Back to subchapter overview

Subchapter (Sura: 53, Ayat: 12-17)

Tafsir: Ḥāšīyat aṣ-Ṣāwī ʿalā tafsīr al-Ǧalālayn

The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com

قوله : { أَفَتُمَارُونَهُ } بضم التاء وبالألف بعد الميم من ماراه جادله وغالبه ، أو بفتح التاء وسكون الميم من غير ألف من مريته حقه إذا علمته وجحدته إياه ، قراءتان سبعيتان . قوله : { عَلَىٰ مَا يَرَىٰ } أي على ما رآه وهو جبريل على كلام المفسر ، وذات الله تعالى على كلام غيره ، وعبر بالمضارع استحضاراً للحالة البعيدة في ذهن المخاطبين . قوله : { وَلَقَدْ رَآهُ } اللام للقسم ، وقوله : ( مرة ) أشار بذلك إلى أن { نَزْلَةً } منصوب على الظرفية . قوله : { عِندَ سِدْرَةِ ٱلْمُنتَهَىٰ } سميت بذلك ، إما لأنه ينتهي إليها ما يهبط من فوقها وما يصعد من تحتها ، أو لأنه ينتهي علم الأنبياء إليها ، ويعزب علمهم عما وراءها ، أو لأن الأعمال تنتهي إليها وتقبض منها ، أو لانتهاء الملائكة إليها ووقوفهم عندها ، أو لأنه ينتهي إليها أرواح الشهداء ، أو لأنه ينتهي إليها أرواح المؤمنين ، أو لأنه ينتهي إليها من كان على سنة رسول الله أقوال ، وإضافة سدرة المنتهى ، إما من إضافة الشيء إلى مكانه ، والتقدير عند سدرة عندها منتهى العلوم ، أو من إضافة الملك إلى المالك ، على حذف الجار والمجرور ، أي سدرة المنتهى إليه ، وهو الله عز وجل ، قال تعالى : { وَأَنَّ إِلَىٰ رَبِّكَ ٱلْمُنتَهَىٰ } [ النجم : 42 ] . قوله : ( لما أسري به ) أي وكان قبل الهجرة بسنة وأربعة أشهر ، وقيل : كان قبلها بثلاث سنين ، والرؤية الأولى كانت في بدء البعثة ، فبين الرؤيتين نحو عشر سنين . قوله : ( وهي شجرة نبق ) أي وفيها الحل والحلل والثمار من جميع الألوان ، لو وضعت ورقة منها في الأرض لأضاءت لأهلها . قيل : هي شجرة طوبى ، والصحيح أنها غيرها ، والنبق بكسر الياء وسكونها ، واختيرت السدرة لهذا الأمر دون غيرها من الشجر ، لما قيل : إن السدرة تختص بثلاثة أوصاف : ظل مديد ، وطعام لذيذ ، ورائحة ذكية ، فشابهت الإيمان الذي يجمع قولاً وعملاً ونية ، فظللها من الإيمان بمنزلة العمل لتجاوزه ، وطعمها بمنزلة النية لكمونه ، ورائحتها بمنزلة القول لظهوره ، قيل : إن سدرة المنتهى قالت للنبي صلى الله عليه وسلم : استوص بإخواني في الأرض خيراً ، فقال صلى الله عليه وسلم : " من قطع سدرة صوب الله رأسه في النار " واستشكل هذا الحديث بأنه يقتضي أن قطع السدر حرام لحاجة ولغير حاجة ، مع أنه خلاف المنصوص ، وأجيب بأنه سئل أبو داود عن هذا الحديث فقال : هو مختصر وحاصله : " من قطع سدرة في فلاة يستظل بها ابن السبيل والبهائم عبثاً وظلماً بغير حق يكون له فيها ، صوب الله رأسه في النار " وبعد ذلك فهذا لا يخص السدر . قوله : { عِندَهَا جَنَّةُ ٱلْمَأْوَىٰ } حال من { سِدْرَةِ ٱلْمُنتَهَىٰ } . قوله : ( تأوي إليها الملائكة ) الخ ، وقيل : هي الجنة التي أوي إليها آدم عليه السلام إلى أن أخرج منها ، وقيل : لأن جبريل وميكائيل يأويان إليها ، فهذا وجه تسميتها جنة المأوى ، أو لأن أهل السعادة يأوون إليها . قوله : { مَا يَغْشَىٰ } أبهم الموصول وصلته إشارة إلى أن ما غشيها لا يحيط به إلا الله تعالى . قوله : ( من طير وغيره ) ورد عنه صلى الله عليه وسلم أنه قال : " رأيت السدرة يغشاها فراش من ذهب ، ورأيت على كل ورقة ملكاً قائماً يسبح الله تعالى " وورد أنه عليه الصلاة والسلام قال : " ذهب بي جبريل إلى سدرة المنتهى ، وإذا ورقها كآذان الفيلة ، وإذا ثمرها كقلال هجر ، فلما غشيها من أمر الله تعالى ما غشيها تغيرت ، فما أحد من خلق الله تعالى يقدر أن ينعتها من حسنها ، فأوحى إلي ما أوحى ، ففرض علي خسمين صلاة في كل يوم وليلة " وقيل : يغشاها أنوار التجلي وقت مشاهدة النبي صلى الله عليه وسلم لربه ، كما تجلى على الجبل عند مكالمة موسى ، لكن السدرة أقوى من الجبل ، فالجبل صار دكاً ، وخر موسى صعقاً ، ولم تتحرك السدرة ، ولم يتزلزل محمد صلى الله عليه وسلم . قوله : { مَا زَاغَ ٱلْبَصَرُ } أي ما يلتفت إلى ما غشى السدرة من العجائب المتقدمة ، لأن الزيغ هو الالتفات لغير الجهة التي تعنيه . قوله : { وَمَا طَغَىٰ } الطغيان مجاوزة الحد اللائق كما أفاده المفسر ، فوصف صلى الله عليه وسلم بكمال الثبات والأدب ، مع غرابة ما هو فيه إذ ذاك ، وسبق تنزيه علمه من الضلال ، وعمله عن الغواية ، ونطقه عن الهوى ، وفؤاده عن التكذيب ، وهنا تنزه بصره عن الزيغ والطغيان مع تأكيد ذلك وتحقيقه بالأقسام ، وناهيك بذلك عن رب العزة جل جلاله ثناء .