Back to subchapter overview

Subchapter (Sura: 40, Ayat: 60-63)

Tafsir: Ḥāšīyat aṣ-Ṣāwī ʿalā tafsīr al-Ǧalālayn

The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com

قوله : { وَقَالَ رَبُّكُـمُ ٱدْعُونِيۤ أَسْتَجِبْ لَكُمْ } الدعاء في الأصل ، السؤال والتضرع إلى الله تعالى في الحوائج الدنيوية والأخروية والجليلة والحقيرة ، ومنه ما ورد : ليسأل أحدكم ربه حاجته كلها ، حتى في شسع نعله إذا انقطع ، وقوله : { أَسْتَجِبْ لَكُمْ } أي أحببكم فيما طلبتم ، لما ورد : إذ قال العبد : يا رب ، قال الله . لبيك يا عبدي . إن قلت : قوله : { أَسْتَجِبْ لَكُمْ } وعد بالإجابة ، ووعده لا يتخلف ، مع أنه مشاهد أن الإنسان قد يدعو ولا يستجاب له . أجيب : بأن الدعاء له شروط ، فإذا تخلف بعضها تخلفت الإجابة ، منها : إقبال العبد بكليته على الله وقت الدعاء ، بحيث لا يحصل في قلبه غير ربه ، وأن لا يكون لمفاسد ، وأن لا يكون فيه قطيعة رحم ، وأن لا يستعجل الإجابة ، وأن يكون موقناً بها ، فإذا كان الدعاء بهذه الشروط ، كان حقيقاً بالإجابة ، فإما أن يجعلها له ، وإما أن يؤخرها له ، فالإجابة على مراده تعالى ، وحينئذ فالذي ينبغي للإنسان أن يدعو الله تعالى ، ويفوض له الأمر في الإجابة ، ولذا ورد : " ما من رجل يدعو الله تعالى بدعاء إلا استجيب له ، فإما أن يعجل له في الدنيا ، وإما أن يؤخر له في الآخرة ، وإما أن يكفر عنه من ذنوبه بقدر ما دعا ، ما لم يدع بإثم أو قطيعة رحم ، أو يستعجل ، قالوا : يا رسول الله وكيف يستعجل ؟ قال : يقول : دعوت فما استجاب لي " والدعاء من خصائص هذه الأمة ، لما حكي عن كعب الأحبار قال : أعطيت هذه الآمة ثلاثاً ، لم يعطهن أمة قبلهم إلا نبي ، كان إذا أرسل نبي ، قيل : له : أنت شاهد على أمتك ، وقال تعالى لهذه الأمة { لِّتَكُونُواْ شُهَدَآءَ عَلَى ٱلنَّاسِ } [ البقرة : 143 ] وكان يقال للنبي : ليس عليك في الدين من حرج ، وقال تعالى لهذه الأمة { وَمَا جَعَلَ عَلَيْكُمْ فِي ٱلدِّينِ مِنْ حَرَجٍ } [ الحج : 78 ] وكان يقال للنبي : ادعني أستجب لك ، وقال لهذه الأمة { ٱدْعُونِيۤ أَسْتَجِبْ لَكُمْ } وقد يطلق الدعاء على مطلق العبادة مجازاً ، من اطلاق الخاص وأراده العام ، وهما تفسيران للدعاء والفقر والمسكنة ، والدعاء مشعر بذلك . قوله : ( بقرينة ما بعده ) أي وهو قوله : { إِنَّ ٱلَّذِينَ يَسْتَكْبِرُونَ عَنْ عِبَادَتِي } الخ ، فتحصل أن في الآية تفسيرين : أحدهما حقيقة ، والثاني مجاز ، اختار المفسر الثاني لوجود القرينة ، ويصح إرادة الحقيقة لأنها الأصل . قوله : ( بفتح الياء وضم الخاء ) أي والقراءتان سبعيتان . قوله : ( صاغرين ) أي أذلاء ، فمن أنف واستكبر في الدنيا ، ألبس ثوب الذل في الآخرة ، ومن تواضع وتذلل في الدنيا ، ألبس ثوب العز والفخر في الآخرة ، فباب الذل والانكسار من أعظم أبواب الموصلة إلى الله تعالى ، لما حكي عن سيدي أحمد الرفاعي أنه قال : طرقت الأبواب الموصلة إلى الله تعالى فوجدتها مزدحمة ، إلا باب الذل والانكسار ، وورد أن داود سأل ربه فقال : يا ربنا كيف الوصول إليك ؟ قال : يا داود خلّ نفسك وتعال . قوله : { ٱللَّهُ ٱلَّذِي جَعَلَ لَكُمُ ٱللَّيْلَ } الخ ، هذا من جملة الأدلة على باهر قدرته تعالى كأنه قال : لا يليق منكم أن تتركوا عبادة من هذه أفعاله . قوله : ( مجازي ) أي عقلي من اسناد الفيء إلى زمانه . قوله : { لَذُو فَضْلٍ } أي جود وإحسان . قوله : { وَلَـٰكِنَّ أَكْـثَرَ ٱلنَّاسِ } أي وهم الكفار ، وكان حقاً على الناس جميعهم أن يشكروا الله تعالى ويوحدوه . قوله : { ذَٰلِكُمُ } الإشارة مبتدأ ، و { ٱللَّهُ } و { رَبُّكُمْ } ، و { خَـٰلِقُ كُلِّ شَيْءٍ } و { لاَّ إِلَـٰهَ إِلاَّ هُوَ } أخبار أربعة له . قوله : { فَأَنَّىٰ تُؤْفَكُونَ } من الإفك بفتح الهمزة وهو الصرف ، وأما الإفك بالكسر فهو الكذب . قوله : { كَذَلِكَ يُؤْفَكُ } الخ ، هذا تسلية له صلى الله عليه وسلم ، والمعنى لا تحزن يا محمد فلا خصوصية لأمتك ، بل من قبلهم كذلك . قوله : ( أفك ) { ٱلَّذِينَ } بضم الهمزة فعل ماض مبني للمجهول ، وأشار بذلك إلى أن المضارع بمعنى الماضي ، وأتى به مضارعاً استحضاراً للصورة الغريبة .