Back to subchapter overview

Subchapter (Sura: 24, Ayat: 61-62)

Tafsir: Ḥāšīyat aṣ-Ṣāwī ʿalā tafsīr al-Ǧalālayn

The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com

قوله : { لَّيْسَ عَلَى ٱلأَعْمَىٰ حَرَجٌ } الخ ، اختلف العلماء في سبب نزول هذه الآية فقال ابن عباس : لما نزل : { يَٰأَيُّهَا ٱلَّذِينَ آمَنُواْ لاَ تَأْكُلُوۤاْ أَمْوَٰلَكُمْ بَيْنَكُمْ بِٱلْبَٰطِلِ } [ النساء : 29 ] تحرج المسلمون عن مؤاكلة المرضى والزمنى والعمي والعرج وقالوا : الطعام أفضل الأموال ، وقد نهانا الله تعالى عن أكل المال بالباطل ، والأعمى لا يبصر موضع الطعام الطيب ، والأعرج لا يتمكن من الجلوس ، ولا يستطيع المزاحمة على الطعام ، والمريض يضعف عن التناول ، ولا يستوفي حقه من الطعام ، فنزلت هذه الآية ، وعلى هذا فتكون { عَلَى } بمعنى في ، أي ليس عليكم في مؤاكلة الأعمى والأعرج والمريض حرج ، وقيل سبب نزولها : أن هؤلاء الجماعة ، كانوا يتحرجون عن مؤاطلة الأصحاء ، خوف أن يستقذروهم ، وعلى هذا فعلى على بابها ، وقيل إن الآية نزلت في الجهاد ، والمعنى ليس على هؤلاء حرج في التخلف عن الجهاد ، وقيل كانت الصحابة إذا خرجوا للغزو ، دفعوا مفاتيح بيوتهم لهؤلاء الجماعة ويقولون لهم : قد أحللنا لكم أن تأكلوا مما في بيوتنا ، فكانوا يتحرجون من ذلك ويقولون : لا ندخلها وأصحابها غائبون ، مخافة أن لا يكون إذنهم عن طيب نفس ، فنزلت الآية رخصة لهم ، وكل صحيح . إذا علمت ذلك ، فنفي الحرج عن هؤلاء في أمور مخصوصة ، وليس ذلك على العموم ، فإن ما كلف به الصحيح كلف به غيره . قوله : ( مقابليهم ) أي السالمين من هذه الثلاثة . قوله : { عَلَىٰ أَنفُسِكُمْ } معطوف على { ٱلأَعْمَىٰ } والمعنى ليس عليكم حرج في الأكل من بيوتكم . قوله : { مِن بُيُوتِكُمْ } بضم الباء وكسرها ، قراءتان سبعيتان هنا وفي جميع ما يأتي . قوله : ( أي بيوت أولادكم ) أي ذكوراً أو إناثاً ، لأن بويت الولد كبيته ، لقوله عليه الصلاة والسلام : " أنت ومالك لأبيك " وقوله عليه الصلاة والسلام : " إن أطيب ما يأكل المرء من كسبه ، وإن ولده من كسبه " الحامل للمفسر على هذا التقدير ، عدم توهم حرمة الأكل من بيت نفسه ، وعدم ذكر الأولاد صراحة ، فدل ذلك على أن المراد ببيوتكم بيوت أولادكم . قوله : { أَوْ بُيُوتِ ءَابَآئِكُمْ } أي وإن علوا . قوله : { إِخْوَٰنِكُمْ } جمع أخ ويجمع على إخوة وهو المراد هنا ، لأن المراد بهم أخوة النسب ، وهم من شاركوك في رحم أو صلب . قوله : { أَوْ بُيُوتِ أَخَوَٰتِكُمْ } جمع أخت أي مما تملكه ، أو من ملك زوجها إن كان صديقاً له أو مأذونة فيه ، وكذا يقال فيما يأتي . قوله : { أَوْ مَا مَلَكْتُمْ } بالتخفيف ، وقرئ شذوذاً بضم الميم وتشديد اللام مكسورة ، أي ملككم غيركم . قوله : { مَّفَاتِحهُ } جمع مفتح بكسر الميم في قراءة العامة ، وقرئ مفاتيحه بالياء ، ومفتاحه بالإفراد . قوله : ( أي خزنتموه لغيركم ) أي حفظتموه بأن تكونوا وكلاء عليه لقول ابن عباس : عنى بذلك وكيل الرجل وقيمه على ضيعته وماشيته ، فلا بأس عليه أن يأكل من ثمرته وثمرة ضيعته ، ويشرب من لبن ماشيته ، ولا يحمل ولا يدخرها . قوله : ( وهو من صدقكم في مودته ) أي من مكان خالصاً لكم في المحبة . قوله : ( من بيوت من ذكر ) أي الأصناف