Back to subchapter overview
Subchapter (Sura: 28, Ayat: 81-83)
Tafsir: Ḥāšīyat aṣ-Ṣāwī ʿalā tafsīr al-Ǧalālayn
The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com
قوله : { فَخَسَفْنَا بِهِ وَبِدَارِهِ ٱلأَرْضَ } قال أهل العلم بالأخبار والسير : كان قارون أعلم بني إسرائيل بعد موسى وهارون ، وأقرأهم للتوراة ، وأجملهم وأغناهم ، وكان حسن الصوت ، فبغى وطغى واعتزل بأتباعه ، وجعل موسى يداريه للقرابة التي بينهما ، وهو يؤذيه في كل وقت ، ولا يزيد إلا عتواً وتجبراً ومعاداة لموسى ، حتى بنى داراً ، وجعل بابها من الذهب ، وضرب على جدرانها صفائح الذهب ، وكان الملأ من بني إسرائيل يغدون إليه ويروحون ، ويطعمهم الطعام ، ويحدثونه ويضاحكونه ، قال ابن عباس : فلما نزلت الزكاة على موسى ، أتاه قارون فصالحه عن كل ألف دينار على دينار واحد ، وعن كل ألف درهم على درهم ، وعن كل ألف شاة على شاة ، وكذلك سائر الأشياء ثم رجع إلى بيته فحسبه ، فوجده شيئاً كثيراً فلم تسمح نفسه بذلك ، فجمع بني إسرائيل وقال لهم : إن موسى قد أمركم بكل شيء ، فأطعتموه وهو يريد أن يأخذ أموالكم ، قالت بنو إسرائيل : أنت كبيرنا فمرنا بما شئت ، قال : آمركم أن تأتونا بفلانة الزانية ، فنجعل لها جعلاً ، على أن تقذف موسى بنفسها ، فإذا فعلت ذلك ، خرج عليه بنو إسرائيل ورفضوه ، فدعوها فجعل لها قارون ألف دينار وألف درهم ، وقيل جعل لها طشتاً من ذهب ، وقيل قال لها قارون : أموِّلك وأخلطك بنسائي ، على أن تقذفي موسى بنفسك غداً ، إذا حضر بنو إسرائيل ، فلما كان من الغد ، جمع قارون بني إسرائيل ، ثم أتى إلى موسى فقال له : إن بني إسرائيل ينتظرون خروجك لتأمرهم وتنهاهم ، فخرج إليهم موسى ، وهم في براح من الأرض ، فقام فيهم فقال : يا بني إسرائيل ، من سرق قطعنا يده ، ومن افترى جلدناه ثمانين ، ومن زنى وليست له امرأة جلدناه مائة ، ومن زنى وله امرأة رجمناه حتى يموت . قال قارون : وإن كنت أنت ؟ قال : وإن كنت أنا . قال : فإن بني إسرائيل ، يزعمون أنك فجرت بفلانة الزانية ، قال موسى : ادعوها ، فلما جاءت قال لها موسى : يا فلانة ، أنا فعلت بك ما يقول هؤلاء ؟ وعظم عليها وسألها بالذي فلق البحر لبني إسرائيل وأنزل التوراة إلا صدقت ، فتداركها الله بالتوفيق فقالت في نفسها ، أحدث توبة أفضل من أن أؤذي رسول الله ، فقالت : لا والله ، ولكن جعل لي قارون جعلاً ، على أن أقذفك بنفسي ، فخر موسى ساجداً يبكي ، وقال : اللهم إن كنت رسولك فاغضب لي ، فأوحى الله إليه إني أمرت الأرض أن تطيعك ، فمرها بما شئت ، فقال موسى : يا بني إسرائيل ، إن الله بعثني إلى قارون ، كما بعثني إلى فرعو ، فمن كان معه فليثبت مكانه ، ومن كان معي فليعتزل ، فاعتزلوا ، فلم يبق مع قارون إلا رجلان ، قال موسى : يا أرض خذيهم ، فأخذتهم الأرض بأقدامهم ، ثم قال : يا أرض خذيهم ، فأخذتهم إلى الركب ، ثم قال : يا أرض خذيهم ، فأخذتهم الأرض إلى أوساطهم ، ثم قال يا أرض خذيهم ، فأخذتهم إلى الأعناق ، وأصحابه في كل ذلك يتضرعون