Back to subchapter overview
Subchapter (Sura: 36, Ayat: 13-19)
Tafsir: Ḥāšīyat aṣ-Ṣāwī ʿalā tafsīr al-Ǧalālayn
The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com
قوله : { وَٱضْرِبْ لَهُمْ مَّثَلاً } هذا خطاب النبي صلى الله عليه وسلم أن يضرب لقومه مثلاً ، لعلهم يتعظون فيؤمنوا . قوله : { أَصْحَابَ } ( مفعول ثان ) الأوضح ن يجعله مفعول أولاً . قوله : ( أنطاكية ) بالفتح والكسر وسكون النون وكسر الكاف وتخفيف الياء المفتوحة ، وهي مدينة بأرض الروم ، ذات سور عظيم من صخر ، وهي بين خمسة جبال ، دورها اثنا عشر ميلاً . وحاصل تلك القصة . أن عيسى عليه السلام ، بعث رسولين من الحواريين إلى أهل انطاكية ، اسم أحدهما صادق ، والثاني مصدوق ، فلما قربا من المدينة ، رأيا شيخاً يرعى غنيمات له ، وهو حبيب النجار صاحب يس ، فسلما عليه ، فقال الشيخ لهما : من أنتما ؟ فقالا : رسولا عيسى صلى الله عليه وآله وسلم ، ندعوكم من عبادة الأوثان إلى عبادة الرحمن ، فقال : أمعكما آية ؟ قالا : نعم ، نشفي المريض ، ونبرئ الأكمه والأبرص بإذن الله تعالى ، وذلك كرامة لهما ، ومعجزة لنبيهما ، لأنه لما أرسلهما أيدهما بمعجزاته ، فقال الشيخ : إن لي ابناً مريضاً منذ سنين ، قالا : فانطلق بنا ننظر حاله فأتى به ، فمسحا ابنه ، فقام في الوقت بإذن الله تعالى صحيحاً ، ففشا الخبر في المدينة ، وشفى الله على أيديهما كثيراً من المرضى . وكان لهم ملك يعبد الأصنام اسمه انطيخا ، فدعا بهما وقال : من أنتما ؟ قالا : رسولا عيسى عليه السلام ، قال : وفيم جئتما ؟ قالا : ندعوك من عبادة من لا يسمع ولا يبصر ، إلا عبادة من يسمع ويبصر ، قال : وهل لنا إله دون آلهتنا ؟ قالا : نعم ، الذي أوجدك وآلهتك ، قال لهما : قوما حتى أنظر في أمركما ، فتبعهما الناس ، فأخذوهما وجلدوا كل واحد منهما مائة جلدة ، ووضعوهما في السجن ، وضربتهما حين دعواك إلى غير دينك ، فهل كلمتهما وسمعت قولهما ؟ فقال : حال الغضب بيني وبين ذلك ، قال : فإني أرى أيها الملك ، أن تدعوهما حتى نطلع على ما عندهما ، فدعاهما الملك ، فقال شمعون : فصفاه وأوجزا ، قالا : إنه يفعل ما يشاء ويحكم ما يريد ، فقال شمعون : وما آيتكما ؟ قالا : ما تتمناه ، فأمر الملك حتى جاؤوا بغلام مطموس العينين ، وموضع عينيه كالجبهة ، فما زال يدعوان ربهما ، حتى انشق موضع البصر ، فأخذا بندقتين من طين ، فوضعاهما في حدقتيه ، فصارتا مقلتين يبصر بهما ، فتعجب الملك ، فقال شمعون للملك : إن أنت سألت آلهتك حتى يصنعوا مثل هذا ، كان لك الشرف ولآلهتك ، فقال له الملك : ليس لي عنك سر مكتوم ، فإن آلهنا الذي نعبده ، لا يسمع ولا يبصر ، ولا يضر ولا ينفع ، وكان شمعون يدخل مع الملك على الصنم ، ويصلي ويتضرع ، حتى ظنوا أنه على ملتهم ، فقال الملك للرسولين : إن قدر إلهكما الذي تعبدانه ، على احياء ميت آمنا به وبكما ، قالا : إلهنا قادر على كل شيء ، فقال الملك : إن ههنا ميتاً قد مات منذ سبعة أيام ، وهو ابن دهقان ، وأنا أخرته فلم أدفنه