Back to subchapter overview

Subchapter (Sura: 38, Ayat: 34-36)

Tafsir: Ḥāšīyat aṣ-Ṣāwī ʿalā tafsīr al-Ǧalālayn

The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com

قوله : { وَلَقَدْ فَتَنَّا سُلَيْمَانَ } إلخ ، أجمل المفسر في القصة . وحاصل تفسيرها على ما رواه وهب بن منبه قال : سمع سليمان بمدينة في جزيرة من جزائر البحر يقال لها صيدون ، وبها ملك عظيم الشأن ، ولم يكن للناس إليه سبيل لمكانه في البحر ، وكأن الله تعالى قد أتى سليمان في ملكه سلطاناً لا يمتنع عليه شيء في برد ولا بحر ، وإنما يركب إليه الريح ، فخرج إلى تلك المدينة تحمله الريح على ظهر الماء ، حتى نزل بجنوده من الجن والإنس ، فقتل ملكها وسبى ما فيها ، وأصاب فيما أصاب بنتاً لذلك الملك يقال لها جرادة ، لم ير مثلها حسناً ولا جمالاً ، فاصطفاها لنفسه ودعاها إلى الإسلام ، فأسلمت على جفاء منها وقلة فقه ، وأحبها حباً لم يحب مثله أحداً من نسائه ، وكانت على منزلتها عنده لا يذهب حزنها ولا يرقأ دمعها ، فشق ذلك على سليمان فقال لها : ويحك ما هذا الحزن الذي لا يذهب والدمع الذي لا يرقأ ؟ قالت : إن ربي أذكره وأذكر ملكه وما كان فيه وما أصابه فيحزنني ذلك ، فقال سليمان ، فقد أبدلك الله به ملكاً هو أعظم من ذلك ؟ قالت : إن ذلك كذلك ، ولكنني إذا ذكرته أصابني ما ترى من الحزن ، فلو أنك أمرت الشياطين ، فصوروا لي صورته في داري التي أنا فيها ، أراها بكرة وعشية ، لرجوت أن يذهب ذلك حزني ، وأن يسلي عن بعض ما أجد في نفسي ، فأمر سليمان الشياطين فقال : مثلوا لها صورة أبيها في دارها حتى لا تنكر منه شيئاً ، فمثلوه لها حتى نظرت إلى أبيها بعينه ، إلا أنه لا روح فيه ، فعمدت إليه حين صنعوه ، فألبسته ثياباً مثل ثيابه التي كان يلبسها ، ثم كانت تصنع في ملكه أي أبيها ، وتروح في كل عشية بمثل ذلك ، وسليمان لا يعلم بشيء من ذلك أربعين صباحاً ، وبلغ ذلك إلى أصف بن برخيا ، وكان صديقاً له ، وكان لا يرد عن أبواب سليمان أية ساعة أراد دخول شيء من بيوته دخل سواه ، كان سليمان حاضراً أو غائباً ، فأتاه وقال : يا نبي الله ، إن غير الله يعبد في دارك منذ أربعين صباحاً في هوى امرأة ، فقال سليمان : في داري ؟ قال في دارك ، قيل : فإنا لله وإنا إليه راجعون ، ثم رجع سليمان إلى داره ، فكسر ذلك الصنم وعاتب تلك المرأة وولائدها ، ثم أمر بثياب الظهيرة فأتى بها ، وهي ثياب لا يغزلها إلا الأبكار ، ولا ينسجها إلا الأبكار ، ولا يغسلها إلا الأبكار ، لم تمسها يد امرأة قد رأت الدم ، فلبسها ثم خرج إلى فلاة من الأرض وحده ، وأمر برماد ففرش له ، ثم أقبل تائباً إلى الله تعالى ، حتى جلس على ذلك الرماد ، وتمعك به في ثيابه تذللاً إلى الله تعالى ، وتضرعاً اليه يبكي ويدعو ويستغفر مما كان في داره ، فلم يزل كذلك يومه حتى أمسى ، ثم رجع إلى داره ، وكانت له أم ولد يقال لها الأمينة ، كان إذا دخل الخلاء ، أو أراد إصابة امرأة من نسائه ، وضع خاتمه عندها حتى يتظهر ، وكان لا يمس خاتمه إلا وهو طاهر ، وكان ملكه في خاتمه ، فوضعه يوماً عندها ثم دخل مذهبه ، فأتاها شيطان اسمه صخر المارد ابن عمير في صورة سليمان ، لا تنكر منه شيئاً ، فقال : يا أمينة خاتمي ، قالت : من أنت ؟ قال : سليمان بن داود ، فقالت : كذبت قد جاء سليمان وأخذ خاتمه ، وهو جالس على سرير ملكه ، فعرف سليمان أن خطيئته أدركته ، فخرج وجعل يقف على الدار من دور بني إسرائيل ويقول : أنا سليمان بن داود ، فيحثون عليه التراب ويقولون : انظروا إلى هذا المجنون يزعم أنه سليمان ، فلما رأى سليمان ذلك عمد إلى البحر ، فكان ينقل الحيتان لأصحاب السوق ويعطونه كل يوم سمكتين ، فإذا أمسى باع إحدى سمكتيه بأرغفة ، ويشوي الأخرى فيأكلها ، فمكث على ذلك أربعين صباحاً ، عدة ما كان يعبد بعد الوثن في داره ، ثم إن آصف وعظماء بني إسرائيل ، أنكروا حكم عدو الله الشيطان في تلك المدة ، فقال آصف : يا معشر بني إسرائيل ، هل رأيتم من اختلاف حكم ابن داود ما رأيتم ؟ فقالوا : نعم ، فلما مضى أربعون صباحاً ، طار الشيطان عن مجلسه ، ثم مر بالبحر فقذف الخاتم فيه ، فأخذته سمكة فأخذها بعض الصيادين ، وقد عمل له سليمان صدر يومه ، فلما أمسى أعطاه سمكتيه ، فباع سليمان أحدهما بأرغفة ، وبقر بطن الأخرى ليشوبها ، فاستقبله خاتمه في جوفها ، فأخذه وجعله في ديه وخر الله ساجداً ، وعكف عليه الطير والجن ، وأقبل الناس عليه ، وعرف أن الذي دخل عليه من أحل ما حدث في داره ، فرجع إلى ملكه ، وأظهر التوبة من ذنبه ، وأمر الشياطين أن يأتوه بصخر المارد ، فأتى به فأدخله في جوف صخرة وسد عليه بأخرى ، ثم أوقفها بالحديد والرصاص ، ثم أمر به فقذف به في البحر ، فهو باق فيها إلى النفخة ، وسيأتي رد تلك القصة ، وأنها من موضوعات الأخباريين . قوله : ( لتزوجه بامرأة ) أي واسمها جرادة . قوله : ( هواها ) هويها قياسه بمعنى أحبها من باب صدى ، وأما هوى كرمى فهو بمعنى سقط ، وفي نسخة يهواها وهي ظاهرة . قوله : ( وكانت تبعد الصنم ) أي وهو صورة أبيها ، ومدة ذلك أربعون يوماً . قوله : ( وكان ملكه في خاتمه ) أي كان ملكاً مرتباً على لبسه إياه ، فإذا لبسه سخرت له الريح والجن والشياطين وغيرها ، وإذا نزعه زال عنه وكان خاتمه من الجن ، وهو من جملة الأشياء التي نزل بها آدم من الجنة ، وقد نظمها بعضهم بقوله : @ وآدم معه أنزل العود والعصا لموسى من الآس النبات المكرم وأوراق تين واليمين بمكة وختم سليمان النبي المعظم @@ وقوله العود : المراد به عود البخور ، وقوله واليمين بمكة : المراد بالحجر الأسود ، وورد في الحديث : " أن نقش خاتم سليمان : لا إله إلا الله محمد رسول الله " قوله : ( ووضعه عند امرأته ) في عبارة غيره أم ولده المسماة بالأمينة . قوله : ( هو ذلك الجني ) أي وسمي جسداً ، لأنه ليس فيه روح سليمان ، وإن كان