Back to subchapter overview
Subchapter (Sura: 5, Ayat: 3-3)
Tafsir: Ḥāšīyat aṣ-Ṣāwī ʿalā tafsīr al-Ǧalālayn
The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com
قوله : { حُرِّمَتْ عَلَيْكُمُ ٱلْمَيْتَةُ } هذا شروع في بيان ما أجمل أولاً في قوله : { إِلاَّ مَا يُتْلَىٰ عَلَيْكُمْ } [ المائدة : 1 ] وذكر في هذه الجملة العظيمة أحد عشر كلها محرمة ، منها عشرة مطعومة وواحد غير مطعوم ، وهو قوله وأن تستسقموا بالأزلام . قوله : { ٱلْمَيْتَةُ } فيه رد على جاهلية العرب حيث قالوا كما حكى الله عنهم ، وقالوا ما في بطون هذه الأنعام خالصة لذكورنا ومحرم على أزواجنا ، وإن يكن ميتة فهم فيه شركاء ، وعلى المشركين حيث أحلّوا أكلها مطلقاً . قوله : ( أي المسفوح ) أي السائل . قوله : ( كما في الأنعام ) أي في قوله تعالى : { إِلاَّ أَن يَكُونَ مَيْتَةً أَوْ دَماً مَّسْفُوحاً } [ الأنعام : 145 ] الآية ، وأما غير المسفوح كالكبد والطحال والدم الباقي في العروق فهو طاهر ، ويجوز أكله . قوله : { وَلَحْمُ ٱلْخِنْزِيرِ } أي ولو ذكي وهو نجس كله ، ما عدا الشعر إن جز ، عند مالك ، فهو طاهر ويجوز استعماله . قوله : { وَمَآ أُهِلَّ لِغَيْرِ ٱللَّهِ بِهِ } الإهلال رفع الصوت ، والأظهر أن اللام بمعنى الباء ، والباء بمعنى عند ، والمعنى وما رفع الصوت عند ذكاته بغير الله ، أي باسم غير الله ، كما إذا قال باسم اللات أو العزى ، قال تعالى : { وَلاَ تَأْكُلُواْ مِمَّا لَمْ يُذْكَرِ ٱسْمُ ٱللَّهِ عَلَيْهِ وَإِنَّهُ لَفِسْقٌ } [ الأنعام : 121 ] فإن جمع بين اسم الله واسم غيره غلب اسم الله وتؤكل ، لأنه يعلو ولا يعلى عليه ، والموضوع أن ذلك وقع من كتابي ، وأما من مسلم فهو مرتد لا تؤكل ذبيحته ، وهذا مذهب مالك بن أنس ، ومراد مالك بأهل الكتاب الذين تؤكل ذبيحتهم ، إن لم يذكروا اسم غير الله عليه اليهود والنصارى ، ولو غيروا وبدلوا . قوله : ( بأن ذبح على اسم غيره ) المناسب أن يقول بأن صرح عند ذبحها باسم غيره ، ليندفع التكرار بين ما هنا وبين ما يأتي في قوله : { وَمَا ذُبِحَ عَلَى ٱلنُّصُبِ } . قوله : { وَٱلْمُنْخَنِقَةُ } كانوا في الجاهلية يخنقون الشاة ، حتى إذا ماتت أكلوها ، فحرم الله ذلك . قوله : { وَٱلْمَوْقُوذَةُ } كانوا في الجاهلية يضربون الشاة بنحو العصا حتى تموت ويأكلونها . قوله : { وَٱلنَّطِيحَةُ } فعيلة بمعنى مفعولة . قوله : { وَمَآ أَكَلَ ٱلسَّبُعُ } كانوا في الجاهلية إذا جرح السبع شيئاً وأكل منه أكلوا ما بقي ، والسبع اسم لكل ما يفترس من ذي الناب ، كالأسد والذئب ونحوهما وقوله : ( أي أدركتم فيه الروح ) أي مع بقاء الحياة المستقرة ، بحيث يتحرك بالاختيار أو يبصر بالاختيار ، ولو نفذت مقاتله ، وهذا مذهب الشافعي ، ومذهب مالك لا بد من استقرار الحياة مع عدم إنفاذ المقاتل ، فما أدرك بذكاة وهو مستقر الحياة ، وكان قبل إنفاذ مقتله أكل ، وإلا فلا يؤكل ، ولو ثبتت له حياة مستقرة ، والمقاتل هي : قطع النخاع ، ونثر الدماغ ، وفري الودج ، وثقب المصران ، ونثر الحشوة . وفي شق الودج قولان ، والاستثناء راجع للمنخنقة والموقوذة والمتردية والنطيحة ، وما أكل السبع وهو متصل على كلا المذهبين مع مراعاة الشرط المتقدم عند كل . قوله : { وَمَا ذُبِحَ عَلَى ٱلنُّصُبِ } أي ذكر اسم الصنم على ذلك المذبوح ، فإن فعل ذلك مسلم لولي ، وقصد التقريب له كما يتقرب لله فهو مرتد لا تؤكل ذبيحته ، وأما إن قصد أن الذبح لله وثوابه للولي فلا بأس بذلك ، فإن نذر ذبيحته لولي ميت كالسيد البدوي مثلاً ، فإن قصد انتفاعه بها كالحي فهو نذر باطل ، وأما إن قصد أنها تذبح في محله من غير قصد فقراء ذلك المحل ، فلا يسوقها لذلك المحل ، بل يذبحها بأي محل شاء ، قال مالك : سوق الهدايا لغير مكة ضلال ، وأما إن قصد بسوقها ذلك المحل لزمه سوقها . قوله : ( وهي الأصنام ) سميت الأصنام نصباً ، لأنها تنصب وترفع لتعظم وتعبد . قوله : ( تطلبوا القسم ) بالكسر ما قسم لكم من خير أو شر ، وبالفتح أي تمييزه ، لأن القسم بالفتح تمييز الأنصباء ، وبالكسر الحظ والنصيب . قوله : ( مع فتح اللام ) راجع لكل منهما . قوله : ( وكانت سبعة ) أي وكانت أزلامهم سبعة قداح مستوية ، مكتوب على واحد منها أمرني ربي ، وعلى واحد منها نهاني ربي ، وعلى واحد منكم ، وعلى واحد من غيركم ، وعلى واحد ملصق ، وعلى واحد العقل ، وواحد غفل ، أي ليس عليه شيء ، وكانوا في الجاهلية إذا أرادوا أمراً من سفر أو غيره ، جاؤوا إلى هبل ، وهو أعظم صنم بمكة ، وكان في الكعبة ، وأعطوا صاحب القداح مائة درهم ، فإن خرج أمرني ربي فعلوا ذلك الأمر ، وإن خرج نهاني ربي لم يفعلوا ، وإذا كان ذلك لنسب ، فإن خرج منكم ، ألحقوا بهم ، وإن خرج من غيركم لم يلحقوه ، وإن خرج ملصق ، كان على حاله ، وإن اختلفوا في العقل وهو الدية ، فمن خرج عليه العقل تحمله ، وإن خرج الغفل فعلوا ثانياً حت يخرج المكتوب ، فنهاهم الله عن ذلك . قوله : ( عند سادن الكعبة ) أي خادمها . قوله : ( عليها أعلام ) أي كتابة . قوله : ( وكانوا يحكمونها ) في نسخة يجيبونها أي يجيبون حكمها . قوله : { ذٰلِكُمْ فِسْقٌ } أي الاستقسام المذكور خروج عن طاعة الله . إن قلت : إن هذه بعينها هي القرعة الجائزة في الإسلام . أجيب بأن تحريم هذا إنما جاء من إحالتها للصنم وتفويض الأمر له ، ولذا وقعت القرعة بحضرة ولي ميت مثلاً ، وفوض الأمر له ، لكان الحكم الحرمة ، كالاستقسام بالأزلام ، واسم الإشارة مبتدأ ، وفسق خبر ، وهو راجع إلى الاستقسام بالأزلام ، واسم الإشارة مبتدأ ، وفسق خبر ، وهو راجع إلى الاستقسام بالأزلام ، كما هو مروي عن ابن عباس ، وقيل راجع إلى جميع ما تقدم ، وكل صحيح . قوله : ( ونزل يوم عرفة ) أي والنبي قائم يخطب بها فأل في اليوم للعهد الحضوري ، والمعنى اليوم الحاضر ، وهو يوم عرفة ، وكان يوم جمعة ، وعاش النبي صلى الله عليه وسلم بعد نزولها أحداً وثمانين يوماً . قوله : { يَئِسَ } اليأس ذد الرجاء ، والمعنى انقطع طمع الكفار في إبطال دينكم لما شاهدوا من دخول الناس فيه أفواجاً ، وذلك أن قبل الوداع حجة أبو بكر بالناس ، وأرسل النبي صلى الله عليه وسلم علياً خلفه ينادي : لا يحج بعد هذا العام مشرك ، ولا يطوف بالبيت عريان ففي حجة الوداع تفرد النبي وأصحابه بالحج ، فحينئذ نزلت الآية المشرفة . قوله : ( لما رأوا ) علة لقوله يئس ، وقوله : ( بعد طمعهم ) متعلق بيئس أيضاً . قوله : { فَلاَ تَخْشَوْهُمْ } أي لا تخافوهم لا ظاهراً ولا باطناً . قوله : { وَٱخْشَوْنِ } بحذف الياء وصلاً ووقفاًن بخلاف واخشوني في البقرة فإنها بثبوت الياء