Back to subchapter overview
Subchapter (Sura: 28, Ayat: 7-11)
Tafsir: Ḥāšīyat aṣ-Ṣāwī ʿalā tafsīr al-Ǧalālayn
The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com
قوله : ( وحي إلهام أو منام ) هذان قولان للمفسرين ، وقيل كان بملك تمثل لها ، واعترض بأنها ليست بنبية ، وأجيب : بأن الممنوع نزول الملائكة على غير الأنبياء بالشرائع ، وأما بغيرها فجائز ، كنزول الملك على البار أمه التي تقدمت قصته في البقرة . قوله : { إِلَىٰ أُمِّ مُوسَىٰ } أي واسمها يوحانذ بضم الياء وكسر النون وبالذال المعجمة ، وقيل : لوخا بنت هاند بن لاوى بن يعقوب ، وقد اشتملت هذه الآية على أمرين وهما { أَرْضِعِيهِ } و { أَلْقِيهِ } ، ونهيين وهما { لاَ تَخَافِي } و { لاَ تَحْزَنِيۤ } ، وخبرين وبشارتين وهما { إِنَّا رَآدُّوهُ إِلَيْكِ } و { وَجَاعِلُوهُ مِنَ ٱلْمُرْسَلِينَ } فيهما خبران تضمنا بشارتين . قوله : { أَنْ أَرْضِعِيهِ } يصح أن تكون مفسرة أو مصدرية . قوله : { فَإِذَا خِفْتِ عَلَيْهِ } أي من الذبح . قوله : { وَلاَ تَخَافِي } ( غرقه ) دفع بذلك التناقص بين إثبات الخوف ونفيه ، فالمثبت هو خوف الذبح ، والمنفي هو خوف الغرق . قوله : { إِنَّا رَآدُّوهُ إِلَيْكِ } أي لتأمني عليه ، وهو علة للنهي عن الخوف والحزن . قوله : ( فوضعته في تابوت ) أي وكان طوله خمسة أشبار وعرضه كذلك ، وجعلت المفتاح في التابوت . قوله : ( مطلي بالقار ) أي الزفت . قوله : ( ممهد ) أي مفرش له فيه ، ففرشت فيه قطناً محلوجاً . قوله : ( وأغلقته ) أي وقيرت رأسه . وحاصله : أن أم موسى لما تقاربت ولادتها ، وكانت قابلة من القوابل التي وكلهن فرعون بحبالى بني إسرائيل ، مصافية لأم موسى ومصاحبة لها ، فلما ضربها الطلق ، أرسلت إليها قالت : قد نزل بي ما نزل ، فليسعفني حبك إياي اليوم فعالجتها ، فلما أن وقع موسى بالأرض ، هالها نور بين عيني موسى ، فارتعش كل مفصل فيها ، ودخل حب موسى قلبها ، ثم قالت القابلة لها : يا هذه ما جئت إليك حين دعوتني ، إلا ومرادي قتل مولودك ، ولكن وجدت لابنك هذا حباً ، ما وجدت حب شيء مثل حبه ، فاحفظي ابنك ، فلما خرجت القابلة من عندها ، أبصرها بعض العيون فجاءوا على بابها ليدخلوا على أم موسى ، فقالت أخته : يا أماه هذا الحرس بالباب ، فلفت موسى بخرقة وألقته في التنور وهو مسجور ، وطاش عقلها فلم تعقل ما تصنع ، قال : فدخلوا فإذا التنور مسجور ، ورأوا أم موسى ولم يتغير لها لون ولم يظهر لها لبن ، فقالوا : ما أدخل عليك القابلة ؟ فقالت : هي مصافية لي ، فدخلت علي زائرة . فخرجوا من عندها ، فرجع لها عقلها فقالت لأخت موسى : فأين الصبي ؟ فقالت لا أدري ، فسمع بكاء الصبي من التنور ، فانطلقت إليه وقد جعل الله عليه النار برداً وسلاماً فاحتملته ، ثم إن أم موسى لما رأت إلحاح فرعون في طلب الولدان ، خافت على ابنها ، وقذف الله في نفسها أن تتخذ تابوتاً ، ثم تقذف التابوت في النيل ، فانطلقت إلى رجل نجار من قوم فرعون ، فاشترت منه تابوتاً صغيراً ، فقال النجار : ما تصنعين بهذا التابوت ؟ فقالت : لي ابن أخبئه في التابوت ، وكرهت الكذب ولم تقل أخشى عليه كيد فرعون ، فلما اشترت التابوت وحملته وانطلقت به ، انطلق النجار إلى الذباحين ليخبرهم بأمر أم موسى ، فلما همّ بالكلام ، أمسك الله لسانه فلم يطق الكلام ، وجعل يشير بيده ، فلم يدر الأمناء ما يقول ، فأعياهم أمره ، قال كبيرهم : اضربوه وأخرجوه ، فلما انتهى النجار إلى موضعه ، رد الله عليه لسانه فتكلم ، فانطلق أيضاً يريد الأمناء ، فأتاهم ليخبرهم ، فأخذ لسانه وبصره ، فلم يطق الكلام ولم يبصر شيئاً ، فضربوه وأخرجوه ، فبقي حيران ، فجعل الله عليه إن رد لسانه وبصره ، أن لا يدل عليه ، وأن يكون معه ويحفظه حيثما كانوا ، وعرف الله منه الصدق ، فرد عليه لسانه وبصره ، فخر لله ساجداً قال : يا رب دلني على هذا العبد الصالح ، فدل الله عليه ، فآمن به وصدقه . وقيل : لما حملت أم موسى به ، كتمت أمرها عن جميع الناس ، فلم يطلع على حبلها أحد من خلق الله ، وذلك شيء ستره الله تعالى ، لما أراد أن يمن به على بني إسرائيل ، فلما كانت السنة التي ولد فيها ، بعث فرعون القوابل إليهن ، ففتشن النساء تفتيشاً ، لم يفتشن قبل ذلك مثله ، وحملت أم موسى . قلم يتغير لونها ولم تكبر بطنها ، وكانت القوابل لا يتعرضن لها ، فلما كانت الليلة التي ولد فيها ، ولدته ولا رقيب لها ولا قابلة ، ولم يطلع عليها أحد إلا أخته مريم ، وأوحى الله إليها { أَنْ أَرْضِعِيهِ فَإِذَا خِفْتِ عَلَيْهِ فَأَلْقِيهِ فِي ٱليَمِّ } وهو البحر ليلاً ، وكان لفرعون يومئذ بنت ، وكان بها برص شديد ، لم يكن له ولد غيرها ، وكانت من أكرم الناس عليه ، وكان لها كل يوم ثلاث حاجات ترفعها إليه ، وكان بها برص شديد ، وكان فرعون قد جمع لها الأطباء والسحرة ، فنظروا في أمرها فقالوا : أيها الملك لا تبرأ إلا من قبل البحر ، فيوجد فيه شبه الإنسان ، فيؤخذ من ريقه فيلطخ به برصها فتبرأ من ذلك ، وذلك في يوم كذا ، في شهر كذا ، حين تشرق الشمس ، فلما كان ذلك اليوم ، غدا فرعون إلى مجلس له كان على شفي النيل ، وكانت معه امرأته آسية بنت مزاحم ، وأقبلت بنت فرعون في جواريها ، حتى جلست على شاطئ النيل مع جواريها ، تلاعبهن وتنضح الماء على وجوههن ، إذ أقبل النبيل بالتابوت تضربه الأمواج ، فقال فرعون : إن هذا لشيء في البحر قد تعلق بشجرة ائتوني به ، فابتدروه بالسفن من كل ناحية حتى وضعوه بين يديه ، فعالجوا فتح البابت فلم يقدروا عليه ، وعالجوا كسره فلم يقدروا عليه ، فدنت آسية فرأت في جوف التابوت نوراً لم يره غيرها ، فعالجته ففتحت الباب ، فإذا هي بصبي صغير في التابوت ، وإذا النور بين عينيه ، وقد جعل الله رزقه في إبهامه يمص منها لبناً ، فألقى الله محبته في قلب آسية ، وأحبه فرعون وعطف عليه ، وأقبلت بنت فرعون ، فلما أخرجوا الصبي من التابوت ، عمدت إلى ما يسيل من ريقه ، فلطخت به برصها ، فبرئت في الحال بإذن الله تعالى ، فقبلته وضمته إلى صدرها ، فقال الغواة من قوم فرعون : أيها الملك ، إنّا نظن أن ذلك المولود الذي تحذر منه من بني إسرائيل هو هذا ، رمي به في البحر خوفاً منك ، فهمّ فرعون بقلته فقالت أسية : { قُرَّتُ عَيْنٍ لِّي وَلَكَ لاَ تَقْتُلُوهُ عَسَىٰ أَن يَنْفَعَنَا } أي فنصيب منه خيراً { أَوْ نَتَّخِذَهُ وَلَداً } ، وكانت آسية لا تلد ، فاستوهبت موسى من فرعون فوهبه لها ، وقال فرعون ، أما أنا فلا حاجة لي فيه ، قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : لو قال فرعون يومئذ قرة عين