Back to subchapter overview
Subchapter (Sura: 35, Ayat: 18-24)
Tafsir: Ḥāšīyat aṣ-Ṣāwī ʿalā tafsīr al-Ǧalālayn
The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com
قوله : { وَازِرَةٌ } فاعل { تَزِرُ } وهو صفة لموصوف محذوف قدره المفسر بقوله : ( نفس ) والمعنى لا تحمل نفس وازرة وزر نفس أخرى ، وأما غير الوزارة ، فتحصل وزر الوزارة ، بمعنى تشفع لها في غفرانه ، لا بمعنى أنه ينتقل من الوزارة لغيرها . إن قلت : ما الجمع بين هذه الآية ، وبين قوله تعالى : { وَلَيَحْمِلُنَّ أَثْقَالَهُمْ } [ العنكبوت : 13 ] الآية ؟ أجيب : بأن تلك الآية محمولة على من ضل ، وتسبب في الضلال لغيره ، فعليه وزر ضلالة ، ووزر تسببه ، لأن تسببه من فعله ، فلم يحمل إلا أثقال نفسه ، فرجع الأمر إلى أن الإنسان لا يحمل وزر غيره أصله ، بل كل نفس بما كسبت رهينة . قوله : { وَإِن تَدْعُ مُثْقَلَةٌ إِلَىٰ حِمْلِهَا } أي وإن تدع نفس مثقلة بالذنوب نفساً إلى حملها ، وهو بالكسر ما يحمل على ظهر أو رأس ، وبالفتح ما كان في البطن أو على رأس شجرة . قوله : { لاَ يُحْمَلْ مِنْهُ شَيْءٌ } العامة على قراءة يجمل مبيناً للمفعول ، و { شَيْءٌ } نائب الفاعل ، وقرئ شذوذاً تحمل ، بفتح التاء وكسر الميم ، مسنداً إلى ضمير النفس المحذوفة ، وشيئاً مفعول تحمل . قوله : { وَلَوْ كَانَ ذَا قُرْبَىٰ } العامة على قراءة { ذَا } بالنصب خبر { كَانَ } واسمها ضمير يعود على ( المدعو ) كما قدره المفسر , وقرئ شذوذاً بالرفع على أن { كَانَ } تامة ، والمعنى وإن تدع نفس مذنبة مذنبة نفساً أخرى ، إلى حمل شيء من ذنبها ، لا يحمل منه شيء ، ولو كانت تلك النفس الأخرى قريبة للداعية ، كابنها أو أبيها ، لما ورد : يلقى الأب والأم فيقولان له : يا بني احمل عنا بعض ، فيقول : لا أستطيع حسبي ما علي . قوله : ( وفي الشقين ) أي الحمل القهري والاختياري . قوله : ( حكم من الله تعالى ) أي وهو لا يخلو عن حكمة عظيمة . قوله : { إِنَّمَا تُنذِرُ ٱلَّذِينَ يَخْشَوْنَ رَبَّهُمْ } { إِنَّمَا } أداة حصر ، والمعنى أن إنذارك مقصور على الذين يخشون ربهم ، وقوله : { بِٱلْغَيْبِ } حال من فاعل قوله : { يَخْشَوْنَ } أي يخشونه ، حال كونهم غائبين عنه ، فالغيبة وصف العبيد لا وصف الرب ، فإن وصف الرب قرب ، قال تعالى : { وَنَحْنُ أَقْرَبُ إِلَيْهِ مِنْ حَبْلِ ٱلْوَرِيدِ } [ ق : 16 ] ووصف العبيد الغيبة والحجاب ، فالعبيد محجوبون عن ربهم بصفات جلاله ، ويصح أن يكون حالاً من المفعول ، أي يخشونه ، والحال أنه غائب عنهم ، أي محتجب بجلاله فلا يرونه ، وإلى هذا أشار المفسر بقوله : ( وما رأوه ) فعدم رؤية الله تعالى ، إنما هو من تحجبه بصفات الجلال ، فإذا تجلى بالجمال رأته الأبصار ، وذلك يحصل في