وصلاً ووقفاً اتفاقاً ، وبخلاف الآية في { يٰأَيُّهَا ٱلرَّسُولُ لاَ يَحْزُنكَ } [ المائدة : 41 ] ففيها الحذف والإثبات ، والمعنى لا تخافوا من الكفار وخافون ، لأني مالك الدنيا والآخرة عزاً وذلاً ، ولا يملك ذلك غيري ، فمن شهد ذلك وكمل دينه ، فلا يخاف إلا مولاه ، ولا يرجو سواه ، فإنه المعطي المانع ، الضار النافع . قوله : { ٱلْيَوْمَ } بدل من اليوم قبله . قوله : ( أحكامه وفرائضه ) دفع بذلك ما يقال إنه قد نزل بعدها { وَٱتَّقُواْ يَوْماً تُرْجَعُونَ فِيهِ إِلَى ٱللَّهِ } [ البقرة : 281 ] فيكون حينئذٍ الكمال نسبياً . فأجاب بأن المراد إكمال الأحكام والفرائض التي أرسل بها رسول الله ، وأما آية { وَٱتَّقُواْ يَوْماً } فهي موعظة ولا حكم فيها . إن قلت إن قوله : يقتضي نقصانه قبل ذلك . وأجيب : بأن القرآن نزل جملة في بيت العزة في سماء الدنيا ، وصار ينزل بعد ذلك متفرقاً ، فحين نزول هذه كأن الله تعالى يقول لا تنتظروا بعد ذلك حكماً ، فإني قد أتممت لكم ما قدرته لكم وادخرته عندي ، ولذلك " حين نزلت بكى عمر ، فقال له رسول الله : " ما يبكيك " ؟ فقال : إذا تم شيء بدا نقصه . فقال له : صدقت ، فكانت هذه الآية نعي رسول الله صلى الله عليه وسلم " روي عن عمر بن الخطاب أن رجلاً يهودياً قال له : يا أمير المؤمنين آية في كتابكم لو علينا معشر اليهود نزلت لاتخذنا ذلك اليوم عيداً ، فقال له : أي آية ؟ قال : { ٱلْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ } الآية ، فقال عمر : قد عرفنا ذلك اليوم والمكان الذي أنزلت فيه على رسول الله صلى الله عليه وسلم وهو قائم بعرفة يوم الجمعة بعد العصر 1 هـ . وقد تضمن جواب عمر أنهم جعلوا صبيحتها عيداً . قوله : ( بإكماله ) أي الدين ، والأحسن أن يراد بإتمام النعمة ما هو أعم . قوله : { وَرَضِيتُ } هذه الجملة مستأنفة لبيان الحال ، وليس معطوفة على أكملت ، لأنه يقتضي أنه لم يرض الإسلام ديناً إلا اليوم ، ولم يرضه قبل ذلك ، وليس كذلك ، لأن الإسلام لم يرض مرضياً لله وللنبي وأصحابه منذ أرسله ، ورضي متعد لواحد ، الإسلام مفعوله وديناً تمييز . قوله : { فَمَنِ ٱضْطُرَّ } مفرع على حرمت عليكم الميتة ، فقوله اليوم : { يَئِسَ ٱلَّذِينَ كَفَرُواْ مِن دِينِكُمْ } إلى قوله : { دِيناً } معترض بينهما لبيان أن الإسلام حنيفية سمحاء لا صعوبة فيه كالأديان المتقدمة ، ومن اسم شرط ، واضطر فعل الشرط ، وجوابه محذوف تقديره فلا إثم عليه ، وقد صرح به في آية البقرة . قوله : ( إلى أي شيء ) أي بقدر الضرورة وسد الرمق ، وبذلك قال الشافعي ، وقال مالك : يأكل المضطر من الميتة ويشبع ويتزود ، فإن استغنى عنها طرحها وقدم مال الغير على الميتة ، عند مالك إن لم يخف الضرر وقدم المختلف فيه على المتفق على حرمته . قوله : { غَيْرَ مُتَجَانِفٍ لإِثْمٍ } أي بأن كان اضطراره ناشئاً عن إثمه ، فلا يجوز له الأكل ، هكذا حمل الآية مالك ، وقال الشافعي غير متجانف لإثم ، بأن كان عاصياً بسفره كالآبق وقاطع الطريق ، فقول المفسر كقاطع الطريق والباغي أي المسافرين . وأما الحاضرون فيباح لهم أكل الميتة ، وأما عند مالك فلا فرق بين العاصي بالسفر والطائع به فإنهما كالحاضر ، فيأكلان منها إذا اضطرا ، حيث لم يكن إصراره على المعصية موقعاً له في الاضطرار .