Back to subchapter overview

Subchapter (Sura: 6, Ayat: 91-92)

Tafsir: Ḥāšīyat aṣ-Ṣāwī ʿalā tafsīr al-Ǧalālayn

The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com

قوله : { وَمَا قَدَرُواْ ٱللَّهَ حَقَّ قَدْرِهِ } استئناف مسوق لبيان أوصاف اليهود ، وقدر من باب نصر ، يقال قدر الشيء إذا سبره وحرزه ليعرف مقداره ، والمعنى لم يعترفوا بقدر الله ، وهذا الكلام إنما هو تنزل مع اليهود ، وإلا فالخلائق لم يعظموا الله حق تعظيمه ولم يعرفوه حق معرفته . واعلم أن هنا معنيين : الأول أن معنى وما قدروا الله حق قدره ، أي ما عرفوه المعرفة التي تليق به ، وهذه لا يصل إليها أحداً أبداً ، ففي الحديث : " سبحانك ما عرفناك حق معرفتك يا معروف لا أحصى ثنا عليك أنت كما أثنيت على نفسك " وهذا منتف في حق كل مخلوق ، فلا خصوصية لليهود ، الثاني أن معنى وما قدروا الله حق قدره ، أنهم لم يعظموه ولم يعرفوه على حسب ما أمروا به ، وهذا لم يقع من اليهود ، وإنما هو واقع من المؤمنين وهذا هو المراد هنا . قوله : { إِذْ قَالُواْ } إما ظرف لقدروا أو تعليل له . قوله : ( وقد خاصموه في القرآن ) أي كفنحاص ابن عازوراء ومالك بن الصيف ، " فقد جاء يخاصم النبي صلى الله عليه وسلم ، فقال له النبي أنشدك الله الذي أنزل التوراة على موسى ، هل تجد فيها أن الله تعالى يبغض الحبر السمين أي العالم الجسيم ، وكان مالك المذكور كذلك ، وكان فيها ما ذكر ، فقال نعم ، وكان يجب إخفاء ذلك ، لكن أقر لإقسام النبي عليه السلام ، فقال له النبي أنت حبر سمين ، فقال له النبي أنشدك الله الذي أنزل التوراة على موسى ، هل تجد فيها أن الله تعالى يبغض الحبر السمين أي العالم الجسيم ، وكان مالك المذكور كذلك ، وكان فيها ما ذكر ، فقال نعم ، وكان يجب إخفاء ذلك ، لكن أقر لإقسام النبي عليه السلام ، فقال له النبي أنت حبر سمين ، فغضب وقال ما أنزل الله على بشر من شيء ، فقال أصحابه الذين معه ويحك ولا على موسى ، فقال والله ما أنزل الله على بشر من شيء ، فلما سمعت اليهود تلك المقالة غضبوا عليه وقالوا أليس الله أنزل التوراة على موسى فلم قلت هذا ، قال أغضبني محمد فقلته ، فقالوا وأنت إذا غضبت تقول على الله غير الحق ، " فعزلوه من الحبرية وجعلوا مكانه كعب بن الأشرف . قوله : { نُوراً } حال إما من به والعامل فيها جاء ، أو من الكتاب والعامل فيه أنزل ، ومعنى نوراً بيناً في نفسه ، وهدى مبيناً لغيره ، وللناس متعلق بهدى . قوله : { تَجْعَلُونَهُ } حال ثانية ، وجعل بمعنى صير ، فالهاء مفعول أول ، وقراطيس مفعول ثان على حذف مضاف ، أي ذا قراطيس أو في قراطيس أو بولغ فيه . قوله : ( بالياء والتاء ) فعلى التاء يكون خطاباً لليهود ، وعلى الياء التفاف من الخطاب للغيبة . قوله : ( في المواضع الثلاثة ) أي يجعلون ويبدون ويخفون . قوله : ( مقطعة ) أي مفصولاً بعضها من بعض ، ليتمكنوا من إخفاء ما أرادوا إخفاءه . قوله : { وَتُخْفُونَ كَثِيراً } أي لم يظهروه ، بمعنى لم يكتبوه أصلاً