Back to subchapter overview

Subchapter (Sura: 35, Ayat: 6-11)

Tafsir: Ḥāšīyat aṣ-Ṣāwī ʿalā tafsīr al-Ǧalālayn

The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com

قوله : { إِنَّ ٱلشَّيْطَانَ لَكُمْ عَدُوٌّ } أي عظيم ، فإن عداوته قديمة مؤسسة من عهد آدم ، قوله : { فَٱتَّخِذُوهُ عَدُوّاً } أي فكونوا منه على حذر في جميع أحوالكم ، ولا تأمنوا له في السر والعلانية ، ولا تقبلوا منه صرفاً ولا عدلاً ، قال البوصيري : @ وخالف النفس والشيطان واعصهما وإن هما محضاك النصح فاتهم ولا تطع منهما خصماً ولا حكما فأنت تعرف كيد الخصم والحكم @@ قوله : { إِنَّمَا يَدْعُواْ حِزْبَهُ } إلخ بيان لوجه عداوته وتحذير من طاعته . قوله : ( هذا ) أي قوله : { ٱلَّذِينَ كَفَرُواْ } إلى آخره ، والمعنى من كفر من أول الزمان إلى آخره ، فله العذاب الشديد ، ومن آمن من أول الزمان إلى آخره ، فله المغفرة والأجر الكبير . قوله : ( ونزل في أبي جهل وغيره ) أي من مشركي مكة ، كالعاص بن وائل ، والأسود بن المطلب ، وعقبة بن أبي معيط وأضرابهم ، ويؤيد هذا القول آيات منها : { لَّيْسَ عَلَيْكَ هُدَاهُمْ } [ البقرة : 272 ] . ومنها : { وَلاَ يَحْزُنكَ ٱلَّذِينَ يُسَارِعُونَ فِي ٱلْكُفْرِ } [ آل عمران : 176 ] . ومنها : { فَلَعَلَّكَ بَاخِعٌ نَّفْسَكَ عَلَىٰ آثَارِهِمْ إِن لَّمْ يُؤْمِنُواْ بِهَـٰذَا ٱلْحَدِيثِ أَسَفاً } [ الكهف : 6 ] وغير ذلك . ففي هذه الآيات تسلية له صلى الله عليه وسلم على كفر قومه ، وقيل : هذه الآية نزلت في الخوارج الذين يحرفون تأويل الكتاب والسنة ، ويستحلون بذلك دماء المسلمين وأموالهم ، استحوذ عليهم الشيطان ، فأنساهم ذكر الله ، أولئك حزب الشيطان ، ألا إن حزب الشيطان هم الخاسرون ، نسأل الله الكريم أن يقطع دابرهم . وقيل : نزلت في اليهود والنصارى . وقيل : نزلت في الشيطان ، حيث زين له أنه العابد التقي ، وآدم العاصي ، فخالف ربه لاعتقاده أنه على كل شيء . قوله : { أَفَمَن زُيِّنَ لَهُ سُوۤءُ عَمَلِهِ } أي زين له الشيطان ونفسه الأمارة عمله السيئ ، فهو من اضافة الصفة للموصوف . قوله : ( بالتمويه ) أي التحسين ظاهراً بأن غلبه وهمه على عقله ، فرأى الحق باطلاً ، والباطل حقاً ، وأما من هداه الله ، فقد رأى الحق حقاً فاتبعه ، ورأى الباطل باطلاً فاجتنبه . قوله : ( لا ) أشار بذلك إلى أن الاستفهام انكاري . قوله : ( دل عليه ) أي على تقدير الخبر ، والمعنى حذف الخبر لدلالة قوله : { فَإِنَّ ٱللَّهَ يُضِلُّ مَن يَشَآءُ } إلخ عليه ، وفي هذه الآية رد على المعتزلة الذين يزعمون أن العبد يخلق أفعال نفسه ، فلو كان كذلك ، ما أسند الاضلال والهدى لله تعالى . قوله : { فَلاَ تَذْهَبْ نَفْسُكَ عَلَيْهِمْ } عامة القراء على فتح التاء والهاء ، ورفع نفس على الفاعلية ، ويكون المعنى : لا تتعاط أسباب ذلك ، وقرئ شذوذاً بضم الناء وكسر الهاء ، و { نَفْسُكَ } مفعول به ، ويكون المعنى : لا تهلكها على عدم إيمانهم . قوله : { حَسَرَاتٍ } مفعول لأجله ، جمع حسرة ، وهي شدة التلهف على الشيء الفائت . قوله : ( فيجازيهم عليه ) أي إن خيراً فخير ، وإن شراً فشر . قوله : ( وفي قراءة الريح ) أي وهي سبعية أيضاً . قوله : ( لحكاية الحال الماضية ) أي استحضاراً لتلك الصورة العجيبة التي تدل على كمال قدرته تعالى . قوله : ( أي تزعجه ) أي تحركه وتثيره . قوله : ( فيه التفات عن الغيبة ) أي الكائنة في قوله : { وَٱللَّهُ ٱلَّذِيۤ أَرْسَلَ } . قوله : { إِلَىٰ بَلَدٍ مَّيِّتٍ } البلد يذكر ويؤنث ، يطلق على القطعة من الأرض ، عامرة أو خالية . قوله : ( بالتشديد والتخفيف ) أي فهما قراءتان سبعيتان . قوله : ( لا نبات بها ) أي فالمراد بالموت وعدم النبات والمرعى ، وبالحياة وجودهما . قوله : ( من البلد ) ( من ) بيانية . قوله : { كَذَلِكَ ٱلنُّشُورُ } أي كمثل احياء الأرض بالنبات احياء الأموات ، ووجه الشبه ، أن الأرض الميتة لما قبلت الحياة اللائقة بها ، كذلك الأعضاء تقبل الحياة اللائقة بها ، فإن البلد الميت تساق إليها المياة فتحيا بها ، والأجساد تساق إليها الأرواح فتحيا بها . قوله : { مَن كَانَ يُرِيدُ ٱلْعِزَّةَ فَلِلَّهِ ٱلْعِزَّةُ جَمِيعاً } { مَن } من شرطية مبتدأ ، وجوابها محذوف ، قدره المفسر بقوله : ( فليطعمه ) وقوله : { فَلِلَّهِ ٱلْعِزَّةُ } تعليل للجواب ، واختلف في هذه الآية فقيل : المراد من كان يريد أن يسأل عن العزة لمن هي ؟ فقل له : لله العزة جميعاً . وقيل : المراد من أراد العزة لنفسه فليطلبها من الله ، فإن له لا لغيره ، وطلبها بكون بطاعته والالتجاء إليه ، والوقوف على بابه ، لما ورد في الحديث : " من أراد عز الدارين فليطع العزيز ، ومن طلب العزة من غيره تعالى كسي من وصفه ، ومن التجأ إلى العبد كساه الله من وصف ذلك العبد ، لما ورد : من استعز بقوم أورثه الله ذلهم ، وقال الشاعر : @ وإذا تذللت الرقاب تواضعاً منا إليك فعزها في ذلها @@ قوله : ( يعلمه ) أشار بذلك إلى أن في الكلام مجازاً ، فالصعود مجاز عن العلم ، كما يقال : ارتفع الأمر إلى القاضي ، يعني علمه ، وعبر عنه بالصعود ، إشارة لقبوله ؛ لأن موضع الثواب فوق ، وموضع العذاب أسفل ، وقيل : المعنى يصعد إلى سمائه ، وقيل : يحتمل الكتاب الذي كتب فيه طاعة العبد إلى السماء . قوله : ( ونحوها ) أي من الأذكار والتسبيح وقراءة القرآن . قوله : { وَٱلْعَمَلُ ٱلصَّالِحُ } أي كالصلاة والصوم ، وغير ذلك من الطاعات . قوله : { وَٱلَّذِينَ يَمْكُرُونَ } بيان لحال الكلم الخبيث والعمل السيء ، بعد بيان حال الكلم الطيب والعمل الصالح . قوله : ( المكرات ) قدره إشارة إلى أن السيئات . صفة لموصوف محذوف مفعول مطلق ليمكرون ، لأن مكر لازم لا ينصب المفعول ، والمكر : الحيلة والخديعة . قوله : ( في دار الندوة ) أي وهي التي بناها قصي بن كلاب للتحدث والمشاورة . قوله : ( كما في الأنفال ) أي في قوله تعالى : { وَإِذْ يَمْكُرُ بِكَ ٱلَّذِينَ كَفَرُواْ } [ الأنفال : 30 ] الآيات ، وقد فصلت هناك . قوله : { وَمَكْرُ أُوْلَئِكَ } أتى باسم الاشارة البعيد ، اشارة لبعدهم عن الرحمة واشتهارهم بالبغي والفساد . قوله : { هُوَ يَبُورُ } مبتدأ ثان ، و { يَبُورُ } خبره ، والجملة خبر الأول ، ويصح أن يكون ضمير فصل لا محل له من الاعراب ، وقولهم : إن الفصل لا يقع قبل الخبر إذا كان فعلاً مردود بجواز ذلك . قوله : ( بخلق أبيكم آدم منه ) ويصح أن يراد { خَلَقَكُمْ مِّن تُرَاب } بواسطة أن النطفة من الغذاء وهو من التراب . قوله : { أَزْوَاجاً } أي أصنافاً . قوله : { مِنْ أُنْثَىٰ } { مِنْ } زائدة في الفاعل . قوله : ( حال ) أي من أنثى . قوله : { وَمَا يُعَمَّرُ مِن مُّعَمَّرٍ } بفتح الميم في قراءة العامة . قال ابن عباس : ما يعمر من معمر ، إلا كتب عمره ، كم هو سنة ؟ وكم هو شهراً ؟ وكم هو يوماً ؟ وكم هو ساعة ؟ ثم يكتب في كتاب آخر : نقص من عمره يوم ، نقص شهر ، نقص سنة ، حتى يستوفي أجله ، فما مضى من أجله فهو النقصان ، وما يستقبله فهو الذي يعمره ، وهذا هو الأحسن ، وقيل : إن الله كتب عمر الإنسان مائة سنة إن أطاع ، وتسعين إن عصى ، فأيهما بلغ فهو كتاب ، وهذا مثل قوله عليه السلام : " من أحب أن يبسط الله في رزقه ، وينسأ له في أثره ، أي يؤخر في عمره ، فليصل رحمه " أي إنه يكتب في اللوح المحفوظ : عمر فلان كذا سنة ، فإن وصل رحمه يزيد في عمره كذا سنة ، فبين ذلك في موضع آخر من اللوح المحفوظ ، أنه سيصل رحمه ، فمن أطلع على الأول دون الثاني ، ظن أنه زيادة أو نقصان . قوله : ( أو معمر آخر ) أي على حد : عندي درهم ونصفه ، أي فالمعنى : ما يزاد في عمر شخص بأن يكون أجله طويلاً ، ولا ينقص من عمر آخر بأن يكون عمره قصيراً إلا في كتاب . قوله : { إِنَّ ذَلِكَ } أي كتابة الأعمار والآجال ، قوله : { عَلَى ٱللَّهِ يَسِيرٌ } أي سهل غير متعذر .