Back to subchapter overview

Subchapter (Sura: 46, Ayat: 29-29)

Tafsir: Ḥāšīyat aṣ-Ṣāwī ʿalā tafsīr al-Ǧalālayn

The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com

قوله : { وَإِذْ صَرَفْنَآ إِلَيْكَ نَفَراً مِّنَ ٱلْجِنِّ } أي اذكر يا محمد لقومك قصة صرفنا إليك نفراً من الجن ، ليعتبروا بأن رسالتك عامة ، للإنس والجن والملائكة وجميع الخلق ، لكن إرساله للإنس والجن إرسال تكليف إجماعاً ، وإرساله للملائكة قبل إرسال تكليف بما يليق بهم ، وقيل إرسال تشريف ، وارساله لما عداهم من الحيوانات الغير العاقلة والجمادات ارسال تشريف ورحمة . قوله : { نَفَراً } النفر بفتحتين ، والنفر والنفير من ثلاثة رجال إلى عشرة . قوله : ( نصيبين ) أي وهي قرية باليمنز قوله : ( أو جن نينوى ) بنون مكسورة فياء ساكنة ، فنون مضمومة أو مفتوحة ، فواو فألف مقصورة ، هي قرية يونس عليه السلام قرب الموصل . قوله : ( وكان ببطن نخل ) الصواب أن يقول : وكان ببطن نخلة لأنه هو الذي في طريق الطائف ، وأما بطن نخل ، فهو المكان الذي صلى فيه صلاة الخوف ، وهو على مرحلتين من المدينة . قوله : ( يصلي بأصحابه الفجر ) فيه شيء ، إذ لم يثبت أنه كان معه من الصحابة إلا زيد بن حارثة ، وهذه الواقعة كانت قبل فرض الصلوات ، فالصواب أن يقول : كان يصلي في جوف الليل ، وعبارة المواهب : ثم خرج عليه السلام إلى الطائف ، وأما بطن نخل ، فهو المكان الذي صلى فيه صلاة الخوف ، وهو على مرحلتين من المدينة . قوله : ( يصلي بأصحابه الفجر ) فيه شيء ، إذ لم يثبت أنه كان معه من الصحابة إلا زيد بن حارثة ، وهذه الواقعة كانت قبل فرض الصلوات ، فالصواب أن يقول : كان يصلي في جوف الليل ، وعبارة المواهب : ثم خرج عليه السلام إلى الطائف ، بعد موت خديجة بثلاثة أشهر ، في ليال بقين من شوال سنة عشر من النبوة ، لما ناله من قريش بعد موت أبي طالب ، وكان معه زيد بن حارثة ، فأقام به شهراً يدعو أشراف ثقيف إلى الله تعالى ، فلم يجيبوه وأغروا به سفهاءهم وعبيدهم يسبونه ، ولما انصرف عليه السلام عن أهل الطائف راجعاً إلى مكة ، نزل نخلة وهو موضع على ليلة من مكة ، صرف إليه سبعة من جن نصيبين ، وكان عليه السلام قد قام في جوف الليل يصلي الخ . واعلم أن العلماء ذكروا في سبب هذه الواقعة قولين : أحدهما : أن الجن كانت تسترق السمع ، فلما رجموا ومنعوا من السماء حيث بعث النبي صلى الله عليه وسلم قالوا : ما هذا إلا شيء حدث في الأرض ، فذهبوا فيها يطلبون السبب ، وكان قد اتفق أن النبي صلى الله عليه وسلم لما آيس من أهل مكة ، خرج إلى الطائف يدعوهم إلى الإسلام ، فلم يجيبوه ، فانصرف راجعاً إلى مكة ، فقام ببطن نخل يقرأ القرآن ، فمر به نفر من جن نصيبين ، كان إبليس قد بعثهم يطلبون السبب الذي أوجب حراسة السماء بالرجم بالشهب ، فسمعوا القرآن فعرفوا أن ذلك هو السبب ، وعليه فلم يكن اجتماعه بالجن مقصوداً للإرسال . ثانيهما : أن الله أمر رسوله صلى الله عليه وسلم أن ينذر الجن ، ويدعوهم إلى الله ، ويقرأ عليهم القرآن ، فصرف الله إليه نفراً منهم يستمعون القرآن وينذرون قومهم ، وذلك لأن الجن مكلفون ، لهم الثواب ، وعليهم العقاب ، ويدخلون الجنة ، ويأكلون فيها ويشربون كالإنس ، فانتهض النبي صلى الله عليه وسلم ذات ليلة وقال : إني أمرت أن أقرأ على الجن الليلة القرآن ، فأيكم يتبعني ؟ فأطرقوا ، فتبعه عبد الله بن مسعود ، قال عبد الله بن مسعود : ولم يحضر معه أحد غيري ، قال : فانطلقنا حتى إذا كنا بأعلى مكة ، دخل النبي شعباً يقال له شعب الحجون ، وخط لي خطاً ، وأمرني أن أجلس فيه وقال لي : لا تخرج حتى أعود إليك ، فانطلق حتى وصل إليهم ، فافتتح القرآن ، فجعلت أرى أمثال النسور تهوي ، وسمعت لغطاً شديداً حتى خفت على نبي الله ، وغشيته أسودة كثيرة حالت بينني وبينه ، حتى لم أسمه صوته ، ثم طفقوا يتقطعون مثل قطع السحاب ذاهبين ، ففرغ النبي منهم مع الفجر ، فانطلق إليّ فقال لي : قد نمت ؟ فقلت : لا والله ، ولكني هممت أن آتي إليك لخوفي عليك ، فقال صلى الله عليه وسلم له : لو خرجت لم آمن عليك أن يتخطفك بعضهم ، فأولئك جن نصيبين ، فقلت : يا رسول الله سمعت لغطاً شديداً ، فقال : إن الجن اختصموا في قتيل قتل بينهم ، فتحاكموا إليّ ، فقضيت بينهم بالحق ، وكان عدة هؤلاء اثني عشر ألفاً ، وروي عن أنس قال : كنت عند النبي صلى الله عليه وسلم وهو بظاهر المدينة ، إذ أقبل شيخ يتوكأ على عكازه ، فقال النبي صلى الله عليه وسلم : إنها لنغمة جني ، فقال الشيخ : أجل يا رسول الله ، فقال له النبي صلى الله عليه وسلم : من أي الجن أنت ؟ قال : إني هام بن هيم بن لاقيس بن إبليس ، فقال له النبي : كم أتى عليك من العمر ؟ فقال : أكلت عمر الدنيا إلا القليل ، كنت حين قتل هابيل غلاماً ابن أعوام ، فكنت أشرف على الآكام ، وأصطاد الهام ، وأجعله بين الأنام ، فقال النبي : بئس العمل ، فقال : يا رسول الله ، دعني من العتب ، فإني ممن آمن مع نوح عليه السلام ، وعاتبته في دعوته فبكى وأبكاني وقال : والله إني لمن النادمين ، وأعوذ بالله أن أكون من الجاهلين ، وأتيت هوداً فعاتبته في دعوته فبكى وأبكاني وقال : والله إني لمن النادمين ، وأعوذ بالله أن أكون من الجاهلين ، ولقيت إبراهيم وآمنت به ، وكنت بينه وبين الأرض إذ رمي به في المنجنيق ، وكنت معه في النار إذ ألقي فيها ، وكنت مع يوسف إذ ألقي في الجب ، فسبقته إلى قعره ، ولقيت موسى بن عمران ، وكنت مع عيسى ابن مريم عليهما السلام ، فقال لي : إن لقيت محمداً فأقره السلام ، قال أنس : فقال النبي : وعليه السلام ، وعليك السلام يا هام ، ما حاجتك ؟ فقال : إن موسى علمني التوراة ، وإن عيسى علمني الأنجيل ، فعلمني القرآن قال أنس : فعلمه النبي صلى الله عليه وسلم سورى الواقعة : وعم يتساءلون ، وإذا الشمسي كورت ، وقل يا أيها الكافرون ، وسورة الإخلاص ، والمعوذتين ، ولا منافاة بين هذه القصص ، فلعل الواقعة تعددت ، فإحداها كان بها زيد بن حارثة ، والأخرى كان فيها عبد الله بن مسعود ، والأخرى كان فيها أنس بن مالك ، كما أن قراءة القرآن عليهم تعددت . قوله : { يَسْتَمِعُونَ ٱلْقُرْآنَ } جمعه مراعاة لمعنى النفر ، ولو راعى لفظه لقال يستمع . قوله : { فَلَمَّا حَضَرُوهُ } أي القرآن والرسول . قوله : ( اصغوا ) بكسر الهمزة وفتح الغين ؛ من باب رمى ، أو بفتح الهمزة وضم الغين من الرباعي . قوله : { فَلَمَّا قُضِيَ } بالبناء للمفعول في قراءة العامة ، وقرئ شذوذاً بالبناء للفاعل ، فالأولى تؤيد عود الضمير على القرآن ، والثانية تؤيد عوده على الرسول . قوله : { وَلَّوْاْ إِلَىٰ قَوْمِهِم مُّنذِرِينَ } أي بأمر الرسول عليه السلام ، لأنه جعلهم رسلاً إلى قومهم . قوله : ( وكانوا يهوداً ) أي وقج أسلموا في هذه الواقعة ، وأسلم من قومهم حين رجعوا إليهم وأنذروهم وهم سبعون ، وقال العلماء : إن الجن فيهم اليهود والنصارى والمجوس وعبدة الأصنام ، وفي مسلميهم مبتدعة ومن يقول بالقدر وخلق القآن ونحو ذلك من المذاهب والبدع . وروي أنهم أصناف ثلاثة : صنف لهم أجنحة يطيرون بها ، وصنف على صورة الحيات والكلاب ، وصنف يحلون ويظعنون ، واختلف في مؤمني الجن ، فقيل : لا ثواب لهم إلا النجاة من النار ؛ وعليه أبو حنيفة والليث ؛ وبعد نجاتهم من النار يقال لهم : كونوا تراباً . وقال الأئمة الثلاثة : هم يدخلون الجنة ، ويأكلون ويشربون ويتنعمون . وقيل : إنهم يكونون حول الجنة في ربض ورحاب وليسوا فهيا . قوله : ( كالتوراة ) أي والإنجيل والزبور وغيرهما . قوله : ( أي طريقه ) أي الإسلام وهو الانقياد وطريقه الأعمال الصالحة ، كالصلاة والصوم .