Back to subchapter overview
Subchapter (Sura: 59, Ayat: 9-10)
Tafsir: Ḥāšīyat aṣ-Ṣāwī ʿalā tafsīr al-Ǧalālayn
The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com
قوله : { وَٱلَّذِينَ تَبَوَّءُوا ٱلدَّارَ } الخ ، شروع في الثناء على الأنصار ، إثر بيان الثناء على المهاجرين ، والموصول إما معطوف على الفقراء فيكون من عطف المفردات ، وقوله : وَ { يُحِبُّونَ } الخ ، حال أو مبتدأ ، وجملة { يُحِبُّونَ } خبره . قوله : ( أي المدينة ) أي اتخذوا منزلاً بإسلامهم من قبل قدوم النبي صلى الله عليه وسلم بسنتين ، فعصموها وحفظوها بالإسلام ، فكأنهم استحدثوا بناءها . قوله : ( أي القوة ) أشار بذلك إلى أن قوله : { وَٱلإِيمَانَ } معمول لمحذوف ويكون من عطف الجمل ، إذ لا معنى لتبوؤا الإيمان ، وهذا أحد الوجوه الجارية في قوله : علفتها تبناً وماء بارداً ، أو ضمن { تَبَوَّءُوا } معنى لزموا . والمعنى : لزموا الدار والإيمان ، أو شبه تمكنهم في الإيمان باتخاذه منزلاً ، ففيه جمع بين الحقيقة والمجاز . قوله : { وَلاَ يَجِدُونَ فِي صُدُورِهِمْ } أي نفوسهم . قوله : ( حسداً ) أي ولا غيظاً ولا حزازة ، فالمراد بالحاجة هذه المعاني ، روي " أن المهاجرين كانوا في دور الأنصار ، فلما غنم صلى الله عليه وسلم أموال بني النضير ، دعا الأنصار وشكرهم فيما صنعوا مع المهاجرين ، من إنزالهم إياهم منازلهم ، وإشراكهم إياهم في الأموال ، ثم قال صلى الله عليه وسلم : إن أحببتم قسمت ما أفاء الله علي من بني النضير بينكم وبينهم ، وكان المهاجرون على ما هم عليه من السكنى في مساكنكم وأموالكم ، وإن أحببتم أعطيتهم وخرجوا من دياركم ، فقال سعد بن عبادة وسعد بن معاذ : بل تقسمه بين المهاجرين ، ويكونون في دورنا كما كانوا ، فقال صلى الله عليه وسلم : " اللهم ارحم الأنصار وأبناء الأنصار " وأعطى رسول الله صلى الله عليه وسلم المهاجرين ولم يعط الأنصار إلا الثلاثة المتقدم ذكرهم . قوله : ( أي أتى النبي ) بيان للفاعل المحذوف ، وقوله : ( المهاجرين ) بيان للمفعول القائم مقام الفاعل ، وقوله : ( من أموال بني النضير ) بيان لما . قوله : { وَيُؤْثِرُونَ عَلَىٰ أَنفُسِهِمْ } أي في كل شيء من أسباب المعاش ، حتى إن من كان عنده امرأتان ، كان ينزل عن احداهما ، ويزوجها واحداً من المهاجرين ، والإيثار تقديم الغير على النفس ، وحظوظها الدنيوية رغبة في الحظوظ الدينية ، وذلك ينشأ عن قوة اليقين ، وغاية المحبة والصبر على المشقة . قوله : { وَلَوْ كَانَ بِهِمْ خَصَاصَةٌ } أي يقدمون غيرهم في الأموال مع احتياجهم اليها ، وهذا الوصف لا يخص الأنصار ، فقد روي عن ابن عمر أنه قال : اهدي لرجل من أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم رأس شاة ، فقال : إن أخي فلاناً وعياله أحوج إلى هذا منا ، فبعثه اليهم ، فلم يزل يبعث به واحد إلى آخر ، حتى تداولها سبعة أبيات ، ثم عادت إلى الأول ، فنزل هذه الآية . روي أن عمر بن الخطاب رضي الله عنه أخذ أربعمائة دينار ، فجعلها في صرة ثم قال للغلام : اذهب بها إلى أبي عبيدة بن الجراح ، ثم امكث عنده في البيت حتى تنظر ما يصنع بها ، فذهب بها الغلام اليه وقال له : يقول لك أمير المؤمنين اجعل هذه في بعض حاجاتك ، فقال : وصله الله ورحمه ثم قال : تعالي يا جارية اذهبي بهذه السبعة إلى فلان ، وبهذه الخمسة إلى فلان ، حتى فقدها ، فرجع الغلام إلى عمر فأخبره ، ووجده قد ربط مثلها إلى معاذ بن جبل ، فقال : اذهب بها اليه ، وامكث في البيت ساعة حتى تنظر ما يصنع ، فذهب بها اليه وقال له : يقول لك أمير المؤمنين ، اجعل هذه في بعض حاجاتك ، فقال : رحمه الله ووصله ، وقال : يا جارية اذهبي إلى بيت فلان بكذا ، وإلى بيت فلان بكذا ، فجاءت امرأة معاذ وقالت : نحن والله مساكين فأعطنا ، ولم يبق في الخرقة إلا ديناران فرمى بهما اليها ، فرجع الغلام إلى عمر فأخبره فسر بذلك وقال : إنهم أخوة بعضهم من بعض ، ونحو عن عائشة وغيرها . قوله : { وَمَن يُوقَ شُحَّ نَفْسِهِ } { مَن } شرطية و { يُوقَ } فعل الشرط ، وقوله : { فَأُوْلَـٰئِكَ } الخ جزاؤه ، وهو كلام عام قصد به التنبيه على ذم الشح ، وفي قوله : { يُوقَ } إشارة إلى أن الشح أمر غريزي في الإنسان ، لا ينجو منه الشخص إلا بمعونة الله تعالى ، مع مجاهدة النفس ومكابدتها . قوله : ( حرصها على المال ) فيه إشارة إلى الفرق بين البخل والشح ، فالبخل منع الأموال ، والشح صفة راسخة يصعب معها على الرجل تأتي المعروف وتعاطي مكارم الأخلاق ، قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : " لا يجتمع الشح والإيمان في قلب عبد أبداً " . وقال ابن عمر : ليس الشح أن يمنع الرجل ماله ، إنما الشح أن تطمح عين الرجل فيما ليس له . وقال بعضهم : من لم يأخذ شيئاً نهاه الله عن أخذه ، ولم يمنع شيئاً أمر الله بإعطائه ، فقد وقاه الله شح نفسه . قوله : { وَٱلَّذِينَ جَآءُوا } إما معطوف على الفقراء ، وقوله : { يَقُولُونَ } حال أو مبتدأ ، وجملة { يَقُولُونَ } خبره . قوله : ( من بعد المهاجرين والأنصار ) أي من بعد هجرة المهاجرين وإيمان الأنصار . قوله : ( إلى يوم القيامة ) أي فالعبدية تشمل التابعين وأتباعهم إلى آخر الزمان . قوله : { ٱلَّذِينَ سَبَقُونَا بِٱلإِيمَانِ } أي بالموت عليه ، فينبغي لكل واحد من القائلين لهذا القول ، أن يقصد بمن سبقه من انتقل قبله ، من زمنه إلى عصر النبي صلى الله عليه وسلم ، فيدخل جميع من تقدمه من المسلمين ، لا خصوص المهاجرين والأنصار . قوله : ( حقداً ) هو الانطواء على العداوة والبغضاء . قوله : { رَءُوفٌ } بقصر الهمزة ومدها بحيث يتولد منها ، وقراءتان سبعيتان .