Back to subchapter overview

Subchapter (Sura: 2, Ayat: 8-9)

Tafsir: Ḥāšīyat aṣ-Ṣāwī ʿalā tafsīr al-Ǧalālayn

The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com

قوله : { وَمِنَ ٱلنَّاسِ مَن يَقُولُ } يحتمل أن الجار والمجرور خبر مقدم ، ومن اسم موصول أو نكرة موصوفة مبتدأ مؤخرة ، وجملة يقول إما صلة أو صفة ، والمعنى الذي يقول أو فريق يقول ما ذكر كائن من الناس ورد ذلك بأنه لا فائدة في ذلك الاخبار ، والحق أن يقال إن من اسم بمعنى بعض مبتدأ أو جربها لأنها على صورة الحرف أو صفة لمحذوف بمبتدأ تقديره فريق من الناس ، وخبره قوله ( من يقول ) الخ وعهده جعل الظرف مبتدأ حيث كان تمام الفائدة بما بعده كقوله تعالى : { وَمِنَّا دُونَ ذَلِكَ } [ الجن : 11 ] وقوله تعالى { وَمِنْهُمُ ٱلَّذِينَ يُؤْذُونَ ٱلنَّبِيَّ } [ التوبة : 61 ] ، وأصل ناس أناس أتى بأل بدل الهمزة مشتق من التأنس لتأنس بعضهم ببعض ، وتسمية الانس به حقيقة ، والجن مجاز وقيل مشتق من ناس إذا تحرك ، وعليه فتسمية الجن به حقيقة أيضاً والحق الأول ، ولذا قيل لم يوجد منافق أو مشرك إلا في بني آدم فقط وكفر الجن بغير الإشراك والنفاق وهو جمع إنسان أو إنسي ، والمراد من المنافقين هنا بعض سكان البوادي بعض أهل المدينة في زمنه صلى الله عليه وسلم وخير ما فسرته بالوارد ، قال تعالى : { وَمِمَّنْ حَوْلَكُمْ مِّنَ ٱلأَعْرَابِ مُنَٰفِقُونَ وَمِنْ أَهْلِ ٱلْمَدِينَةِ } [ التوبة : 101 ] الآية . قوله : { وَبِٱلْيَوْمِ ٱلآخِرِ } أعاد الجار لإفادة تأكد دعواهم الإيمان بكل ما جاء به رسول الله ، فرد عليهم المولى بأبلغ رد بقوله : { وَمَا هُم بِمُؤْمِنِينَ } حيث أتى بالجملة الاسمية وزاد الجار في الخبر . قوله : ( لأنه آخر الآيام ) علة لتسميته اليوم الآخر ، والمراد بالأيام الأوقات ، وهل المراد الأوقات المحدودة وهو بناء على أن أوله النفخة وآخره الاستقرار في الدارين أو الأوقات الغير المحدودة بناء على أنه لا نهاية له ، وقوله : { وَمَا هُم بِمُؤْمِنِينَ } جملة اسمية تفيد الدوام والاستمرار ، أي لم يتصفوا بالإيمان في حال من الأحوال ، لا في الماضي ولا في الحال ولا في الاستقبال . قوله : { يُخَادِعُونَ ٱللَّهَ } هذا جواب عن سؤال مقدر تقديره ما الحامل لهم على إظهار الإيمان وإخفاء الكفرة ، وحقيقة المخادعة أن يظهر لصاحبه أنه موافق ومساعد له على مراده ، والواقع أنه ساع في إبطال مراده ، فاظهار خلاف ما يبطن إن كان في الدين سمي نفاقاً وخديعة ومكراً ، وإن كان في الدنيا بأن يصانع أهل الدنيا لأجل حماية الدين ووقايته تسمى مداراة وهي ممدوحة . قوله : ( من الكفر ) بيان لما أبطنوه . وقوله : ( ليدفعوا ) علة للإظهار . قوله ( أحكامه ) أي الكفر . وقوله : ( الدنيوية ) أي الكائنة في الدنيا وذلك كالقتل والسبي والجزية والذل ، ولو قصدوا دفع أحكامه الأخروية من الخلود في النار وغضب الجبار لأخلصوا في إيمانهم . قوله : ( لأن وبال خداعهم ) أي عذابه وعاقبه أمره . قوله : ( راجع إليهم ) قال تعالى : { وَلاَ يَحِيقُ ٱلْمَكْرُ ٱلسَّيِّىءُ إِلاَّ بِأَهْلِهِ } [ فاطر : 43 ] . قوله : ( فيفتضحون ) تفريع على قوله : ( لأن وبال خداعهم الخ ) . قوله : ( بإطلاع الله نبيه ) أي وأمره بإخراجهم من المسجد ونزل فيهم : ( وَلاَ تُصَلِّ عَلَىٰ أَحَدٍ مِّنْهُم ) الآيات . قوله : ( ويعاقبون في الآخرة ) أي بالعذاب الدائم المؤبد في الدرك الأسفل . قوله : ( يعلمون ) سمى العلم شعوراً لأنه يكون بأحد المشاعر الخمس وهي : الشم والذوق واللمس والسمع والبصر . قوله : ( والمخادعة هنا من واحد ) أي فليست على بابها وهو جواب عن سؤال تقديره إن المفاعلة تكون من الجانبين ، وفعل الله لا يقال فيه مخادعة ، فأجاب بما ذكر ، وقد ورد سؤال آخر حاصله أن الخداع لا يكون إلا لمن تخفى عليه الأمور ، فما معنى إسناد المخادعة إلى الله أجيب بأن في الكلام استعارة تمثيلية ، حيث شبه حالهم مع ربهم في إيمانهم ظاهراً لا باطناً بحال رعية تخادع سلطانها واستعير اسم المشبه به للمشبه ، أو مجاز عقلي ، أي يخادعون رسول الله من اسناد الشيء إلى غير من هو له أو مجاز بالحذف ، أو في الكلام تورية وهي أن يكون للكلام معنى قريب وبعيد ، فيطلق القريب ويراد البعيد وهو مطلق الخروج عن الطاعة باطناً ، وإن كان العامل لا تخفى عليه خافية ، وأشار المفسر لذلك كله بقوله ( وذكر الله فيها تحسين ) أي يذكر المجاز لأنه أبلغ من الحقيقة .