Back to subchapter overview

Subchapter (Sura: 31, Ayat: 12-13)

Tafsir: Ḥāšīyat aṣ-Ṣāwī ʿalā tafsīr al-Ǧalālayn

The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com

قوله : { وَلَقَدْ آتَيْنَا لُقْمَانَ ٱلْحِكْمَةَ } اختلف في لقمان ، فقيل اسم عجمي ممنوع الصرف للعلمية والعجمة ، وقيل عربي ومنع من الصرف للعلمية وزيادة الألف والنون ، واختلف فيه أيضاً ، فقيل هو لقمان بن فاغور بن ناخور بن تارخ وهو آزر ، فعلى هذا هو ابن أخي إبراهيم الخليل عليه السلام ، وقيل كان ابن أخت أيوب ، وقيل كان ابن خالته ، يقال إنه عاش ألف سنة حتى أدرك داود ، واتفق العلماء على أنه كان حكيماً ولم يكن نبياً ، إلا عكرمة والشعبي فقالا بنبوته ، وقيل خيِّر بين النبوة والحكمة فاختار الحكمة ، وروي أنه كان نائماً في وسط النهار ، فنودي يا لقمان ، هل لك أن نجعلك خليفة في الأرض ، فتحكم بين الناس بالحق ؟ فأجاب الصوت فقال : إن خيرني رب قبلت العافية ولم أقبل البلاء ، وإن عزم علي فسمعاً وطاعة ، فإني أعلم أن الله تعالى ، إن فعل بي ذلك أعانني وعصمني ، فقالت الملائكة بصوت لابراهيم : لم يا لقمان ؟ قال : إن الحاكم بأشد المنازل وأكدرها ، يغشاء المظلوم من كل مكان ، إن عدل نجا ، وإن أخطأ الطريق أخطأ طريق الجنة ، ومن يكن في الدنيا ذليلاً ، خير من أن يكون شريفاً ، ومن يختر الدنيا على الآخرة ، تفتنه الدنيا ولم يصب الآخرة ، فعجبت الملائكة من حسن منطقه ، فنام نومه فأعطي الحكمة ، فانتبه وهو يتكلم بها ، ثم نودي بها داود بعده فقبلها ، وكان لقمان يؤازر داود لحكمته ، وقيل كان خياطاً ، وقيل كان راعي غنم ، فروي أنه لقيه رجل وهو يتكلم بالحكمة فقال : ألست فلاناً الراعي ؟ قال : بلى ، قال : فيم بلغت ما بلغت ؟ قال : بصدق الحديث وأداء الأمانة وترك ما يعنيني . قوله : ( منها العمل والديانة ) أي فالحكمة هي العلم والعمل ، ولا يسمى الرجل حكيماً حتى يجمعها ، وقيل الحكمة المعرفة والأمانة ، وقيل هي نور في القلب ، يدرك به الأشياء كما تدرك بالبصر . قوله : ( وحكمة كثيرة ) قال وهب : تكلم لقمان باثني عشر ألف باب من الحكمة ، أدخلها الناس في كلامهم . قوله : ( وقال في ذلك ) أي في شأن الاعتذار عن ترك الفتيا . قوله : ( وقلنا له أن ) { ٱشْكُرْ } إلخ ، أشار بذلك إلى أن أن زائدة ، وجملة { أَنِ ٱشْكُرْ } مقول القول ، والأنسب ( أن ) تفسيرية لتقدم جملة فيها معنى القول دون حروفه . قوله : ( وما أعطاك من الحكمة ) أي فهي نعمة يجب الشكر عليها بصرفها في مصارفها . قوله : { وَمَن يَشْكُرْ } إلخ ، تعليل للأمر بالشكر . قوله : ( محمود في صنعه ) أي فهو حقيق بأن يحمد من دون المخلوقات . قوله : { وَإِذْ قَالَ لُقْمَانُ لابْنِهِ } أي واسمه ثاران وقيل مشكم وقيل أنعم ، قيل كان ابنه وامرأته كافرين ، فما زال يعظهما حتى أسلما ، قيل وضع لقمان جراباً من خردل إلى جنبه ، وجعل يعظ ابنه موعظة موعظة ، ويخرج خردلة خردلة ، فنفد الخردل فقال : يا بني وعظتك موعظة ولو وعظتها جبلاً لتفطر ، فتفطر ابنه ومات . قوله : { وَهُوَ يَعِظُهُ } الجملة حالية . قوله : { يٰبُنَيَّ } بكسر الياء وفتحها قراءتان سبعيتان . قوله : ( اشفاق ) أي محبة . قوله : ( فرجع إليه ) أي إلى دين أبيه وهو الإسلام ، وقال أيضاً : يا بني اتخذ تقوى الله تعالى تجارة ، يأتك الربح من غير بضاعة ، يا بني احضر الجنائز ولا تحضر العرس ، فإن الجنائز تذكرة الآخرة ، والعرس يشهيك الدنيا . يا بني لا تكن أعجز من هذا الديك الذي يصوت بالأسحار ، وأنت نائم على فراشك . يا بني لا تؤخر التوبة ، فإن الموت يأتي بغتة . يا بني لا ترغب في ود الجاهل ، فيرى أنك ترضى عمله . يا بني اتق الله ولا تر الناس أنك تخشى ، ليكرموك بذلك وقلبك فاجر ، يا بني ما ندمت على الصمت قط ، فإن الكلام إذا كان من فضة ، كان السكوت من ذهب . يا بني اعتزل الشر كما يعتزلك ، فإن الشر للشر خلق . يا بني عليك بمجالس العلماء ، واستمع كلام الحكماء ، فإن الله تعالى يحيي القلب الميت بنور الحكمة ، كما يحيي الأرض الميتة بوابل المطر ، فإن من كذب ذهاب ذهب ماء وجه ، ومن ساء خلقه كثر غمه ، ونقل الصخور من موضعها أيسر من إفهام من لا يفهم ، يا بني لا ترسل رسولك جاهلاً ، فإن لم تجد حكيماً فكن رسول نفسك . يا بني لا تنكح أمة غيرك ، فتورث بنيك حزناً طويلاً . يا بني يأتي على الناس زمان لا تقر فيه عين حليم . يا بني اختر المجالس على عينك ، فإذا رأيت المجلس يذكر فيه الله عز وجل فاجلس معهم ، فإنك إن تك عالماً ينفعك علمك ، وإن تك غبياً يعلموك ، وإن يطلع الله عز وجل عليهم برحمة تصبك معهم . يا بني لا تجلس في المجلس الذي لا يذكر فيه الله عز وجل ، فإنك إن تك عالماً لا ينفعك علمك ، وإن تك غبياً يزيدوك غباوة ، وإن يطلع الله عليهم بعد ذلك بسخط يصبك معهم . يا بني لا يأكل طعامك إلا الأتقياء ، وشاور في أمرك العلماء . يا بني إن الدنيا بحر عميق ، وقد غرق فيه ناس كثير ، فاجعل سفينتك فيها تقوى الله ، وحشوها الإيمان بها ، وشراعها التوكل على الله ، لعلك تنجو . يا بني إني حملت الجندل والحديد ، فلم أحمل شيئاً أثقل من جار السوء ، وذقت المرارة كلها ، فلم أذق أشد من الفقر ، يا بني إذا أردت أن تؤاخي رجلاً فأغضبه قبل ذلك ، فإن أنصفك عند غضبه وإلا فاحذره . يا بني إنك منذ نزلت إلى الدنيا استدبرتها واستقبلت الآخرة ، فدار أنت إليها تسير ، أقرب من دار أنت عنها ترحل . يا بني عود لسانك أن يقول : اللهم اغفر لي ، فإن لله ساعات لا ترد . يا بني إياك والدين ، فإن ذل النهار وهم الليل . يا بني أرج الله رجاء لا يجرئك على معصيته ، وخف الله خوفاً لا يؤيسك من رحمته . إلى غير ذلك من المواعظ المأثورة عنه عليه السلام .