Back to subchapter overview

Subchapter (Sura: 57, Ayat: 27-27)

Tafsir: Ḥāšīyat aṣ-Ṣāwī ʿalā tafsīr al-Ǧalālayn

The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com

قوله : { ثُمَّ قَفَّيْنَا عَلَىٰ آثَارِهِم } الضمير عائد على نوح وابراهيم ، ومن عاصرهما من الرسل ، وليس عائداً على الذرية ، فإن الرسل المقفى بهم من جملة الذرية ، والمعنى : ثم أتبعنا رسولاً بعد رسول ، حتى انتهينا إلى عيسى عليه السلام . قوله : { وَقَفَّيْنَا بِعِيسَى } أي جعلناه تابعاً لهم ومتأخراً عنهم في الزمان ، وخصه بالذكر للرد على اليهود المنكرين لنبوته ورسالته . قوله : { وَجَعَلْنَا فِي قُلُوبِ ٱلَّذِينَ ٱتَّبَعُوهُ } أي من الحواريين وغيرهم . قوله : { رَأْفَةً وَرَحْمَةً } أي شدة لين وشفقة . قوله : { وَرَهْبَانِيَّةً } يصح أن يكون بالنصب عطفاً على { رَأْفَةً } وجملة { ٱبتَدَعُوهَا } صفة لرهبانية ، وجعل إما بمعنى خلق أو صير ، وذلك لأن الرأفة والرحمة أمر عزيز ، لا تكسب للإنسان فيه ، بخلاف الرهبانية فإنها من أفعال البدن ، وللإنسان فيها تكسب ، ويصح أن تكون منصوبة بفعل مقدر يفسره الظاهر ، فهو من باب الاشتغال . قوله : ( هي رفض النساء ) الخ ، أي المبالغة في العبادة والرياضة والانقطاع عن الناس ، والتقشف في المأكل والملبس والمشرب مع التقليل من ذلك ، روي عن ابن عباس قال : كانت ملوك بعد عيسى عليه السلام بدلوا التوراة والإنجيل ، وكان فيهم جماعة مؤمنين ، يقرأون التوراة والإنجيل ويدعونهم إلى دين الله ، فقيل لملوكهم : لو جمعتم هؤلاء الذين شقوا عليكم فقتلتموهم ، أو دخلوا فيما نحن فيه ، فجمعهم ملكهم وعرض عليهم القتل ، أو يتركون قراءة التوراة والإنجيل إلا ما بدلوا منها ، فقالوا : ما تريدون منا إلا ذلك ، دعونا نحن نكفيكم أنفسنا ، فقالت طائفة منهم : ابنوا لنا اسطوانة ثم ارفعونا فيها ، ثم اعطونا شيئاً نرفع به طعامنا وشرابنا ، فلا نرد عليكم ، طائفة قالت : دعونا نسيح في الأرض ونهيم ونشرب كما يشرب الوحش فإن قدرتم علينا في أرضكم فاقتلونا ، وقالت طائفة : ابنوا لنا دوراً في الفيافي ، ونحتفر الآبار ، ونحترث البقول ، ولا نرد عليكم ، ولا نمر بكم ، وليس أحد من القبائل إلا وله حميم فيهم ، قال ففعلوا ذلك ، فمضى أولئك على منهاج عيسى ، وخلف قوم من بعدهم ممن غيروا الكتاب ، فجعل الرجل يقول : نكون في مكان فلان نتعبد فيه كما تعبد فلان ، ونسيح كما ساح فلان ، ونتخذ دوراً كما اتخذ فلان ؛ وهم على شركهم ، لا علم لهم بإيمان الذين اقتدوا بهم ، فذلك قوله تعالى : { وَرَهْبَانِيَّةً ٱبتَدَعُوهَا } أي ابتدعها الصالحون ، فما رعوها حق رعايتها ، يعني الآخرين الذين جاؤوا من بعدهم { فَآتَيْنَا ٱلَّذِينَ آمَنُواْ مِنْهُمْ أَجْرَهُمْ } يعني الذين ابتدعوها ، ابتغاء رضوان الله { وَكَثِيرٌ مِّنْهُمْ فَاسِقُونَ } هم الذين جاؤوا من بعدهم ، فلما بعث النبي صلى الله عليه وسلم ولم يبقَ منهم إلا القليل ، انحط رجل من صومعته ، وجاء سائح من سياحته ، وصاحب دير من ديره ، فآمنوا به وصدقوه ، فقال تعالى منهم : { يٰأَيُّهَا ٱلَّذِينَ ءَامَنُواْ ٱتَّقُواْ ٱللَّهَ } الخ ، انتهى . قوله : { إِلاَّ } ( لكن ) أشار المفسر إلى أن الاستثناء منقطع وإلى هذا ذهب جماعة ، وقيل : إن الاستثناء من عموم الأحوال ، والمعنى : ما كتبناها عليهم لشيء من الأشياء ، إلا لابتغاء مرضاة الله ، ويكون كتب بمعنى قضى . قوله : { فَمَا رَعَوْهَا حَقَّ رِعَايَتِهَا } أي ما قاموا بها حق القيام ، بل غلوا في دينهم غير الحق ، وقالوا بالتثليث ، وكفروا بدين عيسى من قبل ظهور محمد . قوله : { فَآتَيْنَا ٱلَّذِينَ آمَنُواْ } ( به ) أي بنبينا ، وقوله : { وَكَثِيرٌ مِّنْهُمْ } أي من هؤلاء الذين ابتدعوها وضيعوها . قوله : { فَاسِقُونَ } أي لم يؤمنوا بنبينا ، بل داموا على الكفر ، والقول بالتثليث ، واقتدى بهم أمة من بعد أمة ، إلى أن نزول عيسى عليه السلام فيمحوه ، وما مشى عليه المفسر خلاف ما تفيده رواية ابن عباس المتقدمة ، فإن متقتضاها حمل قوله : { فَآتَيْنَا ٱلَّذِينَ آمَنُواْ } على من آمن بعيسى ، وقوله : { وَكَثِيرٌ مِّنْهُمْ فَاسِقُونَ } على من غير وبدل قيل بعثة نبينا ، وهم الذين لم يرعوها حق رعايتها فتدبر .