Back to subchapter overview
Subchapter (Sura: 24, Ayat: 11-13)
Tafsir: Ḥāšīyat aṣ-Ṣāwī ʿalā tafsīr al-Ǧalālayn
The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com
قوله : { إِنَّ ٱلَّذِينَ جَآءُوا بِٱلإِفْكِ } الخ ، شروع في ذكر الآيات المتعلقة بالإفك ، وهي ثماني عشرة تنتهي بقوله : { أُوْلَـٰئِكَ مُبَرَّءُونَ مِمَّا يَقُولُونَ لَهُم مَّغْفِرَةٌ وَرِزْقٌ كَرِيمٌ } [ النور : 26 ] ومناسبة هذه الآيات لما قبلها أن الله لما ذكر ما في الزنا من الشناعة والقبح ، وذكر ما يترتب على من رمى غيره به ، وذكر أنه لا يليق بآحاد الأمة ، فضلاً عن زوجة سيد المرسلين صلى الله عليه وسلم ذكر ما يتعلق بذلك . قوله : ( أسوأ الكذب ) أي أقبحه وأفحشه . قوله : ( على عائشة ) متعلق بالكذب ، وقد عقد عليها النبي صلى الله عليه وسلم بمكة وهي بنت ست سنين أو سبع ، ودخل عليها بالمدينة وهي بنت تسع ، وتوفي عنها وهي بنت ثماني عشرة سنة . قوله : { عُصْبَةٌ مِّنْكُمْ } العصبة من العشرة إلى الأربعين ، وإن كان من عينتهم وذكرتهم أربعة فقط ، لأنهم هم الرؤساء في هذا الأمر . قوله : ( من المؤمنين ) أي ولو ظاهراً ، فإن عبد الله بن أبي من كبار المنافقين . قوله : ( قالت ) أي عائشة في تعيين أهل الإفك . قوله : ( وحمنة بنت جحش ) هي زوجة طلحة بن عبيد الله . قوله : { لاَ تَحْسَبُوهُ شَرّاً لَّكُمْ } المخاطب به النبي صلى الله عليه وسلم وأبو بكر وعائشة وصفوان تسلية لهم . قوله : { بَلْ هُوَ خَيْرٌ لَّكُمْ } أي لظهور كرامتكم على الله وتعظيم شأنكم ، وتهويل الوعيد لمن تكلم فيكم ، والثناء على من ظن بكم خيراً . قوله : ( يأجركم الله به ) أي بسبب الصبر عليه . قوله : ( ومن جاء معها ) أي يقود بها الراحلة . قوله : ( وهم صفوان ) أي السلمي بن المعطل . قوله : ( في غزوة ) قيل هي غزوة بني المصطلق ، وكانت في السنة الرابعة ، وقيل في السادسة . وسببها : أن رسول الله صلى الله عليه وسلم بلغه أن بني المصطلق يجتمعون لحربه ، وقائدهم الحرث بن ضرار أبو جويرية زوج النبي صلى الله عليه وسلم ، فلما سمع بذلك خرج اليهم ، حتى لقيهم على ماء من مياههم يقال له المريسيع ، من ناحية قديد إلى الساحل ، فاقتتلوا فهزم الله بني المصطلق ، وأمكن رسوله من أبنائهم ونسائهم وأموالهم ، وردها عليهم . قوله : ( بعدما أنزل الحجاب ) أي وهو قوله تعالى : { وَإِذَا سَأَلْتُمُوهُنَّ مَتَاعاً فَٱسْأَلُوهُنَّ مِن وَرَآءِ حِجَابٍ } [ الزخرف : 53 ] . قوله : ( وآذن ) بالمد والقصر ، أي اعلم . قوله : ( وقضيت شأني ) أي حاجتي كالبول مثلاً . قوله : ( فإذا عقدي انقطع ) أي وكان من جزع ظفار ، وهو الخرز اليماني غالي القيمة ، وكان أصله لأمها ، أعطته لها حين تزوجها رسول الله صلى الله عليه سلم ، وقيل لأختها أسماء . قوله : ( ألتمسه ) أي أفتش عليه . قوله : ( فجلست في المنزل الذي كنت فيه ) أي وهذا من حسن عقلها وجودة رأيها ، فإن من الآداب ، أن الإنسان إذا ضل عن رفقته ، وعلم أنهم يفتشون عليه ، أن يجلس في المكان الذي فقدوه فيه ولا ينتقل منه ، فربما رجعوا فلم يجدوه . قوله : ( فنمت ) أي