Back to subchapter overview
Subchapter (Sura: 48, Ayat: 18-21)
Tafsir: Ḥāšīyat aṣ-Ṣāwī ʿalā tafsīr al-Ǧalālayn
The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com
قوله : { لَّقَدْ رَضِيَ ٱللَّهُ عَنِ ٱلْمُؤْمِنِينَ } أي فعل بهم فعل الراضي من الثواب والفتح المبين ؛ وفي ذلك تلميح إلى أن الكافرين غير راض عنهم ، فلهم الخذلان في الدنيا والآخرة ، وكان سبب هذه البيعة على ما ذكره محمد بن إسحاق عن أهل العلم ، " أن رسول الله صلى الله عليه وسلم دعا خراش بن أمية الخزاعي حين نزل الحديبية ، فبعثه إلى قريش بمكة ، وحمله على جملة صلى الله عليه وسلم ليبلغ أشرافهم أنه صلى الله عليه وسلم جاء معتمراً ، ولم يجيء محارباً ، فعقروا جمل رسول الله وأرادوا قتله ، فمنعهم الأحابيش فخلوا سبيله ، فأتى لرسول الله فأخبره ، فدعا رسول الله عمر بن الخطاب ليبعثه إلى مكة فقال : يا رسول الله إني أخاف على نفسي قريشاً ، وليس في مكة من بني عدي بن كعب أحد ، وقد عرفت قريش عداوتي إياها ، وغلظتي عليها ، ولكن أدلك على رجل هو أقربها مني ، لوجود عشيرته فيها ، وهو عثمان بن عفان ، فدعا رسول الله صلى الله عليه وسلم عثمان ، فبعثه إلى أبي سفيان وأشراف قريش يخبرهم أنه لم يأت لحرب ، وإنما جاء زائراً لهذا البيت ، معظماً لحرمته ، وكتب له كتاباً بعثه معه ، وأمره أن يبشر المستضعفين بمكة بالفتح قريباً ، وأن الله سيظهر دينه ، فخرج عثمان وتوجه إلى مكة ، وقبل أن يدخلها ، فنزل عن فرسه وحمله بين يديه ، ثم أردفه وأجاره ، حتى بلغ رسالة رسول الله صلى الله عليه وسلم وقرأ عليهم الكتاب واحداً واحداً ، فصمموا على أنه لا يدخلها هذا العام ، وقالوا لعثمان : إن شئت أن تطوف بالبيت فطف به ، قال : ما كنت لأفعل حتى يطوف به رسول الله صلى الله عليه وسلم ، وقد كان المسلمون قالوا : هنيئاً لعثمان خلص إلى البيت وطاف به دوننا ، فقال صلى الله عليه وسلم : إن ظني له أن لا يطوف حتى يطوف مهنا ، وبشر عثمان المستضعفين ، واحتسبته قريش عندها ، فبلغ رسول الله والمسلمين أن عثمان قد قتل ، فقال رسول صلى الله عليه وسلم : لا نبرح حتى نناجز القوم ، ودعا الناس إلى البيعة ، فكانت بيعة الرضوان تحت الشجرة ، وضع النبي صلى الله عليه وسلم شماله في يمينه وقال : هذه عن عثمان ، وهذا يشعر بأن النبي قد علم بنور النبوة ، أن عثمان لم يقتل حتى بايع عنه . وفي الحديث أن النبي صلى الله عليه وسلم قال لما بايع الناس : " اللهم إن عثمان في حاجتك وحاجة رسولك " فضرب بإحدى يديه على الأخرى ، فكانت يده لعثمان ، خيراً من أيديهم لأنفسهم ، ولما سمع المشركون بهذه البيعة ، خافوا وبعثوا بعثمان وجماعة من المسلمين وكانوا عشرة ، دخلوا بإذنه صلى الله عليه وسلم " . قوله : { إِذْ يُبَايِعُونَكَ } ظرف لرضي ، وعبر بصيغة المضارع استحضاراً لصورة المبايعة . قوله : { تَحْتَ ٱلشَّجَرَةِ } معمول ليبايعونك . قوله : ( هي سمرة ) بضم الميم من شجر الطلح وهو الموز ، كما عليه جمهور المفسرين في قوله تعالى : { وَطَلْحٍ مَّنضُودٍ } [ الواقعة : 29 ] وهذه الشجرة قد أخفيت ، لئلا يحصل الافتتان بها ، وروي أن عمر بلغه أن قوماً يأتون الشجرة ويصلون عندها فتوعدهم ، ثم أمر بقطعها فقطعت . قوله : ( أو أكثر ) وقيل أربعمائة وهو الصحيح ، وقيل خمسمائة . قوله : ( أن يناجزوا قريشاً ) أي يقاتلوهم . قوله : { مَا فِي قُلُوبِهِمْ } معطوف على { يُبَايِعُونَكَ } . قوله : ( بعد انصرافهم من الحديبية ) أي في ذي الحجة ، فأقام صلى الله عليه وسلم بالمدينة بقيته وبعض المحرم ، ثم خرج إلى خيبر في بقية المحرم سنة سبع . قوله : { مَغَانِمَ } معطوف على { فَتْحاً } و { يَأْخُذُونَهَا } صفة لمغانم أو حال