Back to subchapter overview

Subchapter (Sura: 37, Ayat: 102-106)

Tafsir: Ḥāšīyat aṣ-Ṣāwī ʿalā tafsīr al-Ǧalālayn

The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com

قوله : { فَلَمَّا بَلَغَ مَعَهُ ٱلسَّعْيَ } أشار المفسر إلى أن قوله : ( معه ) ظرف متعلق بالسعي ، وفيه أنه يلزم عليه تقدم صلة المصدر المؤول من ( أن ) والفعل عليه وهو لا يجوز ، وأجيب : بأنه يغتفر في الظروف ما لا يغتفر في غيرها ، ويصح جعله متعلقاً بمحذوف على سبيل البيان ، كأن قائلاً قال : مع من بلغ السعي ؟ فقيل : بلغ معه ، ولا يصح جعله متعلقاً ببلغ ، ولا حالاً من ضميره ، لأنه يوهم اقترانهما في بلوغ السعي ، لأن المصاحبة تقتضي المشاركة ، مع أن المقصود ، وصف الصغير بذلك فقط . قوله : { قَالَ يٰبُنَيَّ } جواب لما ، والحكمة في ذلك : أن إبراهيم اتخذه الله تعالى خليلاً ، والخلة هي صفاء المودة ، ومن شأنها عدم مشاركة الغير مع الخليل ، وكان قد سأل ربه الولد ، فلما وهبه له ، تعلقت شعبة من قلبه بمحبته ، فجاءت غير الخلة تنزعها من قلب الخليل ، فأمر بذبح المحبوب ، لتظهر صفاء الخلة وعدم المشاركة فيها ، حيث امتثل أمر ربهن وقدم محبته على محبة ولده . قوله : ( أي رأيت ) أشار بذلك إلى أن الرؤيا وقعت بالفعل ، لما روي : أنه ليلة التروية ، أن قائلاً يقول له : إن الله يأمرك بذبح ابنك ، فلما أصبح فكر في نفسه أنه من الله ، فلما أمسى رأى مثل ذلك في الليلة الثانية ، ثم رأى مثله في الليلة الثالثة ، فهم بنحره فقال له : { يٰبُنَيَّ } إلخ ، ولذلك سميت الأيام الثلاثة : بالتروية ، وعرفة ، والنحر ، لأنه في اليوم الأول تروى ، وفي الثاني عرف ، وفي الثالث نحر . قوله : { أَنِّي أَذْبَحُكَ } أي أفعل الذبح ، أو أمرت ، به ، احتمالان : ويشير للأول قوله : { قَدْ صَدَّقْتَ ٱلرُّؤْيَآ } ، وللثاني . قوله : { ٱفْعَلْ مَا تُؤمَرُ } . قوله : { مَاذَا تَرَىٰ } يصح أن تكون { مَاذَا } مركبة ، وحينئذ فهي منصوبة بترى ، وما بعدها في محل نصب بالنظر ، لأنها معلقة له ، ويصح أن تكون ما استفهامية ، وذا موصولة ، فتكون { مَاذَا } مبتدأ وخبراً ، وقوله : { تَرَىٰ } بفتحتين من الرأي ، وفي قراءة سبعية ترى بالضم والكسر ، والمفعولان محذوفان ، أي تريني إياه من صبرك واحتمالك ، وقرئ شذوذاً بضم ففتح ، أي ما يخيل لك . قوله : ( شاروه ليأنس ) إلخ ، أي وليعلم صبره وعزيمته على طاعة الله . قوله : { قَالَ يٰأَبَتِ } أي بفتح التاء وكسرها ، قراءتان سبعيتان . قوله : ( التاء عوض عن ياء الإضافة ) أي فهي في محل جر ، كما كانت الياء في محل جر . قوله : { ٱفْعَلْ مَا تُؤمَرُ } قال ابن اسحاق وغيره : لما أمر إبراهيم بذلك قال لابنه : يا بني ، خذ هذا الحبل والمدية ، وانطلق بنا إلى هذا الشعب لنحتطب ، فلما خلا بابنه في الشعب ، أخبره بما أمره الله به ، فقال : { قَالَ يٰأَبَتِ ٱفْعَلْ مَا تُؤمَرُ } . قوله : { إِن شَآءَ ٱللَّهُ } أتى بها تبركاً وإشارة إلى أنه لا حول عن المعصية إلا بعصمة الله ، ولا قوة على الطاعة إلا بمعونة الله . قوله : { فَلَمَّا أَسْلَمَا } أي الوالد والولد . قوله : { وَتَلَّهُ لِلْجَبِينِ } أي صرعه ورماه على شقه فوق التل الذي هو المكان المرتفع ، قال ابن عباس : لما فعل ذلك الابن قال : يا أبت اسدد رباطي كي لا أضطرب ، واكفف ثيابك حتى لا ينتضح عليها من دمي شيء ، فينقص أجري ، وتراه أمي فتحزن ، واستحد شفرتك ، وأسرع بها على حلقي ، ليكون أهون علي ، وإذا أتيت أمي فاقرأ عليها السلام مني ، وإن رأيت أن ترد قميصي عليها فافعل ، فإنه عسى أن يكون أسلى لها عني ، فقال إبراهيم : نعم العون أنت يا بني على أمر الله ، ففعل إبراهيم ما أمر به ابنه ، ثم أقبل عليه وهو يبكي ، والابن يبكي ، فلما وضع السكين على حلقه فلم تؤثر شيئاً ، فاشتدها بالحجر مرتين أو ثلاثاً ، كل ذلك لا تستطيع أن تقطع شيئاً ، فمنعت بقدرة الله تعالى ، وقيل : ضرب الله صفيحة من نحاس على حلقه ، والأول أبلغ في القدرة الإلهية ، وهو منع الحديد عن اللحم ، فعند ذلك قال الابن : يا أبت كبني لوجهي على جبيني ، فإنك إذا نظرت في وجهي رحمتني ، فأدركتك رأفة تحول بينك وبين أمر الله ، وأنا أنظر إلى الشفرة فأجزع منها ، ففعل ذلك إبراهيم ، ثم وضع السكين على قفاه فانقلبت ، فنودي { يٰإِبْرَاهِيمُ * قَدْ صَدَّقْتَ ٱلرُّؤْيَآ } إلخ . قوله : ( بمنى ) يذكر ويؤنث وبصرف ويمنع من الصرف باعتبار المكان والبقعة . قوله : ( وأمرَّ السكين ) هذا أحد قولين مشهورين ، وهو ما تقدم عن ابن عباس ، والآخر : أنه لم يمرّ السكين ، بل لما أضجعه وأراد أم يمرَّ السكين جاءه النداء ، وبالأول استدل أهل السنة ، على أن الأمور العادية لا تؤثر شيئاً ، لا بنفسها ، ولا بقوة أودعها الله فيها ، وإنما المؤثر هو الله تعالى ، فتخلف القطع في ولد إبراهيم ، وتخلف الاحراق في إبراهيم . قوله : ( فجملة ناديناه جواب لما ) إلخ ، هذا أحد أوجه ثلاثة ، والثاني أنه محذوف تقديره ظهر صبرهما ، أو أجز لنا لهما الأجر ، والثالث أن قوله : { وَتَلَّهُ لِلْجَبِينِ } بزيادة الواو . قوله : ( بإفراج الشدة ) المناسب أن يقول : بتفريج الشدة أو بفرجها ، لأن الفعل فرج بالتخفيف والتشديد ، فمصدره إما التفريج أو الفرج .