Back to subchapter overview
Subchapter (Sura: 42, Ayat: 13-14)
Tafsir: Ḥāšīyat aṣ-Ṣāwī ʿalā tafsīr al-Ǧalālayn
The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com
قوله : { شَرَعَ لَكُم } الخطاب لأمة محمد صلى الله عليه وسلم ، والمعنى بين لكم وجعل لكم ديناً قوياً واضحاً ، تطابقت على صحته الأنبياء والرسل من قبل ، وهو تفصيل لما أجمل أولاً في قوله : { كَذَلِكَ يُوحِيۤ إِلَيْكَ وَإِلَى ٱلَّذِينَ مِن قَبْلِكَ } [ الشورى : 3 ] . قوله : { مَا وَصَّىٰ بِهِ نُوحاً } إلخ ، خص هؤلاء بالذكر ، لأنهم أكابر الأنبياء ، وأولي العزم وأصحاب الشرائع المعظمة المستقلة المتجددة ، فكان كل من هؤلاء الرسل له شرع جديد ، وأما من عداهم من الرسل ، إنما كان يبعث بتبليغ شرع ما قبله ، فمن بين نوح وإبراهيم ، وهما هود وصالح ، بعثا بتبليغ شرع نوح ، ومن بين إبراهيم وموسى ، بعثوا بتبليغ شرع إبراهيم ، وكذا من بين موسى وعيسى ، بعثوا بتبليغ شرع موسى ، وإنما يذكر من قبلهم ، لأنه لم يكن قبل نوح أحكام مشروعة ، لأن آدم كان شرعه التوحيد ، ومصالح المعاش ، واستمر الأمر إلى نوحن فبعثه الله تعالى بتحريم الأمهات والبنات والأخوات ، ووظف عليه الواجبات ، وأوضح له الآداب والديانات ، ولم يزل ذلك الأمر يتأكد بالرسل ، ويتناصر بالأنبياء ، واحداً بعد واحد وشريعة إثر شريعة ، حتى ختمها الله بخير الملل ملتنا ، على لسان أكرم الرسل نبينا صلى الله عليه وسلم ، فتبين بهذا أن شرعنا معشر الأمة المحمدية ، قد جمع جميع الشرائع المتقدمة . قوله : ( هو أول أنبياء الشريعة ) أي فهذا حكمه بدئه بنوح ، وأيضاً لتقدمه في الزمان . قوله : { وَٱلَّذِيۤ أَوْحَيْنَآ إِلَيْكَ } أتى بالاسم الموصول الذي هو أصل الموصولات ، وعبر في جانبه صلى الله عليه وسلم بالإيحاء ، تعظيماً لشأنه ، ورداً على المشركين المنكرين بعثته صلى الله عليه وسلم حيث قالوا : لست مرسلاً . قوله : { أَنْ أَقِيمُواْ ٱلدِّينَ } الأوضح أن { أَنْ } تفسيرية بمعنى أي ، ويصح أن تكون مصدرية ، إما في محل رفع خبر لمحذوف تقديره هو إقامة الدين ، أو في محل نصب بدل من مفعول { شَرَعَ } والمراد بإقامة الدين ، تعديل أركانه وحفظه والمواظبة عليه . قوله : ( وهو التوحيد ) بيان للمراد من الدين الذي اشترك فيه هؤلاء الرسل ، وأما قوله : { وَٱلَّذِيۤ أَوْحَيْنَآ إِلَيْكَ } فهو أعم من ذلك ، فإن المراد به جميع الشريعة أصولاً وفروعاً ، وإنما اقتصر على التوحيد ، لأنه رأس الدين وأساسه . قوله : { كَبُرَ عَلَى ٱلْمُشْرِكِينَ } أي شق عليهم . قوله : ( من التوحيد ) اقتصر عليه لأنه عماد الدين ، وإلا فما يدعوهم إليه عام ، يشمل جميع الأصول والفروع . قوله : { ٱللَّهُ يَجْتَبِيۤ إِلَيْهِ } من الاجتباء وهو اصطفاء الله العبد وتوفيقه لما يرضاه ، وتخصيصه بالفيوضات الربانية . قوله : { مَن يُنِيبُ } ضمنه معنى يقبل أو يميل ، فعداه بإلى . قوله : { وَمَا تَفَرَّقُوۤاْ } الضمير عائد على أهل الأديان المتقدمين ، من أول الزمان إلى آخره ، كما قال المفسر ، والمراد بأن أهل الأديان أمم الأنبياء المتقدمين ، كأمة نوح ، وأمة هود ، وأمة صالح وغيرهم ، وأخذ المفسر العموم من مجموع روايات عن ابن عباس وغيره ، ففي رواية عنه أن المراد بهم قريش ، والمراد بالعلم محمد ، دليله قوله تعالى : { فَلَمَّا جَآءَهُمْ مَّا عَرَفُواْ كَفَرُواْ بِهِ } [ البقرة : 89 ] وقوله تعالى : { فَلَمَّا جَآءَهُمْ نَذِيرٌ مَّا زَادَهُمْ إِلاَّ نُفُوراً } [ فاطر : 42 ] وفي رواية عنه : أن المراد بهم أهل الكتاب بدليل قوله : { وَمَا تَفَرَّقَ ٱلَّذِينَ أُوتُواْ ٱلْكِتَابَ إِلاَّ مِن بَعْدِ مَا جَآءَتْهُمُ ٱلْبَيِّنَةُ } [ البينة : 4 ] وفي رواية غيره ، أن المراد أمم الأنبياء المتقدمين . قوله : { ٱلْعِلْمُ } ( والتوحيد ) أي بأن قامت عليهم الحجج والبراهين من النبي المرسل إليهم . قوله : { بَغْياً } مفعول لأجله ، أي تفرقوا من أجل حصول البغي بينهم الذي هو الحسد والعناد في الكفر . قوله : ( بتأخير الجزاء ) أي إلى يوم القيامة ، وأما الدنيا فليست دار جزاء لشقي ولا سعيد . إن قلت : إن كفار الأمم الماضية ، قد نزل بهم أنواع العذاب كالصيحة والخسف والمسخ وغير ذلك . أجيب : بأنه ليس بجزاء ، بل هو علامة الجزاء والخزي . قوله : { أُورِثُواْ } فعل مبني للمفعول والفاعل الله تعالى . قوله : ( وهم اليهود والنصارى ) تفسير للذين أورثوا الكتاب ، وحينئذ فالمراد بالكتاب التوراة والإنجيل ، والضمير في { بَعْدِهِمْ } عائد على أصولهم المتفرقين في الحق ، وقيل : معنى { مِن بَعْدِهِمْ } من قبلهم ، ويكون الضمير حينئذ عائداً على مشركي مكة ، وقيل : المراد بالذين أورثوا بالكتاب بالتوراة والإنجيل ، والضمير في { مِن بَعْدِهِمْ } عائد على أصولهم المتفرقين في الحق ، وقيل : والضمير في { مِن بَعْدِهِمْ } عائد على اليهود والنصارى . قوله : { لَفِي شَكٍّ } المراد به هنا مطلق التردد والتحير . قوله : ( موقع في الريبة ) أي الشبهات والضلالات .