منها . قوله : { وَعَدَكُمُ ٱللَّهُ } الالتفات إلى الخطاب لتشريفهم في مقام الامتنان ، وهو لأهل الحديبية . قوله : ( من الفتوحات ) أي غير خيبر ، مما استقبلهم بعد ، كفتح مكة وهوازن وبلاد كسرى والروم . قوله : ( غنيمة خيبر ) مقتضى ما تقدم ، من أن السورة نزلت كلها في رجوعه من الحديبية أن يكون قوله : { فَعَجَّلَ لَكُمْ هَـٰذِهِ } من التعبير بالماضي عن المستقبل ، لتحقق وقوعه من الإخبار بالغيب . قوله : ( في عيالكم ) أي عن عيالكم ، والجار والمجرور بدل من قوله : { عَنْكُمْ } والمراد بالناس ، أهل خيبر وحلفاؤهم من بني أسد وغطفان . قوله : ( لما خرجتم ) أي للحديبية ، وقوله : ( وهمت بهم اليهود ) أي يهود خيبر ، هما بأخذ عيال النبي والصحابة من المدينة ، في غيبة النبي للحديبية ، وكان هو السبب في أخذ خيبر . قوله : ( عطف على مقدر ) هذا أحد قولين ، والآخر أنها زائدة ، وعليه فيكون تعليلاً لقوله : { كَفَّ } . قوله : { آيَةً لِّلْمُؤْمِنِينَ } أي أمارة يعرفون بها صدق الرسول صلى الله عليه وسلم في وعده إياهم ، عند الرجوع من الحديبية بتلك الغنائم . قوله : ( أي طريق التوكل عليه ) فسر الصراط المستقيم بما ذكر ، لأن الحاصل من الكف ليس إلا ذلك ، ولأن أصل الهدى حاصل قبله . - تنبيه - أن " رسول الله صلى الله عليه وسلم لما رجع من الحديبية ، أقام بالمدينة بقية ذي الحجة وبعض المحرم ، ثم خرج إلى خيبر في بقية المحرم سنة سبع ، وكان إذا غزا قوماً ينتظر الصباح ، فإن سمع أذاناً كف عنهم ، وإن لم يسمع أذاناً أغار عليهم ، فلما أصبح ولم يسمع أذاناً أغار عليهم ، فلما أصبح ولم يسمع أذاناً ركب عليهم ، فخرجوا بمكاتلهم ومساحييهم ، فلما رأوا النبي صلى الله عليه وسلم قالوا محمد والخميس أي الجيش ، فلما رآهم النبي صلى الله عليه وسلم قال : الله أكبر خربت خيبر ، إنا إذا نزلنا بساحة قوم ، فساء صباح المنذرين ، وعن سلمة بن الأكوع قال : خرجنا إلى خيبر مع رسول الله صلى الله عليه وسلم فجعل عمي عامر يرتجز بالقوم : _ _ تالله لولا الله ما اهتدينا _ _ ولا تصدقنا ولا صلينا _ _ _ _ ونحن عن فضلك ما استغنينا _ _ فثبت الأقدام إن لاقينا _ _ _ _ وأنزلن سكينة علينا _ _ فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم من هذا ؟ قال : أنا عامر ، قال : غفر لك ربك ، قال : وما استغفر رسول الله صلى الله عليه وسلم لإنسان يخصه إلا استشهد ، قال : فنادى عمر بن الخطاب وهو على جمل له : يا نبي الله ، لولا متعتنا بعامرـ قال : فلما قدمنا خيبر ، قدم مهلكهم مرحب يخطر بسيفه يقول : _ _ قد علمت خيبر أني مرحب _ _ شاكي السلاح بطل مجرب _ _ _ _ إذا الحروب أقبلت تلهب _ _ قال : وبرز له عمي عامر فقال : _ _ قد علمت خيبر أني عامر _ _ شاكي . السلاح بطل مغامر _ _ قال : فاختلفا بضربتيهما ، فوقع سيف مرحب في ترس عامر ، وذهب عامر يسفل ، فرجع سيفه على نفسه فقطه أكحله ، فكانت فيها نفسه رضي الله عنه ، قال سلمة : فخرجت فإذا نفر من أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم يقولون : بطل عمل عامر ، قتل نفسه ، فأتيت رسول الله صلى الله عليه وسلم وأنا أبكي فقلت : يا رسول الله ، بطل عمر عمي عامر ، قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : من قال ذلك ؟ قلت : ناس من أصحابك ، قال : كذب من قال ذلك ، بل له أجره مرتين ، ثم أرسلني إلى علي وهو أرمد فقال : لأعطين الراية رجلاً يحب الله ورسوله ، أو يحبه الله ورسوله ؛ قال : فأتيت علياً فجئت به أقوده وهو أرمد ، حتى أتيت به رسول الله صلى الله عليه وسلم فبصق في عينيه فبرئ وأعطاه الراية ، فخرج مرحب فقال : _ _ قد علمت خيبر أني مرحب _ _ شاكي السلاح بطل مجرب _ _ _ _ إذا الحرب أقبلت تلهب _ _ فقال علي رضي الله عنه : _ _ أنا الذي سمتني أمي حيدره _ _ كليث غابات كريه المنظره _ _ _ _ أو فيهم بالصاع كيل السندرة _ _ قال : فضرب مرحبا فقتله ، ثم كان الفتح على يده " ، أخرجه مسلم بهذا اللفظ ، وفي رواية أخرى " أنه خرج بعد مرحب أخوه ياسر وهو يرتجز ، فخرج إليه الزبير بن العوام ، فقالت أمه صفية بنت عبد المطلب ، أيقتل ابني يا رسول الله ؟ قال : بل ابنك يقتله إن شالله الله ، ثم التقيا فقتله الزبير ، ثم لم يزل رسول الله يفتح الحصون ، ويقتل المقاتلة ، ويسبي الذرية ، ويحوز الأموال ، فجمع السبي فجاء دحية فقال : يا رسول الله ، أعطيت دحية صفية بنت حيي ، فجاء رجل إلى النبي صلى الله عليه وسلم فقال : يا رسول الله ، أعطيت دحية صفية بنت حيي سيدة قريظة والنضير ، لا تصلح إلا لك ، قال : ادعوه فجاء بها ، فلما نظر إليها النبي صلى الله عليه وسلم قال : خذ جارية من السبي غيرها ، فأعتقها النبي صلى الله عليه وسلم وتزوجها ، فلما دخل بها ، رأى في عينها أثر خضرة ، فسألها عن سببها فقالت : إني رأيت في المنام وأنا عروس بكنانة بن الربيع ، أن قمراً وقع في حجري ، فقصصت رؤياي على زوجي فقال : ما هذا إلا أنك تمنيت ملك الحجاز محمداً ، ثم لطم وجهي لطمة اخضرت منها عيني ، فلما ظهر رسول الله على خيبر ، أراد اخراج اليهود منها ، فسألت اليهود رسول الله صلى الله عليه وسلم أن يقرهم بها ، على أن يكفوهم العمل ، ولهم نصف الثمر ، فقال لهم رسول الله صلى الله عليه وسلم : نقركم بها على ذلك ما شئنا ، فقروا بها حتى أجلاهم عمر في إمارته إلى تيماء وأريحاء " قال محمد بن إسحاق : لما سمع أهل فدك بما فعل رسول الله صلى الله عليه وسلم بخيبر ، بعثوا إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم يسألونه أن يحقن دماءهم وأن يسيرهم ، ويخلوا لهم الأموال ، ففعلوا بهم ، ثم سألوا رسول الله صلى الله عليه وسلم أن يعاملهم على النصف كأهل خيبر ففعل ، فكانت خيبر للمسلمين ، وكانت فدك خالصة لرسول الله صلى الله عليه وسلم ، لأنهم لم يجلبوا عليها بخيل ولا ركاب ، فلما تطمأن رسول الله ، أهدت له زينب بنت الحرث ، امرأة سلام بن مشكم اليهودية شاة مصلية - يعني مشوية - وسألت : أي عضو من الشاة أحب إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم ؟ قيل لها : الذراع ، فأكثرت فيها السم ، وسمت سائر الشاة ، ثم جاءت بها ، فلما وضعتها بين يدري رسول الله ، تناول الذراع ، فأخذها فلاك منها قطعة فلم يسغها ، ومعه بشر بن البراء بن معرور ، فأخذ منها كما أخذ رسول الله صلى الله عليه وسلم ، فأما بشر فأساغها ، يعني ابتلعها ، وأما رسول الله فلفظها ثم قال : إن هذا العظم يخبرني أنه مسموم ، ثم دعا بها فاعترفت ، فقال : ما حملك على ذلك ، فقالت : بلغت من قومي ما لم يخف عليك فقلت : إن كان ملكاً استرحنا منه ، وإن كان نبياً فسيخبر ، فتجاوز عنها رسول الله صلى الله عليه وسلم ، ومات بشر على مرضه الذي توفي فيه ، فقال : يا أمر بشر ، ما زالت أكلة خيبر التي أكلت مع ابنك تعاودني ، فهذا أول قطع أبهري ؛ فكان المسلمون يرون أن رسول الله صلى الله عليه وسلم مات شهيداً ، مع ما أكرمه الله به من النبوة . قوله : ( مبتدأ ) أي وخبره قوله : { قَدْ أَحَاطَ ٱللَّهُ بِهَا } قوله : { وَأُخْرَىٰ لَمْ تَقْدِرُواْ عَلَيْهَا } صفة لمغانم المقدر ، وسوغ الابتداء بالنكرة الوصف ، وهذا أسهل الأعاريب ، ولذا اختاره المفسر . قوله : ( هي فارس والروم ) أي وباقي الأقطار . قوله : { قَدْ أَحَاطَ ٱللَّهُ بِهَا } أي أعدها لكم في قضائه وقدره ، فهي محصورة لا تفوتكم . قوله : ( أي لم يزل متصفاً ) أشار بذلك إلى أن المراد من { كَانَ } الاستمرار .