الآخرة لأهل الإيمان ، وقد حصل في الدنيا لسيد الخلق على الإطلاق ، وقد يتجلى بالجمال للقلوب في الدنيا فتراه ، وهي الجنة المعجلة لأهل الله المقربين . قوله : ( لأنهم المنتفعون بالإنذار ) جواب عما يقال : كيف قصر الإنذار على أهل الخشية ، مع أنه لجميع المكلفين . فأجاب : بأنه وجه قصره عليهم انتفاعهم به ، فكأنه قال : إنما ينفع إنذارك أهل الخشية . قوله : ( أداموها ) أي واظبوا عليها ، بأركانها وشروطها وآدابها ، وفي نسخة أدوها . قوله : ( وغيره ) أي كالمعاصي . قوله : ( فصلاحه مختص به ) أي فهو قاصر عليه لا يتعداه ، فيجزى بالعمل في الآخرة ، أي الخير والشر . قوله : { وَمَا يَسْتَوِي ٱلأَعْمَىٰ وَٱلْبَصِيرُ } إلخ ، مثل ضربه الله المؤمن والكافر ، وأفاد أولاً الفرق بين ذاتيهما ، وثانيهما وصفيهما ، وثالثاً بين داريهما في الآخرة ، وأما قوله : { وَمَا يَسْتَوِي ٱلأَحْيَآءُ } إلخ ، فهو مثل آخر على أبلغ وجه ، لأن الأعمى ربما يكون فيه بعض نفع ، بخلاف الميت . قوله : { وَلاَ ٱلظُّلُمَاتُ وَلاَ ٱلنُّورُ } جمع { ٱلظُّلُمَاتُ } باعتبار أنواع الكفر ، فإنه أنواعه كثيرة ، بخلاف الإيمان ، فهو نوع واحد . قوله : { وَلاَ ٱلْحَرُورُ } هي الريح الحارة ، خلاف السموم ، فالحرور تكون بالنهار ، والسموم بالليل ، وقيل : الحرور والسموم : الليل والنهار . قوله : ( وزيادة لا في الثلاثة ) أي في الجمل الثلاث التي أولها { وَلاَ ٱلظُّلُمَاتُ وَلاَ ٱلنُّورُ } وثانيها { وَلاَ ٱلْحَرُورُ } وثالثها { وَمَا يَسْتَوِي ٱلأَحْيَآءُ وَلاَ ٱلأَمْوَاتُ } وإنما زيدت للتأكيد في الجميع ، لأن نفي المساواة معلوم من ما النافية . قوله : { إِنَّ ٱللَّهَ يُسْمِعُ مَن يَشَآءُ } من هنا إلى قوله : { نَكِيرِ } تسلية له . قوله : ( شبههم بالموتى ) أي في عدم التأثر بدعوته . قوله : { إِنْ أَنتَ إِلاَّ نَذِيرٌ } أي فليس عليك إلا التبليغ ، والهدى بيد الله يؤتيه من يشاء . قوله : { بِٱلْحَقِّ } حال من الكاف ، بدليل قول المفسر ( بالهدى ) كأنه قال : أرسلناك حال كونك هادياً . { وَإِن مِّنْ أُمَّةٍ } أي تعلمها ، وقوله : ( نبي ينذرها ) أي يخوفها من عقاب الله ، وتنقضي شريعته بموته ، فما بين الرسولين من أهل الفترة ، وهم ناجون من أهل الجنة ، وإن غيروا وبدلوا وعبدوا غير الله ، بنص قوله تعالى : { وَمَا كُنَّا مُعَذِّبِينَ حَتَّىٰ نَبْعَثَ رَسُولاً } [ الإسراء : 15 ] وأما ما ورد من تعذيب بعض أهل الفترة ، كعمرو بن لحي ، وامرئ القيس ، وحاتم الطائي ، فقيل : إن ذلك لحكمة يعلمها الله لا لكفرهم ، والتحقيق أنه خبر آحاد ، وهو لا يعارض النص القطعي ، وتقدم الكلام في ذلك عند قوله تعالى : { وَمَا كُنَّا مُعَذِّبِينَ حَتَّىٰ نَبْعَثَ رَسُولاً } [ الإسراء : 15 ] .