Back to subchapter overview
Subchapter (Sura: 89, Ayat: 15-20)
Tafsir: Ḥāšīyat aṣ-Ṣāwī ʿalā tafsīr al-Ǧalālayn
The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com
قوله : { فَأَمَّا ٱلإِنسَانُ } أما هنا لمجرد التأكيد ، لا للتأكيد مع التفصيل ، لعدم تقدم مقتضيه ، وهو مرتبط بقوله : { إِنَّ رَبَّكَ لَبِٱلْمِرْصَادِ } [ الفجر : 14 ] فكأنه قيل : إن الله لا يرضى من عباده إلا الطاعة والإخلاص ، لما في الحديث : " إن الله لا ينظر إلى صوركم وأموالكم ، ولكن ينظر إلى قلوبكم وأعمالكم " فأما الإنسان فلا يلتفت لذلك ، لكونه مطبوعاً علىخلافه ، وإنما يلتفت للعاجل ، وما قررناه سالم من الدسيسة الاعتزالية الواقعة في كلام الزمخشري حيث نفى عن الله إرادة المعاصي والقبائح ونص عبارته ، فإن قلت : بم اتصل قوله : { فَأَمَّا ٱلإِنسَانُ } ؟ قلت : بقوله : { إِنَّ رَبَّكَ لَبِٱلْمِرْصَادِ } [ الفجر : 14 ] فكأنه قيل : إن الله لا يريد من الإنسان إلا الطاعة ، فأما الإنسان فلا يريد ذلك ، ولا يهمه إلا العاجلة اهـ . فتدبر . قوله : { إِذَا مَا ٱبْتَلاَهُ رَبُّهُ } الخ ، إنما سمى كلاً من بسط الرزق ، وتقديره ابتلاء ، لأنه يختبر حال العبد في الحالين ، فإذا بسط له الرزق فقد اختبر حاله ، أيشكر أم يكفر ؟ وإذا قدر عليه ، فقد اختبر حاله أيصبر أم يجزع ؟ فالحكمة فيهما واحدة . قوله : ( اختبره ) أي عامله معاملة المختبر . قوله : ( بالمال وغيره ) أي كالجاه والولد . قوله : { وَنَعَّمَهُ } أي جعله متلذذاً بتلك النعم . قوله : { فَيَقُولُ رَبِّيۤ أَكْرَمَنِ } أي فضلني وأحسن إلي . قوله : { وَأَمَّآ إِذَا مَا ٱبْتَلاَهُ } { مَا } زائدة لوقوعها بعد { إِذَا } وكذا يقال في الأولى . قوله : { فَقَدَرَ } بالتخفيف والتشديد قراءتان سبعيتان ، إن قلت : مقتضى المقابلة أن يقول : فأهانه وقدر عليه زرقه ، كما قال : فأكرمه ونعمه . أجيب : بأن البسط إكرام من الله لعبده ، وليس ضده إهانة ، بل ترك للكرامة ، فإذا أهدى لك إنسان هدية فقد أكرمك بها ، وإذا لم يهد إليك فلم يحصل منه إكرام ولا إهانة ، وأيضاً فيه إشارة إلى أن تقتير الرزق ، لا يلزم منه أن يكون دليلاً على إهانة ، بل قد يكون دليلاً على المحبة والتكريم ، لما ورد : " أشدكم بلا : الأنبياء ثم الأولياء ثم الأمثل فالأمثل " فقول العبد : ربي أهانني من قصورة وغفلته ، وإلا فالمطلوب منه أن يرضى ويسلم . قوله : { فَيَقُولُ رَبِّيۤ أَهَانَنِ } أي لم يحسن إلي ولم يفضلني ، في ياء أهانني وأكرمني خلاف بين القراء ، فبعضهم يثبتهما وصلاً ووقفاً ، وبعضهم يحذفهما في الحالين ، وبعضهم يثبتهما وصلاً ويحذفهما وقفاً . قوله : ( ردع ) أي عن الشقين بدليل قوله : ( أي ليس الإكرام ) الخ . قوله : ( وكفار مكة ) الخ ، توطئة للدخول على قوله : { بَل لاَّ تُكْرِمُونَ } الخ ، وقوله : ( لذلك ) أي لكون الإكرام بالطاعة ، والإهانة بالكفر والمعاصي ، وكثير من جهلة المؤمنين يعتقدون هذا الاعتقاد ، وهو غلط وغرور . قوله : { بَل لاَّ تُكْرِمُونَ ٱلْيَتِيمَ } إضراب من قبيح إلى أقبح منه ترقياً في ذمهم . قوله : { وَلاَ تَحَآضُّونَ } أي يحثون ومفعوله محذوف قدره . بقوله : ( أنفسهم ولا غيرهم ) . قوله : ( أي إطعام ) أشار بذلك إلى الطعام مصدر بمعنى الإطعام ، وفيه إيماء إلى أن إكرام اليتيم ، والحث على إطعام المساكين ، من أعظم الخصال فضيلة . قوله : { وَتَأْكُلُونَ ٱلتُّرَاثَ } التاء فيه مبدلة من الواو ، لأنه من الوراثة ، كما في تجاءة وتكاءة . قوله : { أَكْلاً لَّمّاً } أي جمعاً ، فاللم الجمع ، يقال : لممت الشيء جمعته ، ومنه لم الله شعثه ، أي جمع ما تفرق من أموره . قوله : ( أي شديداً ) صفة لموصوف محذوف ، أي جمعاً شديداً . قوله : ( اللم نصيب النساء ) الخ ، أي فإنهم كانوا لا يورثون النساء والصبيان ، ويأكلون أنصباءهم ، أو يأكلون ما جمعه المورث من حلال وحرام ، عالمين بذلك ، إن قلت : إن السورة مكية ، وآية المواريث مدنية ، ولا يعلم الحل والحرمة إلا من الشرع ، أجيب : بأن حكم الإرث ، كان معلوماً لهم من بقايا شريعة إسماعيل ، فهو ثابت عندهم بطريق عادتهم . قوله : ( وفي قراءة ) أي وهي سبعية أيضاً ، وقرئ في السبع أيضاً تحاضون ، وأصله تتحاضون ، حذفت إحدى التاءين ، أي لا يحض بعضكم بعضاً . قوله : ( ردع لهم عن ذلك ) أي عن جمع المال وحبه ، وعدم إكرام اليتيم .