس ويأجوج ومأجوج ، فأما اللتان بينهما عرض الأرض ، فأمة في قطر الأرض تحت الجنوب ويقال لها هاويل ، وأمة في قطر الأرض الأيسر ويقال لها تأويل ، وأما اللتان بينهما طول الأرض ، فأمة عند مطلع الشمس يقال لها منسك ، وأمة عن مغرب الشمس يقال لها ناسك ، فقال ذو القرنين : إلهي لقد ندبتني لأمر عظيم ، لا يقدر قدره إلا أنت ، فأخبرني عن هذه الأمم ، بأي قوة أكاثرهم ، وبأي صبر أقاسيهم ؟ وبأي لسان أناطقهم ؟ وكيف لي بأن أفقه لغتهم وليس لي قوة ؟ فقال الله تعالى : سأظفرك بما حملتك ، أشرح لك صدراً فتسمع كل شيء ، وأثبت لك فهماً فتفقه كل شيء ، وألبسك الهيبة فلا يروعك شيء ، وأسخر لك النور والظلمة ، فيكونان جنداً من جنودك ، يهديك النور من أمامك ، وتحفظك الظلمة من ورائك ، فلما قيل له ذلك ، سار بمن اتبعه ، فانطلق إلى الأمة التي عند مغرب الشمس ، لأنها كانت أقرب الأمم منه ، وهي ناسك ، فوجد جنوداً لا يحصيها إلا الله ، وقوة وبأساً لا يطيقه إلا الله تعالى ، وألسنة مختلفة ، وأهواء مشتتة ، فكاثرهم بالظلمة ، فضرب حولهم ثلاث عساكر من جنود الظلمة ، قدر ما أحاط بهم من كل مكان ، حتى جمعهم في مكان واحد ، ثم دخل عليهم بالنور ، فدعاهم إلى الله تعالى وإلى عبادته ، فمنهم من آمن به ، ومنهم من صدَّ عنه ، فأدخل على الذين تولوا الظلمة ، فغشيتهم من كل مكان ، فدخلت في أفواههم وأنوفهم وأعينهم وبيوتهم ، وغشيتهم من كل مكان ، فتحيروا وهاجروا وأشفقوا أن يهلكوا ، فعجوا إلى الله بصوت واحد : إنا آمنا ، فكشفها عنهم وأخذهم عنوة ودخلوا في دعوته ، فجند من أهل المغرب أمماً عظيمة ، فجعلهم جنداً واحداً ، ثم انطلق بهم يقودهم ، والظلمة تسوقهم وتحرسه من خلفه والنور أمامه يقوده ويدله ، وهو يسير في ناحية الأرض الأيمن ، وهي هاويل ، وسخر الله له يده وقلبه وعقله ونظره ، فلا يخطئ إذا عمل عملاً ، فإذا أتوا مخاضة أو بحراً ، بنى سقفاً من ألواح صغار أمثال النعال ، فيضمها في ساعة ، ثم يحمل عليها من معه من تلك الأمم ، فإذا قطع البحار والأنهار ، فتقها ودفع إلى كل رجل لوحاً فلا يكترث بحمله ، فانتهى إلى هاويل ، ففعل بهم كفعله بناسك فآمنوا ، فأخذ جيوشاً منهم ، فانطلق إلى ناحية الأرض الأخرى ، حتى انتهى إلى منسك عند مطلع الشمس ، فعمل فيها وجند منها جنوداً ، كفعله في الأولى ، ثم كر مقبلاً ، حتى أخذ بناحية الأرض اليسرى يريد تاويل ، وهي الأرض التي تقابل هاويل ، بينهما عرض الأرض ففعل فيها كفعله فيها قبلها ، ثم عطف على الأمم التي وسط الأرض ، من الإنس والجن ويأجوج ومأجوج ، فلما كان في بعض الطريق ، مما يلي منقطع الترك نحو المشرق ، قالت أمة صالحة من الإنس : يا ذا القرنين ، إن بين هذين الجبلين خلقاً من خلق الله كثيرين ، ليس فيهم مشابهة للإنس ، وهم أشباه البهائم ، يأكلون العشب ، ويفترسون الدواب والوحش كما تفترسها السباع ، ويأكلون دواب الأرض كلها ، من الحيات والعقارب والوزغ وكل ذي روح مما خلق الله في الأرض ، وليس لله خلق تنمى نماءهم في العام الواحد ، فإذا طالت المدة ، سيملأون الأرض ويخرجون أهلها منها ، فهل نجعل لك خرجاً ، على أن تجعل بيننا وبينهم سداً ، إلى آخر ما يأتي في الآية ، وبالجملة فقد ملكه الله ومكنه ودانت له الملوك ، فقد روي أن الذين ملكوا الدنيا كلها أربعة : مؤمنان وكافران ، فالمؤمنان : سليمان بن داود ، والإسكندر ، والكافران : نمروذ ، وبختنصر ، وسيملكها من هذه الأمة خامس وهو المهدي . قوله : { إِنَّا مَكَّنَّا لَهُ فِي ٱلأَرْضِ } أي بالتصرف فيها حيث شاء . قوله : ( طريقاً ) أي كآلات السير وكثرة الجنود . قوله : ( إلى مراده ) أي وهو جميع الأرض . قوله : { فَأَتْبَعَ سَبَباً } بالتشديد والتخفيف ، قراءتان سبعيتان . قوله : ( موضع غروبها ) أي فالمراد أنه بلغ آخر العمارة من الأرض ووصل إلى ساحل البحر المحيط ، فلما لم يبق قدامه شط بل مياه لا آخر لها ، رأى الشمس كأنها تغرب فيه ، وسماه الله عيناً ، لأنه بالنسبة إلى ما هو أعظم منه في علم الله كالعين ، وإن كان عظيماً في نفسه . قوله : { حَمِئَةٍ } بالهمز بدون ألف ، وبألف بعدها ياء ، قراءتان سبعيتان ، فأما الأولى فهي من الحمأة ، وهي الطين الأسود . وأما الثانية فهي اسم فاعل من حمى يحمي . والمعنى في عين حارة ، ولا تنافي بين القراءتين ، لأن العين جامعة بين الوصفين : الحرارة وكون أرضها من طين . قوله : ( وغروبها في العين ) الخ ، جواب عما يقال : إن الشمس في السماء الرابعة ، وهي قدر كرة الأرض مائة وستين مرة ، فكيف تسعها عين في الأرض تغرب فيها ، فأجاب : بأن هذا الوجدان باعتبار ما رأى لا حقيقة ، كما يرى راكب البحر الشمس طالعة وغاربة فيه ، قوله : ( كافرين ) أي وكانوا في مدينة لها اثنا عشر ألف باب ، كانت على ساحل البحر المحيط ، وقوتهم ما يلفظه البحر من السمك ، وكان لباسهم جلود الوحوش . قوله : { قُلْنَا } أي بألهام . قوله : ( بالأسر ) أي وسمي إحساناً بالنسبة للقتل . قوله : { أَمَّا مَن ظَلَمَ } أي استمر على ظلمه . قوله : { ثُمَّ يُرَدُّ } أي في الآخرة قوله : ( بسكون الكاف وضمها ) أي فهما سبعيتان . قوله : ( أي لجهة النسبة ) أي نسبة الخبر المقدم ، وهو الجار المجرور ، إلى المبتدأ المؤخر وهو الحسنى ، والتقدير فالحسنى كائنة له من جهة الجزاء .