أو كتبوه وأخفوه على ملوكهم وسفلتهم ، وجعلوا ذلك سراً بينهم . قوله : ( كنعت محمد ) أي وكآية الرجم ، وآية إن الله يبغض الحبر السمين . قوله : { وَعُلِّمْتُمْ } يحتمل أن الخطاب لليهود كما قال المفسر ، وتكون الجملة حالية ، والمعنى تبدونها وتخفون كثيراً . والحال أن محمداً أعلمكم في القرآن بأشياء من التوراة ، ما لم تكونوا تعلمونها أنتم ولا آباؤكم ، ويحتمل أن الخطاب لقريش ، وتكون الجملة مستأنفة معترضة بين السؤال والجواب . قوله : { قُلِ ٱللَّهُ } يحتمل أنه مبتدأ خبره محذوف تقديره أنزله ، وعليه درج المفسر وهو الأولى ، لأن السؤال جملة اسمية ، فيكون الجواب كذلك ، ويحتمل أنه فاعل يفعل محذوف تقديره أنزله الله ، وقد صرح بالفعل في قوله تعالى : { لَيَقُولُنَّ خَلَقَهُنَّ ٱلْعَزِيزُ ٱلْعَلِيمُ } [ الزخرف : 9 ] . قوله : { فِي خَوْضِهِمْ } إما متعلق بذرهم أو بيلعبون ، ومعنى يلعبون يستهزؤون ويسخرون . قوله : { وَهَـٰذَا كِتَٰبٌ } مبتدأ وخبر ، و { أَنزَلْنَٰهُ } صفة أولى ، و { مُبَارَكٌ } صفة ثانية ، و { مُّصَدِّقُ ٱلَّذِي بَيْنَ يَدَيْهِ } صفة ثالثة . قوله : ( القرآن ) لغة من القرء وهو الجمع ، واصطلاحاً اللفظ المنزل على رسول الله صلى الله عليه وسلم للإعجاز بأقصر سورة منه المتعبد بتلاوته ، وهذا رد عليهم حيث قالوا ما أنزل الله على بشر من شيء . قوله : { مُبَارَكٌ } أي كله خير لمن آمن به ، وشر على من كفر به ، ومن بركته بقاء الدنيا ، وإنبات الأرض ، وإمطار السماء ، ولذا إذا رفع القرآن تأتي ريح لينة فيموت بها كل مؤمن ويبقى الكفار ، فبقاء الخير في الأرض مدة بقاء القرآن فيها . قوله : { مُّصَدِّقُ ٱلَّذِي بَيْنَ يَدَيْهِ } أي موافق للكتب التي قبله في التوحيد والتنزيه ، والمعنى أنه دال على صدقها وأنها من عند الله . قوله : ( بالتاء والياء ) أي فهما قراءتان سبعيتان ، فعلى التاء يكون خطاباً للنبي ، وعلى الياء يكون الضمير عائد على القرآن . قوله : ( أي أنزلناه للبركة ) هذه العلة مأخوذة من الوصف بالمشتق ، لأن تعليق الحكم به يؤذن بالعلية . قوله : ( أي أهل مكة ) أشار بذلك إلى أن الكلام على حذف مضاف ، أي أهل أم القرى وهي مكة . قوله : ( وسائر الناس ) أشار بذلك إلى أنه ليس المراد بمن حولها ما قال ربها من البلاد ، بل المراد جميع البلاد ، لأن مكة وسط الدنيا ، واقتصر على الانذار لأنه هو الموجود في صدر الإسلام ، إذ ليس ثم مؤمن يبشر . قوله : { وَٱلَّذِينَ } مبتدأ ، و { يُؤْمِنُونَ } صلته ، و { بِٱلأَخِرَةِ } متعلق بيؤمنون ، وقوله : { يُؤْمِنُونَ بِهِ } خبره ، ولم يتحد المبتدأ والخبر لتغاير متعلقيهما ، والمعنى والذين يؤمنون بالآخرة إيماناً معتداً به ، محصورون في الذين يؤمن بالقرآن ، فخرجت اليهود فلا يعتد بإيمانهم بالآخرة لعدم إيمانهم بالقرآن وقوله : { وَهُمْ عَلَىٰ صَلاَتِهِمْ يُحَافِظُونَ } جملة حالية من فاعل يؤمنون ، وخص الصلاة بالذكر لأنها أشرف العبادات . قوله : ( خوفاً من عقابها ) أي الآخرة .