الأحد عشر ، وخصوا بالذكر لأن الشأن التبسط بينهم . قوله : ( أي إذا علم رضاهم به ) أي ولو بقرينة ، وهذا أحد قولين للعلماء ، وقيل يجوز الأكل من بيوت من ذكر ، ولو لم يعلم رضاهم به ، لأن القرابة التي بينهم تقتضي العطف والسماح . فإن قلت : على الأول حيث كان مشروطاً بعلم رضاهم ، فلا فرق بينهم وبين غيرهم من الأجانب . وأجيب : بأن هؤلاء يكفي فيهم أدنى قرينة ، بل الشرط فيهم أن لا يعلم عدم الرضا ، بخلاف غيرهم من الأجانب ، فلا بد من علم الرضا بصريح الإذن أو قرينة . قوله : ( مجتمعين ) أشار بذلك إلى أن قوله : { جَمِيعاً } حال من فاعل { تَأْكُلُواْ } ، وكذا قوله : { أَشْتَاتاً } . قوله : ( جمع شت ) هو مصدر بمعنى التفرق . قوله : ( نزل فيمن تحرج ) أي فهو كلام مستأنف ، بيان لحكم آخر ، وهم فريق من المؤمنين يقال لهم بنو ليث بن عمرو من كنانة ، كان الرجل منهم لا يأكل ، ويمكث يومه حتى يجد ضيفاً يأكل معه ، فإن لم يجد من يؤاكله لم يأكل شيئاً ، وقيل نزلت في قوم تحرجوا عن الاجتماع على الطعام ، لا ختلاف الآكلين في كثرة الأكل وقلته . قوله : { فَإِذَا دَخَلْتُمْ بُيُوتاً } ( لكم ) أي مساكنكم . قوله : { تَحِيَّةً } منصوب على المصدر من معنى فسلموا ، من باب جلست قعوداً وقمت وقوفاً . قوله : { مِّنْ عِندِ ٱللَّهِ } أي ثابتة بأمره . قوله : { مُبَٰرَكَةً } أي لأنه يرجى بها زيادة الخير والثواب . قوله : ( ولكي تفهموا ذلك ) أي معالم دينكم فهذا أمر إرشاد وأدب للعباد . قوله : { إِنَّمَا ٱلْمُؤْمِنُونَ } الخ ، المقصود من هذه الآية ، مدح المؤمنين الخالصين ، والتعرض بذم المنافقين ، و { إِنَّمَا } أداة حصر ، و { ٱلْمُؤْمِنُونَ } مبتدأ ، وقوله : { ٱلَّذِينَ آمَنُواْ } خبره . قوله : { عَلَىٰ أَمْرٍ جَامِعٍ } إسناد الجمع للأمر مجاز عقلي ، وحقه أن يسند للمؤمنين . قوله : ( كخطبة الجمعة ) أي والأعياد والحروب والحديث وغير ذلك ، وكان رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا صعد المنبر يوم الجمعة ، وأراد الرجل أن يخرج من المسجد لحاجة أو عذر ، لم يخرج حتى يقوم تجاه النبي صلى الله عليه وسلم بحيث يراه ، فيعرف أنه إنما قام ليستأذن ، فيأذن لمن يشاء منهم . قوله : { حَتَّىٰ يَسْتَأْذِنُوهُ } أي يطلبوا منه الإذن فيأذن لهمه . قوله : { إِنَّ ٱلَّذِينَ يَسْتَأْذِنُونَكَ } الخ ، هذا توكيد لما تقدم ، ذكر تفخيماً وتعظيماً للاستئذان . قوله : { فَإِذَا ٱسْتَأْذَنُوكَ لِبَعْضِ شَأْنِهِمْ } أي كما وقد لسيدنا عمر بن الخطاب حين خرج مع النبي صلى الله عليه وسلم في غزوة تبوك ، حيث استأذن الرسول في الرجوع إلى أهله ، فأذن له النبي صلى الله عليه وسلم وقال : ارجع فلست بمنافق ، وكتخلف عثمان لتجهيز زوجته بنت رسول الله صلى الله عليه وسلم حين ماتت ، والنبي صلى الله عليه وسلم متجهز لغزوة بدر . قوله : { فَأْذَن لِّمَن شِئْتَ مِنْهُمْ } في ذلك تفويض الأمر إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم ، لأنه الواسطة العظمى بين الخلق وربهم ، فإذا أذن لأحد ، علم من ذلك أن رضا الله في إذنه ، قال العارف : @ وخصك بالهدى في كل أمر فلست تشاء إلا ما يشاء @@ قوله : { وَٱسْتَغْفِرْ لَهُمُ ٱللَّهَ } أي ليعوّضهم بدل ما فاتهم من مجالستك ، من أجل العذر الذي نزل بهم