Back to subchapter overview

Subchapter (Sura: 5, Ayat: 12-12)

Tafsir: Ḥāšīyat aṣ-Ṣāwī ʿalā tafsīr al-Ǧalālayn

The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com

قوله : { وَلَقَدْ أَخَذَ ٱللَّهُ مِيثَاقَ بَنِيۤ إِسْرَآئِيلَ } كلام مستأنف مسوق لبيان تحريض المؤمنين على الوفاء بالعقود ، فإن المقصود من ذكر الأمم السابقة ، ونقضهم عهود أنبيائهم ، تذكير هذه الأمة بأن الوفاء بالعهود أمره عظيم وأجره جسيم ، ونقضه فيه الوبال الكبير ، ولذا قال العارف أبو الحسن الشاذلي : فالويل لمن لم يعرفك ، بل الويل ثم الويل لمن أقر بوحدانيتك ولم يرض بأحكامك . قوله : ( بما يذكر بعد ) أي من قوله : { إِنِّي مَعَكُمْ لَئِنْ أَقَمْتُمُ ٱلصَّلاَةَ } الخ ، فعهد الله هو امتثال المأمورات واجتناب المنهيات ، والدال على ذلك تجب مطاوعته ، فالشيخ المتمسك بشرع رسول الله ، القائم بحقوق الله وحقوق عباده ، إذا أخذ العهد بذلك على إنسان ، وجب عليه اتباعه ونقض عهده ، إما كفر إذا قصد نقض ما هو عليه من التوحيد وغيره ، أو ضلال مبين إذا قصد عدم الالتزام بأوراده ، وأما من خالف الشرع ، واتبع هوى نفسه ، فالواجب نقض عهده ، لأن من لا عهد له مع الله ، لا عهد له مع خلقه ، قال تعالى : { فَمَنْ يَكْفُرْ بِٱلطَّاغُوتِ وَيْؤْمِن بِٱللَّهِ فَقَدِ ٱسْتَمْسَكَ بِٱلْعُرْوَةِ ٱلْوُثْقَىٰ } [ البقرة : 256 ] هكذا ينبغي . قوله : ( فيه التفات عن الغيبة ) أي وكان مقتضى الظاهر وبعث ، وإنما التفت اعتناء بشأن البعث قوله : ( أقمنا ) أشار بذلك إلى أن المراد بالبعث الجعل والإقامة ، لا الإرسال ، إلا لكانوا معصومين من النقض . قوله : { مِنهُمُ } إما متعلق ببعثنا ، أي بمحذوف حال من اثني عشر ، وقوله : { نَقِيباً } تمييزه ، والنقيب فعيل ، إما بمعنى فاعل لأنه يفتش على أحوال القوم ، أو بمعنى مفعول لأنهم فتشوا عليه ، واختاروه نقيباً عليهم مشتق من التنقيب وهو التفتيش ، ومنه فنقبوا في البلاد ، سمي بذلك لأنه يفتش عن أحوال القوم ويسعى في مصالحهم . قوله : ( من كل سبط نقيب ) أي فالنقباء على عدد الأسباط ، وهم أولاد يعقوب ، وكانوا اثني عشر كل واحد منهم سبط . قوله : ( توثيقة عليهم ) أي تأكيداً عليهم . قوله : { وَقَالَ } ( لهم ) أي للنقباء ، وعهد النقباء هو عهد بني إسرائيل ، أو الضمير عائد على بني إسرائيل عموماً ، وسبب ذلك أن بني إسرائيل لما رجعوا إلى مصر بعد هلاك فرعون ، أمرهم الله تعالى بالسير إلى أريحا بأرض الشام ، وكان يسكنها الجبابرة الكنعانيون ، وقال لهم : إني كتبتها لكم داراً وقراراً ، فأخرجوا من فيها وإني ناصركم ، وأمر موسى أن يأخذ من كل سبط نقيباً أميناً يكون كفيلاً على قومه بالوفاء بما أمروا به ، فاختار النقباء ، وأخذ الميثاق على بني إسرائيل وسار بهم ، فلما دنا من أرض كنعان ، بعث النقباء إليهم يتجسسون أحوالهم ، فرأوا خلقاً أجسامهم عظيمة ، ولهم قوة وشوكة فهابوهم فرجعوا ، وكان موسى قد نهاهم أن يتحدثوا بما يرون من أحوال الكنعانيين ، فنكثوا الميثاق وتحدثوا ، إلا اثنين منهم ، قيل لما توجه النقباء لتجسس أحوال الحبارين ، لقيهم عوج بن عنق ، وعنق أمه إحدى بنات آدم لصلبه ، وكان عمره ثلاثة آلاف سنة ، وطوله ثلاثة آلاف وثلثمائة وثلاثين ذراعاً ، وكان على رأسه حزمة حطب ، فأخذ النقباء وجعلهم في الحزمة ، وانطلق بهم إلى امرأته ، فطرحهم على يديها ، وقال اطحنيهم بالرحى ، فقالت لا بل نتركهم حتى يخبروا قومهم بما رأوا ، فجعلوا يتعرفون أحوالهم ، وكان من أحوالهم أن عنقود العنب عندهم لا يحمله إلا خمسة رجال منهم ، وأن قشرة الرمانة تسع خمسة منهم ، فلما خرج النقباء من أرضهم ، قال بعضهم لبعض : إن أخبرتم بني إسرائيل بخبر القوم ، ارتدوا عن نبي الله ، ولكن اكتموه إلا عن موسى وهارون ، ثم انصرفوا إلى موسى ، وكان معهم حبة من عنبهم ، فنكثوا عهدهم ، وجعل كل واحد منهم ينهي سبطه عن القتال ويخبره بما رأى ، إلا كالب ويوشع ، وكان عسكر موسى فرسخاً في فرسخ ، فجاء عوج بن عنق حتى نظر إليهم ، فجاء إلى جبل وأخذ منه صخرة على قدر عسكر موسى ، ثم حملها على رأسه ليطبقها عليهم ، فبعث الله الهدهد فنقر وسط الصخرة المحاذي لرأسه ، فوقعت في عنقه وطوقته فصرعته ، وأقبل موسى فقتله ، فأقبلت جماعة حتى حزوا رأسه ، وهذه القصة ذكرها كثير من المفسرين ، قال المحققون : إنه لا عوج ولا عنق ، وإنما الصحيح من القصة وجود الجبارين وقريتهم ، وأنهم عظام الأجسام ، وبالجملة فالصحيح هو ما قصه الله علينا فيما يأتي في هذا الربع . قوله : ( لام قسم ) أي والله ، وجوابه هو قول لأكفرن ، وحذف جواب الشرط لتأخره عن القسم اكتفاء بجواب القسم ، قال ابن مالك : واحذف لدى اجتماع شرط وقسم ، جواب ما أخرت . قوله : { وَآمَنتُمْ بِرُسُلِي } أخره عن الصلاة والزكاة ، مع أنهما من الفروع ، لأن بعضهم كان يفعلهما مع كونه يكذب ببعض الرسل ، فأفاد الله تعالى أن عدم الإيمان لا ينفع مع فعل الطاعات قوله : { وَعَزَّرْتُمُوهُمْ } من التعزيز ، يطلق على التعذيب ، وعلى التعظيم والتوفير والنصرة ، وهو المراد هنا . قوله : ( بالإنفاق في سبيله ) ، أي واجباً أو مندوباً ، وهو أعم من الزكاة . قوله : ( فنقضوا الميثاق ) أي بتكذيبهم الرسل ، وقتلهم الأنبياء ، وتضييعهم الفرائض .