Back to subchapter overview
Subchapter (Sura: 89, Ayat: 6-14)
Tafsir: Ḥāšīyat aṣ-Ṣāwī ʿalā tafsīr al-Ǧalālayn
The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com
قوله : { أَلَمْ تَرَ } الخ ، شروع في بيان أحوال الأمة الماضية ، وذكر منهم عاداً وثمود وفرعون ، لأن أخبارهم كانت معلومة ، والخطاب للنبي صلى الله عليه وسلم ولكنه عام لكل أحد . قوله : { إِرَمَ } هو في الأصل اسم جد عاد ، وهو عاد بن عوص بن إرم بن سام بنوح عليه السلام ، سميت القبيلة باسم جدهم عاد ، وعاش ألف سنة ومائتي سنة ، ورزق من صلبه أربعة آلاف ولد ، وتزوج ألف امرأة ، ومات كافراً . قوله : ( أي الطول ) هذا أحد أقوال ، وقيل : إن المراد به الأبنية المرتفعة على العمد ، فكانوا ينصبون الأعمدة فيبنون عليها القصور ، وقيل : { ذَاتِ ٱلْعِمَادِ } ذات القوة والشدة ، قال تعالى : { مَنْ أَشَدُّ مِنَّا قُوَّةً } [ فصلت : 15 ] وقيل : غير ذلك . قوله : ( كان طول الطويل ) الخ ، نحوه قول الكازروني : طول الطويل منهم خمسمائة ذراع ، والقصير ثلاثمائة ذراع بذراع نفسه ، ورد ذلك أن ابن العربي بقوله : هو باطل ، لأن في الصحيح : " إن الله خلق آدم طوله ستون ذراعاً في الهواء فلم يزل الخلق ينقصون إلى الآن " اهـ . وقال قتادة : إن طول الرجل منهم اثنا عشر ذراعاً . قوله : { ٱلَّتِي لَمْ يُخْلَقْ مِثْلُهَا فِي ٱلْبِلاَدِ } أي لم يخلق مثل تلك القبيلة في الطول والقوة ، وهم الذين قالوا : من أشد منا قوة ؟ وقيل : هي مدينة بناها شداد بن عاد ، وحاصل قصتها : أنه كان لعاد ابنان شداد وشديد ، فملكا بعده وقهرا العباد والبلاد ، فمات شديد وخلص الملك لشداد ، فملك الدنيا ودانت له ملوكها ، وكان يحب قراءة الكتب القديمة ، فسمع بذكر الجنة وصفتها ، ودعته نفسه إلى بناء مثلها عتواً على الله وتجبراً ، فروى وهب بن منبه عن عبد الله بن قلابة ، أنه خرج في طلب إبل له شردت ، فبينما هو يسير في صحارى عدن ، إذ وقع على مدينة في تلك الفلوات عليها حصن ، وحول الحصن قصور كثيرة ، فلما دنا منها ظن أن فيها أحداً يسأله عن إبله ، فلم ير خارجاً ولا داخلاً ، فنزل عن دابته وعقلها ، وسل سيفه ودخل من باب المدينة ، فإذا هو ببابين عظيمين وهما مرصعان بالياقوت الأحمر ، فلما رأى ذلك دهش ، ففتح الباب ودخل ، فإذا هو بمدينة لم ير أحداً مثلها ، فإذا فيها قصور ، في كل قصر منها غرف ، وفوق الغرف غرف مبنية بالذهب والفضة وأحجار اللؤلؤ والياقوت وإذا أبواب تلك القصور مثل مصاريع باب المدينة ، يقابل بعضها بعضاً ، وهي مفروشة كلها باللؤلؤ وبنادق المسك والزعفران ، فلما عاين ذلك ولم ير أحداً هاله ذلك ، ثم نظر إلى الأزفة ، فإذا في تلك الأزفة أشجار مثمرة ، وتحت تلك الأشجار أنهار يجري ماؤها في قنوات من فضة ، فقال الرجل في نفسه : هذه الجنة ، وحمل معه من لؤلؤها ومن بنادق مسكها وزعفرانها ، ورجع إلى اليمن وأظهر ما كان معه وحدث بما رأى ، فبلغ ذلك معاوية فأرسل إليهم فقدم عليه ، فسأله عن ذلك فقص عليه ما رأى فأرسل معاوية إلى كعب الأحبار ، فلما أتاه قال : يا أبا إسحاق هل في الدنيا مدينة من ذهب وفضة ؟ قال : نعم ، هي إرم ذات العماد ، بناها شداد بن عاد ، قال : فحدثني حديثها ، فقال : لما أراد شداد بن عاد عملها ، أقر عليها مائة قهرمان ، مع كل قهرمان ألف من الأعوان ، وكتب إلى ملوك الأرض أن يمدوهم بما في بلادهم من الجواهر ، فخرجت القهارمة يسيرون في الأرض ليجدوا أرضاً موافقة ، فوقفوا على صحراء نقية من التلال ، وإذا فيها عيون ماء ومروج فقالوا : هذه الأرض التي أمر الملك أن نبني فيها ، فوضعوا أساسها من الجزع اليماني ، وأقاموا في بنائها ثلاثمائة سنة ، وكان عمر شداد تسعمائة سنة ، فلما أتوه وقد فرغوا منها قال : انطلقوا فاجعلوا حصنا يعين سوراً ، واجعلوا حوله ألف قصر ، وعند كل قصر ألف علم ، ليكون في كل قصر وزير من وزرائي ، ففعلوا ؛ وأمر الملك وزارءه وهو ألف وزير ، أن يتهيؤا للنقلة إلى إرم ذات العماد ، وكان الملك وأهله في جهازهم عشر سنين ، ثم ساروا إليها ، فلما كانوا من المدينة على مسيرة يوم وليلة ، بعث الله عليه وعلى من كان معه صيحة من السماء فأهلكتهم جميعاً ، ولم يبق منهم أحد . ثم قال كعب : وسيدخلها رجل من المسلمين في زمانك ، أحمر أشقر قصير على حاجبيه خال ، وعلى عنقه خال ، يخرج في طلب إبل له ، ثم التفت فأبصر عبد الله بن قلابة ، فقال : هذا والله ذاك الرجل ، وهذه المدينة تزعم العامة أنها دائرة في الدنيا ، وهو من الخرافات ، بل هي في مكانها ، غير أن الله تعالى يعمي الخلق عنها ، فلم يهد لها إلا من وعده بها . قوله : ( في بطشهم ) متعلق بمثلها ، والضمير عائد على القبيلة باعتبار أهلها . قوله : { ٱلَّذِينَ جَابُواْ ٱلصَّخْرَ } صفة لثمود ، والباء في بالوادي بمعنى في و { ثَمُودَ } عطف على { عَادٍ } وهي قبيلة مشهورة . قوله : ( واتخذوها بيوتاً ) قيل : أول من نحت من الجبال والصخور والرخام ثمود ، وروي أنهم بنوا ألفاً وسبعمائة مدينة كلها من الحجارة ، وقيل : سبعة آلاف كلها من الحجارة . قوله : ( وادي القرى ) موضع بقرب المدينة من جهة الشام . قوله : ( كان يتد أربعة أوتاد ) الخ ، أي يدقها للمعذب ، ويشهد بها مطروحاً على الأرض ، ثم يعذبه بما يريد من ضرب وإحراق وغيرهما . قوله : { ٱلَّذِينَ طَغَوْاْ } إما مجرور صفة للمذكورين ، أو منصوب أو مرفوع على الذم . قوله : ( نوع ) { عَذَابٍ } فسره بذلك لقول الفراء : سوط العذاب كلمة تقولها العرب لكل نوع من أنواع العذاب . والمعنى : أنزل على كل نوعاً من العذاب ، فأهلكت عاد بالربح ، وثمود بالصيحة ، وفرعون بالغرق . قوله : { إِنَّ رَبَّكَ لَبِٱلْمِرْصَادِ } تعليل لما قبله ، إعلاماً بأن كفار قومه عليه السلام سيصيبهم مثل ما أصاب المذكورين من العذاب . قوله : ( يرصد أعمال العباد ) أشار بذلك إلى أن في الكلام استعارة تمثيلية ، شبه حفظة تعالى لأعمال عباده ومجازاته عليها ، بحال من قعد على الطريق مترصداً لمن يسلكها ليأخذه فوقع به ما يريد ، واستعير اسم المشبه به للمشبه .