Back to subchapter overview
Subchapter (Sura: 5, Ayat: 80-82)
Tafsir: Ḥāšīyat aṣ-Ṣāwī ʿalā tafsīr al-Ǧalālayn
The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com
قوله : { تَرَىٰ } أي تبصر وقوله : { كَثِيراً مِّنْهُمْ } أي أهل الكتاب . قوله : { يَتَوَلَّوْنَ ٱلَّذِينَ كَفَرُواْ } أي يوالونهم ويصادقونهم . قوله : ( بغضاً لك ) مفعول لأجله أي من أجل بغضك . قوله : { لَبِئْسَ مَا قَدَّمَتْ } اللام موطئة للقسم وبئس كلمة ذم وما فاعل قدمت صلته ، والعائد محذوف أي قدمته ، وأنفسهم فاعل قدمت ، وقوله : { أَن سَخِطَ ٱللَّهُ عَلَيْهِمْ } هو المخصوص بالذم ، لكن على حذف مضاف تقديره موجب أن سخط الله ، والمعنى أن ما قدمت لهم أنفسهم من الضلال تسبب عن سخط الله ، وتسبب عن سخط الله الخلود في النار . قوله : ( من العمل ) بيان لما . قوله : { وَفِي ٱلْعَذَابِ هُمْ خَالِدُونَ } هذه الجملة معطوفة على جملة أن سخط الله عليهم ، فهي من جملة المخصوص بالذم ، فالمعنى موجب سخط الله والخلود في النار . قوله : { وَمَا أُنْزِلَ إِلَيْهِ } أي وهو القرآن ، قوله : { مَا اتَّخَذُوهُمْ أَوْلِيَآءَ } أي أنصاراً يوالونهم وقد فعلوا ذلك ، فكانوا يأخذون الهدايا لكفار مكة ويصادقونهم ويتوددون إليهم خوفاً من زوال عزهم ورياستهم . قوله : { لَتَجِدَنَّ أَشَدَّ ٱلنَّاسِ عَدَاوَةً } كلام مستأنف سيق للتقبيح على اليهود والتشنيع عليهم ، واللام موطئة لقسم محذوف ، وأشد مفعول أول لتجدن ، وعداوة منصوب على التمييز ، و { لِّلَّذِينَ آمَنُواْ } متعلق بعداوة أو بمحذوف صفة لعداوة ، واليهود مفعول ثان هكذا أعربوا ، والأقرب أن أشد مفعول ثان مقدم ، واليهود مفعول أول مؤخر . قوله : { وَٱلَّذِينَ أَشْرَكُواْ } معطوف على اليهود . وقوله : ( لتضاعف كفرهم ) علة لقوله أشد . وقوله : ( وجهلهم ) أي وتضاعف جهلهم . قوله : ( وانهاكهم في اتباع الهوى ) عطف على تضاعف عطف علة على معلول ، والعزى بالقصر ما نهواه النفس وتميل إليه . قوله : { وَلَتَجِدَنَّ أَقْرَبَهُمْ } يقال في إعرابه ما قيل في الذي قبله من أن أقرب مفعول ثان ، والذين قالوا مفعول أول ، ومودة تمييز ، وللذين صفة للمودة أو متعلق به . قوله : { لِّلَّذِينَ آمَنُواْ ٱلَّذِينَ قَالُوۤاْ إِنَّا نَصَارَىٰ } أي أنصار دين الله . إن قلت : مقتضى الآية مدح النصارى وذم اليهود ، مع أن كفر النصارى أشد لأنهم ينازعون في الربوبية واليهود أخف منهم لأنهم ينازعون في النبوة ، أجيب بأن مدح النصارى من جهة قرب مودتهم للمسلمين ، وذم اليهود من حيث إنهم أشد عداوة للمسلمين ، وذلك لا يقتضي شدة الكفر ولا عدمها ، وأيضاً الحرص في اليهود دون النصارى ، أنه حرام . قوله : { ذٰلِكَ } اسم الإشارة مبتدأ ، وإن { بِأَنَّ مِنْهُمْ } خبر ، و { قِسِّيسِينَ } اسم إن ، ومنهم متعلق بمحذوف خبر إن { وَرُهْبَاناً } معطوف على قسيسين وقوله : { وَأَنَّهُمْ لاَ يَسْتَكْبِرُونَ } معطوف على قسيسين . قوله : ( أي قرب مودتهم ) أشار بذلك إلى مرجع اسم الإشارة . قوله : ( بسبب ) أشار بذلك إلى أن الباء سببية . قوله : { قِسِّيسِينَ } جمع قسيس من يقيس الشيء إذا تتبعه ، يقال في قس الأثر وقصه فهو أعجمي معرب ، ويقال قس ، وقس بفتح القاف وكسرها وهو عالم النصارى . قوله : { وَرُهْبَاناً } جمع راهب وهو الزاهد التارك للدنيا وشهواتها . قوله : ( نزلت في وفد النجاشي ) أي واسمه أصحمة وقيل صحمة . وحاصل ذلك : أنه سنة خمس من البعثة ، اشتد أذى الكفار لرسول الله صلى الله عليه وسلم ولمن أسلم ، ولم يكن أمر بجهاد ، فأمر الصحابة الذين لا غزوة لهم بالخروج إلى أرض الحبشة ، وهي الهجرة الأولى ، وقال إن بها ملكاً صالحاً لا يظلم عنده أحد ، فأخرجوا إليه حتى يجعل الله للمسلمين فرجاً ، فخرج إليها أحد عشر رجلاً وأربع نسوة سراً ، منهم عثمان بن عفان وزوجته رقية بنت رسول الله صلى الله عليه وسلم فخرجوا إلى البحر ، وأخذوا سفينة بنصف دينار إلى أرض الحبشة ، وذلك في رجب ، ثم تتابع المسلمون فكانوا اثنين وثمانين رجلاً سوى النساء والصبيان ، فلما كانت وقعة بدر وقتل فيها صناديد الكفار ، قال كفار قريش : إن ثأركم بأرض الحبشة فأهدوا إلى النجاشي ، وابعثوا إليه رجلين من ذوي رأيكم لعله يعطيكم من عنده لتقتلوهم بمن قتل منكم ببدر ، فبعث كفار قريش وأحلامهم وزعم أنه نبي ، وأنه قد بعث إليك برهط من أصحابه ليفسدوا عليك قومك ، فأحببنا أن نأتيك ونخبرك خبرهم ، وإن قومنا يسألونك أن تردهم إليهم ، فقال : حتى نسألهم ، فأمر بهم فأحضروا ، فلما أتوا باب النجاشي قالوا يستأذن أولياء فقال : ائذنوا لهم فمرحباً بأولياء الله ، فلما دخلوا عليه سلموا ، فقال الرهط من المشركين أيها الملك ألا ترى أنا صدقناك إنهم لم يحيوك بتحيتك التي تحيا بها ، فقال لهم الملك : ما منعكم أن تحيوني ؟ قالوا : إنا حييناك بتحية أهل الجنة وتحية الملائكة ، فقال لهم النجاشي : ما يقول صاحلكم في عيسى وأمه ؟ فقال جعفر بن أبي طالب : يقول هو عبد الله ورسوله وكلمة الله وروح منه ألقاها إلى مريم العذراء ، ويقول في مريم إنها العذراء البتول ، قال فأخذ النجاشي عوداً من الأرض وقال : والله ما زاد صاحبكم على ما قال عيسى قدر هذا العود فكره المشركون قوله وتغيرت وجوههم ، فقال : هل تعرفون شيئاً مما أنزل على صاحبكم ؟ قالوا نعم ، قال : اقرؤوا فقرأ جعفر سورة مريم ، وهناك قسيسون ورهبانيون وسائر النصارى ، فعرفوا ما قرأ فانحدرت دموعهم مما عرفوا من الحق ، فأنزل الله تعالى فيهم { ذٰلِكَ بِأَنَّ مِنْهُمْ قِسِّيسِينَ } الخ الآيتين ، فقال النجاشي لجعفر وأصحابه : اذهبوا فأنتم بأرضي آمنون ، وفي بعض الروايات أن عمراً أسلم على يد النجاشي . وبذلك يلغز فيقال صحابي أسلم على يد تابعي ، لأن النجاشي لم يجتمع برسول الله صلى الله عليه وسلم وعمرو اجتمع به بعد مقدمه من الحبشة ، وأقام المسلمون عند النجاشي بخير دار وخير جوار ، إلى أن هاجر رسول الله إلى المدينة وعلا أمره وقهر أعداءه ، وذلك سنة ست من الهجرة ، وكتب رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى النجاشي على يد عمرو بن أمية الضمري أن يزوجه أم حبيبة بنت أبي سفيان وكانت هاجرت مع زوجها ومات عنها ، فأرسل النجاشي جارية يقال لها أبرهة إلى أم حبيبة يخبرها أن رسول الله قد خطبها فسرت بذلك وأعطت الجارية أوضاحاً كانت لها ، وأذنت لخالد بن سعيد في نكاحها فأنكحها لرسول الله على صداق مبلغه أربعمائة دينار ، وكان الخاطب لرسول الله النجاشي ، فأرسل إليها بجميع الصداق على يد جاريته أبرهة ، فلما جاءتها بالدنانير وهبتها منها خمسين ديناراً فلم تأخذها وقالت إن الملك أمرني أن لا آخذ منك شيئاً ، وقالت أنا صاحبة ذهب الملك وثيابه ، وقد صدَّقت بمحمد وآمنت به ، وحاجتي إليك مني أن لا تقرئيه مني السلام ، قالت : نعم ، وقد أمر الملك نساءه أن يبعثن إليك بما عندهن من دهن وعود ، وكان رسول الله صلى الله عليه وسلم يحاصر خيبر ، قالت أم حبيبة : فخرجنا إلى المدينة ورسول الله بخيبر ، فخرج من قدم معي وأقمت بالمدينة حتى قدم رسول الله فدخلت عليه ، فكان يسألني عن النجاشي فقرأت عليه السلام من أبرهة جارية الملك ، فرد رسول الله عليها السلام ، وأنزل الله { عَسَى ٱللَّهُ أَن يَجْعَلَ بَيْنَكُمْ وَبَيْنَ ٱلَّذِينَ عَادَيْتُم مِّنْهُم مَّوَدَّةً } [ الممتحنة : 7 ] يعني أبا سفيان وذلك بتزوج رسول الله أم حبيبة ولما بلغ أبا سفيان تزوج رسول الله بأم حبيبة قال : ذلك الفحل لا يجدع أنفه ، وبعث النجاشي بعد خروج جعفر وأصحابه إلى رسول الله ابنه أزهى في ستين من أصحابه وكتب إليه : يا رسول الله ، إني أشهد أنك رسول الله صادقاً مصدقاً ، وقد بايعتك وبايعت ابن عمك جعفراً وأسلمت لله رب العالمين ، وقد بعثت إليك ابني أزهى ، وإن شئت أن آتيك بنفس فعلت ، والسلام عليك يا رسول الله ، فركبوا في سفينة أثر جعفر . حتى إذا كانوا في وسط البحر غرقوا ، ووافى جعفر وأصحابه رسول الله وهو بخيبر ، ووافى جعفر في سبعين رجلاً ، عليهم الثياب الصوف ، منهم اثنان وستون رجلاً من الحبشة وثمانية من الشام ، فقرأ عليهم رسول الله سورة يس إلى آخرها ، فبكى القوم حين سمعوا القرآن وآمنوا وقالوا : ما أشبه هذا بما كان ينزل على عيسى عليه السلام ، فأنزل الله هذه الآية فيهم ، ولذلك قال قتادة : نزلت في ناس من أهل الكتاب كانوا على شريعة من الحق مما جاء بها عيسى عليه السلام ، فلما بعث صلى الله عليه وسلم آمنوا به وصدقوه فأثنى الله عليهم .