Back to subchapter overview

Subchapter (Sura: 2, Ayat: 30-30)

Tafsir: Ḥāšīyat aṣ-Ṣāwī ʿalā tafsīr al-Ǧalālayn

The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com

قوله : { وَإِذْ قَالَ رَبُّكَ } إذ ظرف في محل نصب معمول لمحذوف قدره المفسر بقوله اذكر أي اذكر يا محمد قصة قول ربك إلخ ، والأحسن أنه معمول لقوله بعد { قَالُواْ أَتَجْعَلُ فِيهَا مَن يُفْسِدُ فِيهَا } وقت قول ربك للملائكة إلخ لأن إذا وقعت ظرفاً لا تكون إلا للزمان ، قوله : { لِلْمَلَٰئِكَةِ } جمع ملك مخفف ملأك وأصله مألك على وزن مفعل مشتق من الألوكة وهي الإرسال دخله القلب المكاني فأخرت الهمزة عن اللام فنقلت حركت الهمزة للساكن قبلها وهو اللام فسقطت الهمزة ، قوله : { إِنِّي جَاعِلٌ } يصح أن يكون بمعنى مصير فخليفة مفعول أول وفي الأرض مفعول ثاني قدم لأنه المسوغ للإبتداء بالنكرة في الأصل ، ويصح أن يكون بمعنى خالق فخليفة مفعول وفي الأرض متعلق به ، قوله : { خَلِيفَةً } فعليه بمعنى مفعول أي مخلوف أو بمعنى فاعل أي خالف بمعنى أنه قائم بالخلافة ، وحكمة جعله خليفة الرحمة بالعباد لا لإفتقار الله له ، وذلك أن العباد لا طاقة لهم على تلقي الأوامر والنواهي من الله بلا واسطة ، بل ولا بواسطة ملك ، فمن رحمته ولطفه وإحسانه إرسال الرسل من البشر ، قوله : ( وهو أدم ) أي فهو البشر والخليفة الأول باعتبار عالم الأجساد ، وأما باعتبار عالم الأرواح فهو سيدنا محمد صلى الله عليه وسلم قال العارف : @ فإني وإن كنت ابن آدم صورة فلي فيه معنى شاهد بأبوتي @@ وهو مأخوذ من أديم الأرض لخلقه من جميع أجزائها وكانت ستين جزءاً ، ولذلك كان طباع نبيه ستين طبعاً . كفارة الظهار والصوم ستين ، وعاش من العمر تسعمائة وستين وما مات حتى رأى من أولاده مائة ألف عمروا الأرض بأنواع الصنائع ، والملائكة المخاطبون يحتمل أنهم من النوع المسمى بالجان ، ورئيسهم إبليس ، فإن الله خلق خلقاً وأسكنهم الأرض يسمون بني الجان فأفسدوا في الأرض ، فلسط الله عليهم هؤلاء الملائكة فطردوهم وسكنوا موضعهم ، ويحتمل أن الخطاب لعموم الملائكة ، قوله : { مَن يُفْسِدُ فِيهَا } أي بمقتضى القوة الشهوية ، وقوله : { وَيَسْفِكُ ٱلدِّمَآءَ } أي بمقتضى القوة الغضبية ، فإن في الإنسان ثلاثة أشياء : قوة شهوية ، وقوة غضبية ، وقوة عقلية فبالأولين يحصل النقص ، وبالأخيرة يحصل الكمال والفضل ، وقد نظر الملائكة للأوليين ولم ينظروا للثالثة . قوله : ( كما فعل بنو الجان ) قيل الجان إبليس ، وقيل مخلوق آخر ، وإبليس أبو الشياطين ، قوله : ( أرسل الله عليهم الملائكة ) أي المسمين بالجان ورئيسهم إبليس ، وفي هذه الآية أمور منها : مشاورة العظيم للحقير ، ولا بأس بها لتأليف الحقير ، قال تعالى : { وَشَاوِرْهُمْ فِي ٱلأَمْرِ } [ آل عمران : 159 ] ، ومنها إظهار عجز الملائكة عن علم الغيب ، ومنها إظهار فضل آدم للملائكة ، ومنها أنه لا ينبغي ترك الخير الكثير من أجل شر قليل ، فإن بني آدم خيرهم غالب سرهم ، فإن منهم الأنبياء والرسل والأولياء ، وإن لم يكن منهم إلا سيدنا محمد لكفى ، قوله : ( متلبسين ) أشار بذلك إلى أن الباء للملابسة ، والجملة من قبيل الحال المتداخلة ، قوله : { وَنُقَدِّسُ لَكَ } التقديس في اللغة يرجع لمعنى التسبيح وهو التنزيه عما لا يليق ، وأما هنا فالتسبيح يرجع للعبادة والظاهرية ، والتقديس يرجع للإعتقادات الباطنية ، قوله : ( فاللام زائدة ) أي لتأكيد التخصيص ، ويحتمل أنها للتعدية والتعليل أي ننزهك لك لا طمعاً في عاجل ولا آجل ، ولا خوفاً من عاجل ولا آجل فتنزيهنا لذاتك فقط ، قوله : ( أي فنحن أحق بالإستخلاف ) ليس المقصود من ذلك الإعتراض على الله ولا احتقار آدم ، وإنما ذلك لطلب جواب يريحهم من العناء ، حيث وقعت المشورة من الله لهم ، قوله : ( فيظهر العدل بينهم ) أي فالطائع المؤمن له الجنة ، والعاصي الكافر له النار ، قوله : ( فقالوا ) أي سراً في أنفسهم ، قوله : ( لسبقنا له ) أي للخلق وهو راجع لقوله أكرم ، وقوله : ( ورؤيتنا ) راجع لقوله ولا أعلم فهو لف ونشر مرتب ، قوله : ( جمع ألوانها ) تقدم أنها ستون ، وورد أن الله لما أراد خلق آدم أوحى إلى الأرض إني خالق منك خلقاً من أطاعني ادخلته الجنة ، ومن عصاني أدخلته النار ، فقالت يا ربنا أتخلق مني خلقاً يدخل النار ؟ فقال نعم فبكت فنبعت العيون من بكائها فهي تجري إلى يوم القيامة ، قوله : ( بالمياة المختلفة ) أي على حسب الألوان .