وكانت كثيرة النوم لحداثة سنها . قوله : ( وكان صفوان قد عرس ) أي وكان صاحب ساقة رسول الله لشجاعته ، وكان إذا رحل الناس قام يصلي ثم اتبعهم ، فما سقط منهم شيء إلا حمله ، حتى يأتي به أصحابه . قوله : ( فسار منه ) أي فادلج بالتشديد سار من آخر الليل ، وأما دلج سار من أوله . قوله : ( في منزله ) أي منزل الجيش الذي مكثت فيه عائشة . قوله : ( وطئ على يدها ) أي الراحلة خوف أن تقوم . قوله : ( موغرين ) أي اتينا الجيش في وقت القيلولة . قوله : ( فهلك من هلك ) أي تكلم بما كان سبباً في هلاكه . قوله : ( فيّ ) أي بسببي . قوله : ( ابن أبي ابن سلول ) نسب أولاً لأبيه ثم لأمه . قوله : ( انتهى قولها ) هذا باعتبار ما اختصره ، وإلا فحديثها له بقية كما في البخاري وهي : فقدمنا المدينة فاشتكيت بها شهراً ، وهم يفيضون من قول أصحاب الإفك ، ويريبني في وجعي ، أني لا أرى من رسول الله صلى الله عليه وسلم اللطف الذي كنت أرى منه حين أمرض ، إنما يدخل فيسلم ثم يقول : كيف تيكم ؟ لا أشعر بشيء من ذلك ، حتى نقهت بفتح فكسر ، أي برئت من مرضي ، فخرجت أنا وأم مسطح قبل المناصع متبرزنا ، لا نخرج إلا ليلاً إلى ليل ، وذلك قبل أن تتخذ الكنف قريباً من بيوتنا ، وأمرنا أمر العرب الأول ، في البرية أو في التنزه ، فأقبلت أنا وأم مسطح بنت رهم نمشي ، فعثرت في مرطها ، هو بكسر الميم ، كساء من صوف ، فقالت : تعس مسطح ، فقلت لها : بئس ماقلت : أتسبين رجلاً شهد بدراً ؟ فقالت : يا هنتاه ، أي قليلة المعرفة ، ألم تسمعي ما قالوا ؟ فأخبرتني بقول أهل الإفك ، فازددت مرضاً على مرضي ، فلما رجعت إلى بيتي ، دخل عليّ رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال : كيف تيكم ؟ فقلت : ائذن لي إلى أبوي ، قالت : وأنا حينئذ أريد أن أستيقن الخبر من قبلهما ، فأذن لي رسول الله صلى الله عليه وسلم فأتيت أبوي فقلت لأمي : ما يتحدث به الناس ؟ قالت : يا بنيتي هوني على نفسك الشأن ، فوالله قلما كانت امرأة قط وضيئة عند رجل يحبها ولها ضرائر إلا أكثرن عليها ، فقلت : سبحان الله ولقد تحدث الناس بهذا ؟ قالت : فبت تلك الليلة ، حتى أصبحت لا يرقأ لي دمع ، ولا أكتحل بنوم ، ثم أصبحت ، فدعا رسول الله صلى الله عليه وسلم علي بن أبي طالب وأسامة بن زيد حين استلبث الوحي ، يستشيرهما في فراق أهله ، فأما أسامة فأشار اليه بالذي يعلم من نفسه بالود لهم ، فقال أسامة : هم أهلك يا رسول الله ، ولا نعلم والله إلا خيراً ، وأما علي بن أبي طالب فقال : لم يضيق الله عليك والنساء سواها كثيراً ، واسأل الجارية تصدقك ، فدعا رسول الله صلى الله عليه وسلم بريرة فقال : يا بريرة هل رأيت فيها شيئاً يريبك ؟ فقالت بريرة : لا والذي بعثك بالحق نبياً ، إن رأيت منها أمراً أغمصه عليها ، هو بهمزة مفتوحة فغين معجمة فضاد مهملة ، أي أعيبه وأنكره ، أكثر من أنها جارية حديثة السن تنام عن العجين فيأتي الداجن ، وهو بدال مهملة ثم جيم ، ما يألف البيوت من الشاة والدجاج ونحو ذلك فيأكله ، فقام رسول الله صلى الله عليه وسلم من نومه ، فاستعذر من عبد الله بن أبي ابن سلول ، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم : من يعذرني من رجل بلغني أذاه في أهلي ، فوالله ما علمت في أهلي إلا خيراً ، وقد ذكروا رجلاً ما علمت عليه إلا خيراً ، وما كان يدخل على أهلي إلا معي ، فقام سعد بن معاذ وقال : يا رسول الله أنا والله أعذرك منه ، إن كان من الأوس ضربنا عنقه ، وإن كان من إخواننا من الخزرج أمرتنا ففعلنا أمرك ، فقام سعد بن عبادة وهو سيد الخزرج ، وكان قبل ذلك رجلاً صالحاً ، ولكن احتملته الحمية فقال : كذبت لعمر الله لا تقتله ولا تقدر على ذلك ، فقام أسيد بن حضير فقال : كذبت لعمر الله لنقتلنه ، فإنك منافق تجادل عن المنافقين ، فثار الحيان : الأوس والخزرج حتى هموا أن يقتتلوا ورسول الله صلى الله عليه وسلم على المنبر ، فنزل فخفضهم حتى سكتوا وسكت ، وبكيت يومي لا يرقأ لي دمع ولا أكتحل بنوم ، فأصبح عندي أبواي ، وقد بكيت ليلتي ويوماً ، حتى أظن أن البكاء فالق كبدي ، قالت : فينما هما جالسان وأنا أبكي ، إذ استأذنت امرأة من الأنصار فأذنت لها ، فجلست تبكي معي ، فبينما نحن كذلك ، إذ دخل رسول الله صلى الله عليه وسلم فجلس ، ولم يجلس عندي من يوم قيل لي ما قيل قبلها ، مكث شهراً لا يوحى إليه في شأني شيء ، قالت : فتشهد ثم قال : يا عائشة إنه قد بلغني عنك كذا وكذا ، فإن كنت بريئة فسيبرئك الله ، وإن كنت ألممت بذتب ، فاستغفري الله وتوبي إليه ، فإن العبد إذا اعترف بذنبه ثم تاب ، تاب الله عليه ، فلما قصى رسول الله صلى الله عليه وسلم مقالته قلص دمعي ، أي انقطع جريانه حتى ما أحس منه بقطرة وقلت لأبي : أجب عني رسول الله صلى الله عليه وسلم ، قال : والله ما أدري ما أقول لرسول الله صلى الله عليه وسلم ، فقلت لأمي : أجيبي عني رسول الله صلى الله عليه وسلم فيما قال : قالت : والله ما أدري ما أقول لرسول الله صلى الله عليه وسلم ، قالت : وأنا جارية حديثة السن لا اقرأ كثيراً من القرآن فقات : إني والله لقد علمت أنكم سمعتم ما تحدث به الناس ، ووقر في أنفسكم وصدقتم به ، ولئن قلت لكم إني بريئة ، والله يعلم إني لبريئة لا تصقوني بذلك ، ولئن اعترفت لكم بأمر ، والله يعلم إني لبريئة لتصدقنني ، والله ما أجد لي ولكم مثلاً إلى أبا يوسف إذ قال : { فَصَبْرٌ جَمِيلٌ وَٱللَّهُ ٱلْمُسْتَعَانُ عَلَىٰ مَا تَصِفُونَ } [ يوسف : 18 ] ثم تحوّلت فاضطجعت على فراشي ، وأنا أرجو أن يبرئني الله ، ولكن والله ماظننت أن ينزل في شأني وحي ، ولأنا أحفر في نفسي من أن يتكلم بالقرآن في أمري ، ولكن كنت أرجو أن يرى رسول الله صلى الله عليه وسلم فيّ اليوم رؤيا يبرئني الله بها ، فوالله ما رام أن برح مجلسه ولا خرج أحد من أهل البيت ، حتى أنزل عليه الوحي ، فأخذه ما كان يأخذه من البرحاء أو الشدة والكرب ، حتى إنه لينحدر منه مثل الجمان ، أي اللؤلؤ من العرق في يوم شات ، فلما سري أي كشف عن رسول الله صلى الله عليه وسلم وهو يضحك ، فكان أول كلمة تكلم بها أن قال : يا عائشة احمدي الله فقد برأك الله ، قالت أمي : قومي لرسول الله صلى الله عليه وسلم ، فقلت : والله لا أقوم اليه ولا احمد إلا الله ، فأنزل الله عز وجل : { إِنَّ ٱلَّذِينَ جَآءُوا بِٱلإِفْكِ عُصْبَةٌ مِّنْكُمْ } الآيات . فلما أنزل الله هذا في براءتي ، قال أبو بكر الصديق وكان ينفق على مسطح بن اثاثة لقرابته منه : والله لا أنفق على مسطح بشيء أبداً بعدما قال في عائشة ، فأنزل الله عز وجل : { وَلاَ يَأْتَلِ أُوْلُواْ ٱلْفَضْلِ مِنكُمْ وَٱلسَّعَةِ } الآية إلى قوله : { غَفُورٌ رَّحِيمٌ } [ النور : 22 ] فقال أبو بكر : بل والله إني لأحب أن يغفر الله لي ، فرجع إلى مسطح الذي كان يجري عليه ، وكان رسول الله صلى الله عليه وسلم يسأل زينب بنت جحش عن أمري فقال : يا زينب ما علمت ما رأيت ؟ فقالت : يا رسول الله احمي سمعي وبصري ، والله ما علمت عليها إلا خيراً ، قالت : وهي التي تساميني فعصمها الله بالورع . انتهى . قوله : { لِكُلِّ ٱمْرِىءٍ مِّنْهُمْ } أي من العصبة . قوله : { مَّا ٱكْتَسَبَ مِنَ ٱلإِثْمِ } أي جزاء ما اكتسب من الإثم في الدنيا ، وهو لغير عبد الله بن أبيّ ، فإنهم قد حدوا حد القذف ، وعمي حسان وشلت يده في آخر عمره ، وعمي مسطح أيضاً ، أو في الدنيا والآخرة وهو لابن أبيّ ، فعذبه الله بخزي الدنيا والخلود في النار . قوله : { لَّوْلاۤ إِذْ سَمِعْتُمُوهُ } لما بين سبحانه وتعالى حال الخائضين في الإفك ، وأنهم اكتسبوا الإثم ، شرع في توبيخهم وزجرهم بتسعة زواجر : الأول هذا ، والثاني { لَّوْلاَ جَآءُوا عَلَيْهِ } الخ ، والثالث { وَلَوْلاَ فَضْلُ ٱللَّهِ } [ النور : 14 ] الخ ، والرابع { إِذْ تَلَقَّوْنَهُ } [ النور : 15 ] الخ ، والخامس { لَّوْلاۤ إِذْ سَمِعْتُمُوهُ } الخ ، السادس { يَعِظُكُمُ ٱللَّهُ } [ النور : 17 ] الخ ، السابع { إِنَّ ٱلَّذِينَ يُحِبُّونَ } [ النور : 19 ] الخ ، الثامن { وَلَوْلاَ فَضْلُ ٱللَّهِ عَلَيْكُمْ } [ النور : 20 ] الخ ، التاسع { يٰأَيُّهَا ٱلَّذِينَ آمَنُواْ لاَ تَتَّبِعُواْ خُطُوَاتِ ٱلشَّيْطَانِ } - إلى - { سَمِيعٌ عَلِيمٌ } [ النور : 21 ] ولولا هنا للتوبيخ لدخولها على الماضي ، لأن لولا لها ثلاثة أحوال : إذا دخلت على ماض كان معناها التوبيخ ، وإذا دخلت على مضارع كان معناها التحضيض ، وإذا دخلت على جملة اسمية كانت امتناعية ، وقد كررت هنا في ست مواضع : الأول والثاني والرابع توبيخية لا جواب له ، والثالث والخامس والسادس شرطية ، ذكر جوابها في الثالث والسادس وحذف في الخامس فتدبر ، وإذا ظرف لظن ، والمعنى كان ينبغي لكم بمجرد سماعه ، أن تسحنوا الظن في أم المؤمنين ، ولا تصروا على الأمر القبيح بعد سماعه . قوله : { بِأَنْفُسِهِمْ } أي بأبناء جنسهم في الايمان والصحة . قوله : ( فيه التفات عن الخطاب ) أي إلى الغيبة ، إذ كان مقتضى الظاهر ظننتم ، وحكمته التسجيل عليهم والمبالغة في توبيخهم . قوله : { لَّوْلاَ جَآءُوا عَلَيْهِ } أي الإفك . قوله : ( شاهدوه ) أي عاينوا الزنا : قوله : ( في حكمه ) أي الشرعي لأن مداره على الشهادة والأمر الظاهر ، وهذا جواب عما يقال : إنهم كاذبون عند الله مطلقاً ولو أتوا بشهداء ، فأجاب : بأنهم كاذبون باعتبار حكم الشرع ، ولا شك أنهم لو أتوا ببينة معتبرة ، لكان حكم الله أنهم صادقون في الظاهر ، فأراد الله أن يكذبهم ظاهراً وباطناً .