إلى موسى ويناشده قارون الله والرحم ، حتى قيل إنه ناشده سبعين مرة ، وموسى في ذلك لا يلتفت إليه لشدة غضبه ، ثم قال : يا أرض خذيبهم ، فانطبقت عليهم . قال قتادة : خسفت به ، فهو يتجلجل في الأرض كل يوم قامة رجل ، لا يبلغ قعرها إلى يوم القيامة . وفي الخبر : إذا وصل قارون إلى قرار الأرض السابعة ، نفخ إسرافيل في الصور ، وأصبحت بنو إسرائيل يتحدثون فيما بينهم : إن موسى إنما دعا على قارون ، ليستبد بداره وكنوزه وأمواله ، فدعا الله موسى حتى خسف بداره وكنوزه وأمواله الأرض ، قال بعضهم : مقتضى هذا الحديث ، أن الأرض لا تأكل جسمه ، فيمكن أن يلغز ويقال لنا : كافر لا يبلى جسده بعد الموت وهو قارون . قوله : { مِن فِئَةٍ } { مِن } زائدة ، و { فِئَةٍ } اسم { كَانَ } إن كانت ناقصة ، والجار والمجرور خبرها ، أو فاعل بها إن كانت تامة . قوله : { مِنَ ٱلْمُنتَصِرِينَ } أي الممتنعين بأنفسهم قوله : ( أي من قريب ) أشار بذلك إلى أن المراد بالأمس الوقت القريب لا اليوم الذي قبل يومك . قوله : { وَيْكَأَنَّ ٱللَّهَ } الخ ، { وَيْكَأَنَّ } فيها خمسة مذاهب ، الأول : أن وي كلمة برأسها اسم فعل بمعنى أعجب ، والكاف للتعليل ، وأن وما دخلت عليه مجرور بها أي أعجب ، لأن الله يبسط الرزق الخ ، فالوقف على وي ، وهو قراءة الكسائي . الثاني : إن كأن للتشبيه ، غير أنه ذهب معناه منها وصارت لليقين ، وحينئذٍ فالوقف على وي كالذي قبله . الثالث : إن ويك كلمة برأسها ، والكاف حرف خطاب ، وأن معمولة لمحذوف ، أي أعلم أن الله يبسط الرزق الخ ، وحينئذ فالوقف على ويك ، وهو قراءة أبي عمر . الرابع : أن أصلها ويلك حذفت اللام ، وحينئذ فالوقف على الكاف أيضاً . الخامس : أن ويكأن كلها كلمة بسيطة ، ومعناها ألم تر أن الله يبسط الرزق الخ ، وحينئذ فالوقف على النون . قوله : { لَوْلاۤ أَن مَّنَّ ٱللَّهُ عَلَيْنَا } أي بالإيمان والرحمة ، قوله : ( بالبناء للفاعل والمفعول ) أي فهما قراءتان سبعيتان . قوله : { وَيْكَأَنَّهُ } تأكيد لما قبله ، ويجري فيها ما يجري في التي قبلها ، قوله : { تِلْكَ ٱلدَّارُ ٱلآخِرَةُ نَجْعَلُهَا لِلَّذِينَ لاَ يُرِيدُونَ عُلُوّاً فِي ٱلأَرْضِ وَلاَ فَسَاداً } مناسبة هذه الآية لما قبلها ظاهرة ، فإن فرعون وقارون تكبرا وتجبرا واختارا العلو ، فآل أمرهما للخسران والوبال والدمار ، وموسى وهارون اختارا التواضع ، فآل أمرهما للعز الدائم الذي لا يزول ولا يحول . قوله : ( أي الجنة ) أي وما فيها من النعيم الدائم ، ورؤية وجه الله الكريم ، وسماع كلامه القديم . قوله : { لاَ يُرِيدُونَ عُلُوّاً } التعبير بالإرادة أبلغ في النفي ، لأنه نفي وزيادة . قوله : { نَجْعَلُهَا } أي نصيرها . قوله : ( بالبغي ) أي الظلم والكبر كما وقع لفرعون وقارون وجنودهما . قوله : ( بعمل المعاصي ) أي كالقتل والزنا والسرقة وغير ذلك من الأمور التي تخالف أوامره تعالى . قوله : { لِلْمُتَّقِينَ } أظهر في مقام الإظمار ، إظهاراً لشأنهم ومدحاً لهم بنسبتهم للتقوى وتسجيلاً على ضدهم .