حتى يرجع أبوه وكان غائباً وقد تغير ، فجعلا يدعوان ربهما علانية ، وشمعون يدعو ربه سراً ، فقام الميت وقال : إني ميت منذ سبعة أيام ، وكنت مشركاً ، فأدخلت في سبعة أودية من النار ، وأنا أحذركم ما أنتم عليه ، فآمنوا بالله ، ثم قال : فتحت أبواب السماء ، فنظرت شاباً حسن الوجه يشفع لهؤلاء الثلاثة : سمعون وهذين ، وأشار بيده إلى صاحبيه ، وأنا أشهد أن لا إله إلا الله وأن عيسى روح الله وكلمته ، فعجب الملك من ذلك ، فلما علم شمعون أن قوله قد أثر في الملك ، أخبره بالحال وأنه رسول عيسى ، ودعاه فآمن الملك ، وآمن معه قوم وكفر آخرون ، وقيل بل كفر الملك ، وأجمع على قتل الرسل هو وقومه ، فبلغ ذلك حبيباً وهو على باب المدينة ، فجاء يسعى إليهم ويذكرهم ويدعوهم إلى طاعة المرسلين . قوله : ( إلى آخره ) أي آخر القصة وهو قوله : { إِلاَّ كَانُواْ بِهِ يَسْتَهْزِئُونَ } [ يس : 30 ] . قوله : { لَمُرْسَلُونَ } جمع باعتبار الثالث . قوله : ( أي رسل عيسى ) هذا هو المشهور ، وقيل : إنهم رسل من الله من غير واسطة عيسى ؛ أرسلوا إلى أصحاب هذه القرية . قوله : ( بدل من إذ الأولى ) أي بدل مفصل من مجمل . قوله : ( بالتخفيف والتشديد ) أي فهما قراءتان سبعيتان . قوله : { فَقَالُوۤاْ إِنَّآ إِلَيْكُمْ مُّرْسَلُونَ } أكدوا كلامهم بأن التقدم انكارهم بتكذيب الاثنين ، وتكذيبهما تكذيب للثالث لاتحاد مقالتهم . قوله : قالوا : { مَآ أَنتُمْ إِلاَّ بَشَرٌ مِّثْلُنَا } أي فلا مزية لكم علينا . قوله : ( جار ومجرى القسم ) أي فيؤكد به كالقسم ، ويجاب كما يجاب به القسم . قوله : لزيادة الإنكار أي حيث تعددت ثلاث مرات . قوله : ( وهي إبراء الأكمه ) أي الأعمى . قوله : { قَالُوۤاْ إِنَّا تَطَيَّرْنَا بِكُمْ } التطير اتفاؤل ، سمي بذلك لأنهم كانوا يتفاءلون بالطير ، إذا أرادوا سفراً أو غيره ، فإن ذهب ميمنة قالوا خير ، وإن ذهب ميسرة قالوا شر . قوله : ( لانقطاع المطر عنا بسببكم ) قيل : حبس عنهم المطر ثلاث سنين فقالوا : هذا بشؤمكم . قوله : ( لام قسم ) أي وقد حنثوا فيه ، لأن الله أهلكم ، قبل أن يفعلوا بهم ما حلفوا عليه . قوله : ( بكفرهم ) الباء سببية أي طائركم حاصل معكم ، بسبب كفركم وعنادكم . قوله : ( وإدخال ألف ) أي وتركه ، فالقراءات أربع سبعيات . قوله : ( وجواب الشرط محذوف ) أي على القاعدة ، وهي أنه إذا اجتمع استفهام وشرط ، أتى بجواب الاستفهام ، وحذف جواب الشرط ، وهو مذهب سيبويه ، وعند يونس بالعكس . قوله : ( وهو محل الاستفهام ) أي وهو المستفهم عنه ، والمعنى لا ينبغي ولا يليق بكم التطكاير والكفر حيث وعظتم ، بل آمنوا وانقادوا . قوله : { بَلْ أَنتُمْ قَوْمٌ مُّسْرِفُونَ } اضراب عما تقتضيه الشرطية ، من كون التذكير سبباً للشؤم ، أي ليس الأمر كذلك ، بل أنتم قوم عادتكم الإسراف في العصيان ، فشؤمكم لذلك . قوله : ( متجاوزون الحد بشرككم ) أي بعد ظهور المعجزات ، وهذا الخطاب لمن بقي على الكفر منهم ، وهم الذين رجموا حبيباً النجار ، وأهلكهم الله كما يأتي .