Back to subchapter overview

Subchapter (Sura: 82, Ayat: 6-12)

Tafsir: Ḥāšīyat aṣ-Ṣāwī ʿalā tafsīr al-Ǧalālayn

The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com

قوله : { يٰأَيُّهَا ٱلإِنسَٰنُ } ( الكافر ) هذا أحد قولين ، والآخر أن المراد بالإنسان ، ما يشمل الكافر والمؤمن المنهمك في المعاصي . قوله : { مَا غَرَّكَ بِرَبِّكَ ٱلْكَرِيمِ } { مَا } استفهامية ، والمعنى : أي شيء خدعك وجرأك على عصيان الكريم ، الذي من حقه عليك أن تمتثل أوامره وتجتنب نواهيه ؟ ولا تغتر بحلمه وكرمه . إن قلت : كونه كريماً يقتضي أنه يغتر الإنسان بكرمه لأنه جواد ، وهو يستوي عنده طاعة المطيع وعصيان المذنب ، فهذا يقتضي الاغترار به ، فكيف جعله هنا مانعاً منه ؟ أجيب : بأن الآية واردة لتهديد الكافر والعاصي ، حيث أنعم عليه بتلك النعم ، وكلفه بشكرها وأوعد من كفر بالعذاب الدائم ، فلم يقم بشكرها ، فتضمنت مخالفته استخفافه بالنعمة وبأوامر المنعم ونواهيه ، فليس في الآية ما يقتضي الاغترار ، كما تزعمه الحشوية حيث يقولون : إنما قال : { رَبِّكَ ٱلْكَرِيمِ } دون سائر صفاته ، ليلقن عبده الجواب حتى يقول : غرني كرم الكريم ، ففي الحديث لما تلا هذه الآية قال : " غلاه جهله " . وقال عمر : غره حمقه وجهله . وقال الحسن : غره والله شيطانه الخبيث . قوله : ( حتى عصيته ) أي بالكفر ، وجحد الرسل وإنكار ما أتوا به . قوله : { ٱلَّذِي خَلَقَكَ } أي أوجدك من العدم . قوله : { فَسَوَّاكَ } أي جعل أعضاءك سليمة مستوية تامة المنافع . قوله : ( بالتخفيف والتشديد ) أي فهما سبعيتان ، فالتسوية ترجع إلى عدم النقصان في الأعضاء ، والتعديل يرجع إلى نفي العوج والقبح . قوله : { فِيۤ أَيِّ صُورَةٍ } متعلق بركبك ، و { شَآءَ } صفة لصورة ، والمعنى : ركبك في أي صورة من الصور التي اقتضتها مشيئته ، من طول وقصر وذكورة وأنوثة قوله : { بَلْ تُكَذِّبُونَ } إضراب انتقالي إلى بيان ما هو السبب الأصلي في اغترارهم ، كأنه قال : إنكم لا تستقيمون على ما توجبه نعمي عليكم وإرشادي لكم ، بل تكذبون . قوله : { وَإِنَّ عَلَيْكُمْ لَحَافِظِينَ } الخطاب وإن كان مشافهة ، إلا أن الآية عامة بالإجماع لجميع المكلفين ، والجملة حالية من الواو في { تُكَذِّبُونَ } . قوله : ( من الملائكة ) أي فكل واحد من الآدميين له ملكان ، ملك عن يمينه يكتب الحسنات ، وآخر عن يساره يكتب السيئات . وقيل : اثنان بالليل ، وأثنان بالنهار ، واختلفوا في الكفار فقيل : ليس عليهم حفظة ، لأن أمرهم ظاهر وعلمهم واحد ، وقيل : عليهم حفظة لظاهر هذه الآية . إن قلت : فأي شيء يكتب الذي على يمينه مع أنه لا حسنة له . أجيب : بأن الذي عن شماله يكتب بإذن صاحب اليمين ، فيكون شاهداً على ذلك ، فالمراد بالحفظة هنا ، حفظة الأعمال الكاتبون لها ، وأما حفظة البدن ، فهم المذكورون في قوله تعالى : { لَهُ مُعَقِّبَاتٌ مِّن بَيْنِ يَدَيْهِ وَمِنْ خَلْفِهِ يَحْفَظُونَهُ مِنْ أَمْرِ ٱللَّهِ } [ الرعد : 11 ] وفي هذه الآية دليل على أن الشاهد ، لا يشهد ، إلا بعد العلم ، لوصف الملائكة بكونهم حافظين كراماً كاتبين ، يعلمون ما يفعلون .