Back to subchapter overview
Subchapter (Sura: 6, Ayat: 125-126)
Tafsir: Ḥāšīyat aṣ-Ṣāwī ʿalā tafsīr al-Ǧalālayn
The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com
قوله : { فَمَن يُرِدِ ٱللَّهُ أَن يَهْدِيَهُ يَشْرَحْ صَدْرَهُ } اعلم أن الله سبحانه وتعالى جعل خلقه في الأزل قسمين : شقي وسعيد ، وجعل لكل أمة علامة تدل عليه ، فعلامة السعادة شرح الصدر للإسلام ، وقبوله لما يرد عليه من النور والأحكام ، وعلامة الشقاوة ضيق الصدر ، وعلامة قبوله لذلك ، وجعل لكل قسم في الآخرة دار يسكنونها ، فلأهل السعادة الجنة ونعيمها ، ولأهل الشقاوة النار وعذابها ، لما في الحديث " إن الله خلق خلقاً وقال هؤلاء للجنة ولا أبالي ، وخلق خلقاً وقال هؤلاء للنار ولا أبالي " فذكر في هذه الآية علامة كل قسم ، فإذا رزق الله العبد شرح الصدر وأسكنه حلاوة الإيمان ، فليعلم أن الله أعظم عليه النعمة . وبضدها تتميز الأشياء . ومن اسم شرط ، ويرد فعل الشرط ، ويشرح جوابه . قوله : { يَهْدِيَهُ } أي يوصله للمقصود ، وليس المراد الدلالة لأنها هي شرح الصدر . قوله : { يَشْرَحْ صَدْرَهُ } الشرح في الأصل التوسيع ، والمراد هنا لازمه ، وهو أن يقذف الله في قلب الشخص النور ، حتى تكون أحواله مرضية لله ، لأنه يلزم من الوسع قبول ما يحل فيه . قوله : ( كما ورد في حديث ) أي وهو أنه لما نزلت هذه الآية ، " سئل رسول الله صلى الله عليه وسلم عن شرح الصدر فقال : هو نور يقذفه الله في قلب المؤمن ، فينشرح له وينفتح ، قيل فهو لذلك أمارة ؟ قال نعم الإنابة إلى دار الخلود ، والتجافي عن دار الغرور ، والاستعداد للموت قبل نزول الموت ، وفي رواية قبل لقى الموت " . قوله : { وَمَن يُرِدْ أَن يُضِلَّهُ } أي يمنعه عن الوصول ، ويسكنه دار العقاب ، ويطرده عن رحمته ومن اسم شرط ، ويرد فعل الشرط ، ويجعل جوابه ، وجعل بمعنى صير ، فصدره مفعول أول ، وضيقاً مفعول ثان ، وحرجاً صفته . والمعنى : أن من أراد الله شقاوته ، وطرده عن رحمته ، ضيق قلبه ، فلا يقبل شيئاً من أصول الإسلام ولا من فروعه ، ولو قطع إرباً إرباً ، وعلامة ذلك إذا ذكر التوحيد نفر قلبه واشمأز ، وإن نطق بلسانه كأهل النفاق ، قال تعالى : { وَإِذَا ذُكِرَ ٱللَّهُ وَحْدَهُ ٱشْمَأَزَّتْ قُلُوبُ ٱلَّذِينَ لاَ يُؤْمِنُونَ بِٱلآخِرَةِ } [ الزمر : 45 ] الآية . قوله : ( بالتخفيف والتشديد ) أي كميت وميت قراءتان سبعيتان . قوله : ( شديد الضيق ) أي زائدة ، فلا يقبل شيئاً من الهدى أصلاً . قوله : ( بكسر الراء صفة ) أي اسم فاعل كفرح فهو فرح . قوله : ( وصف به مبالغة ) أي أو على حذف مضاف ، أي إذا حرج على حد زيد عدل . قوله : { كَأَنَّمَا يَصَّعَّدُ } أي يتكلف الصعود فلا يستطيعه . قوله : ( وفيهما إدغام التاء في الأصل ) أي بعد قلبها صاداً فأصل الأولى يتصعد ، وأصل الثانية يتصاعد ، وهاتان القراءتان مع تشديد ضيقاً ، وكسر راء حرجاً أو فتحها . وأما قوله : ( وفي أخرى بسكونها ) فهي قراءة من خفف ضيقاً ويفتح حرجاً فالمخفف للمخفف ، والمشدد للمشددة . قوله : ( لشدته عليه ) أي لتعسر الإيمان عليه ، فإن القلب بيد الله يسكن فيه أي الأمرين شاء ، وليس مملوكاً لصاحبه ، وحينئذ فلا ينبغي له أن يأمن لما هو في قلبه من الإيمان ومحبة الله ورسوله ، ومن هنا علمنا الله طلب الهداية على سبيل الدوام مع كونها حاصلة بقوله : { ٱهْدِنَا ٱلصِّرَاطَ ٱلْمُسْتَقِيمَ } [ الفاتحة : 6 ] وبقوله : { رَبَّنَا لاَ تُزِغْ قُلُوبَنَا بَعْدَ إِذْ هَدَيْتَنَا } [ آل عمران : 8 ] الآية ، وقال رسول الله صلى الله عليه وسلم : " اللهم يا مقلب القلوب والأبصار ثبت قلبي على دينك " ولذا خاف العارفون ولم يسكنوا إلى علم ولا عمل ، لما علموا أن القلوب بيد الله يقلبها كيف يشاء ، ولا يأمنون حتى تقبض أرواحهم على الإيمان ، ولكن شأن الكريم ، أن من تمم له نعمة الإيمان لا يسلبها منه ، لأنه وعد منه وهو لا يخلف . قوله : ( أي يسلطه ) أي الشيطان وهو تفسير للجعل على التفسير الثاني ، وأما تفسيره على الأول فمعناه يلقى ويصيب . قوله : ( الذي أنت عليه ) أي وهو الإسلام . قوله : { صِرَاطُ رَبِّكَ } شبه دين الإسلام بالصراط المستقيم لا اعوجاج فيه ، واستعار اسم المشبه به للمشبه على طريق الاستعارة التصريحية الأصلية . قوله : ( ونصبه على الحال المؤكدة للجملة ) المناسب أن يقول المؤكد لصراط ، لأن الحال المؤكدة للجملة عاملها مضمر ، قال ابن مالك : @ وإن تؤكد جملة فمضمر عاملها ولفظها يؤخر @@ فينافيه قوله : ( والعامل فيها معنى الإشارة ) . قوله : ( معنى الإشارة ) المناسب أن يقول : والعامل فيها اسم الإشارة ، باعتبار ما فيه من معنى الفعل وهو أسير . قوله : ( فيه إدغام التاء في الأصل ) أي بعد قلبها ذالاً . قوله : ( وخصوا بالذكر لأنهم المنتفعون ) أي المؤتمرون بأمره ، المنتهون بنهيه ، وهم الصالحون المتقون ، فبقاء القرآن دليل على بقاء جماعة على قدم النبي بدليل هذه الآية { ٱللَّهُ نَزَّلَ أَحْسَنَ ٱلْحَدِيثِ كِتَاباً مُّتَشَابِهاً } [ الزمر : 23 ] ولا عبرة بمن يقول عدمت الصالحون ، وربما قال أنا لم أر أحداً منهم . فقد قال ابن عطاء الله : أولياء الله عرائس مخدرة ، ولا يرى العرائس المجرمون .