لي كما هو لك لهداه الله كما هداها ، فقيل لآسية سميه : فقالت : سميته موسى ، لأنّا وجدناه في الماء والشجر ، لأن موهو الماء ، وشا هو الشجر ، فأصل موسى بالمهملة موشى بالمعجمة . قوله : { فَٱلْتَقَطَهُ آلُ فِرْعَوْنَ } عطف على ما قدره المفسر بقوله : ( فأرضعته ) الخ . قوله : ( صبيحة الليل ) أي وكان يوم الاثنين . قوله : ( وفتح ) أي فتحته آسية بعد أن عالجوه بالفتح والكسر فلم يقدروا . قوله : ( في عاقبة الأمر ) أشار بذلك إلى أن اللام للعاقبة والصيرورة لا للعلة ، لأن علة التقاطهم أن يكون حبيباً وابناً ، ففي الآية استعارة تبعية في متعلق معنى الحرف ، يقدر تشبيه ترتب نحو العداوة والحزن ، على نحو الالتقاط بترتب العلة الغائية في المحبة والتبني بجامع مطلق الترتب الأعم من الطرفين ، فالترتيب الثاني متعلق معنى اللام ، فقدر استعارة الترتيب الكلي المشبه به بالترتب الكلي المشبه ، فسرى التشبيه لمعنى اللام الذي هو الترتب مع الجزئي ، فاستعير لفظ اللام واستعمل في الترتب الجزئي ، والعداوة والحزن قرينة ، أفاده الملوي . قوله : ( وفي قراءة ) الخ ، أي وهي سبعية أيضاً . قوله : ( من حزنه ) هو من باب ضرب ونصر . قوله : ( فعوقبوا على يديه ) أي إنه تربى على أيديهم ، فهو أبلغ في إذلالهم . قوله : { وَقَالَتِ ٱمْرَأَةُ فِرْعَوْنَ } أي وهي آسة بنت مزاحم ، وكانت من خيار النساء ، قيل كانت من ذرية الريان بن الوليد الذي كان في زمن يوسف الصديق عليه السلام ، وقيل من بنات الأنبياء من بني إسرائيل من سبط موسى عليه السلام ، وقيل كانت عمته فقالت لفرعون وهي قاعدة إلى جنبه : هذا الولد أكبر من ابن سنه ، وأنت تذبح ولدان هذه السنة فدعه يكون عندي ، وقيل إنها قالت له : إنه أتى من أرض أخرى ، وليس هو من بني إسرائيل . قوله : ( هو ) { قُرَّتُ عَيْنٍ } أشار المفسر إلى أنه خبر لمحذوف . قوله : { عَسَىٰ أَن يَنْفَعَنَا } الخ ، أي لما رأت فيه من العلامات الدالة النجابة والبركة . قوله : ( فأطاعوها ) أي على عادة أمراء مصر ، من كونهم يطيعون النساء فيما يقلنه . قوله : { وَهُمْ لاَ يَشْعُرُونَ } حال من آل فرعون . قوله : { وَأَصْبَحَ فُؤَادُ أُمِّ مُوسَىٰ } يصح ان يبقى أصبح على ظاهره إن ثبت أنه ألقته ليلاً أو يجعل بمعنى صار إن كانت ألقته نهاراً . قوله : { فَارِغاً } ( مما سواه ) أي من التفكير في غيره ، لما ورد أنه أتاها الشيطان وقال : كرهت أن يقتل فرعون ابنك ، فيكون لك أجره وثوابه ، وتوليت أنت قتله فأغرقته في البحر ، فحزنت لذلك وانحصرت فكرتها فيه ونيست ما أوحى به إليها . قوله : { لَتُبْدِي بِهِ } ضمنه معنى تصرح فعداه بالياء ، ويصح أن يبقى على ظاهره ، وتكون الباء زائدة أي تظهره . قوله : { لَوْلاۤ أَن رَّبَطْنَا عَلَىٰ قَلْبِهَا } جوابها محذوف أي لأبدت به كما أشار له المفسر . قوله : ( بوعد الله ) أي المدلول عليه بقوله : { إِنَّا رَآدُّوهُ إِلَيْكِ } ألخ . قوله : { لأُخْتِهِ } أي شقيقته . قوله : ( مريم ) هو أحد أقوال ، وقيل اسمها كلثمة وقل كلثوم . قوله : { عَن جُنُبٍ } حال إما من الفاعل أو من الضمير المجرور بالياء ، أي أبصرته مستخفية كائنة عن جنب وأبصرته بعيداً منها . قوله : ( اختلاساً ) أي اختفاء . قوله : ( وأنها ترقبه ) أي تنظره .