فيه روحه هو ، لأن الجسد هو الجسم الذي لا روح فيه . قوله : ( وهو صخر ) أي ابن عمير المارد . قوله : ( رجع سليمان إلى ملكه ) هذا التفسير مبني على أن قوله : { ثُمَّ أَنَابَ } مرتبط بقوله : { وَأَلْقَيْنَا عَلَىٰ كُرْسِيِّهِ جَسَداً } وقال غيره : إنه مرتبط بقوله : { وَلَقَدْ فَتَنَّا سُلَيْمَانَ } ومعنى إنابته : رجوعه إلى الله تعالى وتوبته . قوله : ( بعد أيام ) أي أربعين ، قال القاضي عياض وغيره من المحققين : لا يصح ما نقله الإخباريون ، من تشبه الشيطان بسليمان ، وتسلطه على ملكه ، وتصرفه في أمته بالجور في حكمه ، وإن الشياطين لا يتسلطون على مثل هذا ، وثج عصم الله تعالى الأنبياء من مثل هذا ، والذي ذهب إليه المحققون ، أن سبب فتنتنه ، ما أخرجاه في الصحيحين من حديث أبي هريرة رضي الله عنه قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : " قال سليمان : لأطوفن الليلة على تسعين امرأة ، وفي رواية على مائة امرأة ، كلهن يأتي بفارس يجاهد في سبيل الله تعالى ، فقال له صاحبه : قل إن شاء الله ، فلم يقل إن شاء الله ، فطاف عليهن جميعاً ، فلم تحمل منهن إلا امرأة واحدة جاءت بشق رجل ، وايم الله الذي نفسي بيده ، لو قال إن شاء الله ، لجاهدوا في سبيل الله فرساناً أجمعون " قال العلماء : والشق هو الجسد الذي ألقي على كرسيه ، أنه ولج وله ولد ، فاجتمعت الشياطين وقال بعضهم لبعض : إن عاش له ولد لم ننفك من البلاء ، فسبيلنا أن نقتل ولده أو نخيله ، فعلم بذلك سليمان فأمر السحاب بحمله ، فكان يربيه في السحاب خوفاً من الشياطين ، حيث لم يتوكل عليه في ذلك ، فتنبه واستغفر ربه . إذا علمت ذلك ، فالمناسب أن يعرج على ما في الصحيحين ، ويترك تلك القصة البشعة . قوله : { قَالَ رَبِّ ٱغْفِرْ لِي } إنما قال ذلك تواضعاً وإظهاراً للخضوع للمولى عز وجل ، وإلا فهو لم يحصل منه ذنب ، وإنما هو من باب حسنات الأبرار سيئات المقربين . قوله : { وَهَبْ لِي مُلْكاً } إلخ ، قدم طلب المغفرة اهتماماً بأمر الدين . قوله : { يَنبَغِي لأَحَدٍ مِّن بَعْدِيۤ } أي ليكون معجزة لي . فليس طلبه للمفاخرة بأمور الدنيا ، وإنما كان هو من بيت النبوة والملك ، وكان في زمن الجبارين وتفاخرهم بالملك ، فطلب ما يكون معجزة لقوله ، ومعجزة كل نبي ما اشتهر في عصره . قوله : { إِنَّكَ أَنتَ ٱلْوَهَّابُ } تعليل للدعاء بالمغفرة والهبة . قوله : { فَسَخَّرْنَا لَهُ ٱلرِّيحَ } أي أعدنا له تسخير الريح ، بعد ما كان قد ذهب بزوال ملكه ، وهذا على ما مشى عليه المفسر ، وعلى ما مشى عليه المحققون ، فيقال : أدمنا تسخيرها . قوله : { تَجْرِي بِأَمْرِهِ } بيان لتسخيرها له . قوله : { رُخَآءً } حال من قوله : { ٱلرِّيحَ } . قوله : ( لينة ) أي غير عاصفة ، وهذا في أثناء سيرها وأما في أوله فهي عاصفة ، فكانت العاصفة تقلع البساط والرخاء تسيره . قوله : أي اياها ، فالمصدر مضاف لفاعله .