Back to subchapter overview

Subchapter (Sura: 10, Ayat: 11-14)

Tafsir: at-Taʾwīlāt an-naǧmiyya fī at-tafsīr al-ʾišārī aṣ-ṣūfī

The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com

ثم أخبر عن كرمه بالبر مع أهل الشريعة بقوله : { وَلَوْ يُعَجِّلُ ٱللَّهُ لِلنَّاسِ ٱلشَّرَّ ٱسْتِعْجَالَهُمْ بِٱلْخَيْرِ لَقُضِيَ إِلَيْهِمْ أَجَلُهُمْ } [ يونس : 11 ] إلى قوله : { كَيْفَ تَعْمَلُونَ } [ يونس : 14 ] . اعلم أن في قوله : { وَلَوْ يُعَجِّلُ ٱللَّهُ لِلنَّاسِ ٱلشَّرَّ ٱسْتِعْجَالَهُمْ بِٱلْخَيْرِ } إشارة إلى أن الشر من نتائج أخلاق الناس وأوصافهم الذميمة النفسانية ليس له مدد من الله ليظهر أثره فيهم عاجلاً ، بل يكلهم الله إلى أنفسهم والصفات المجبولة عليها ، والخير كله من نتائج نظر العناية الربانية يستمده من بحر الفضل والكرم ، فيظهر أثره فيهم آجلاً وهو سر قوله تعالى : " سبقت رحمتي على غضبي " ، ولو كان السبق للغضب والقهر ؛ لقضى إليهم أجلهم بهلاك الصورة ، والمعنى يدل على هذا التأويل قوله تعالى : { فَنَذَرُ ٱلَّذِينَ لاَ يَرْجُونَ لِقَآءَنَا } [ يونس : 11 ] أي : الذين لا يشتاقون إلى لقائنا فيسلكون طريق وصولنا على أقدام الخيرات ، { فِي طُغْيَانِهِمْ يَعْمَهُونَ } [ يونس : 11 ] المعنى : فنذرهم بالخذلان إلى طغيان نفوسهم الأمارة بالسوء ، متحيزين في دينه ضلالة النفوس ؛ ليزدادوا شراً مع شرهم ، فيظهر أثره فيهم بالتدريج آجلاً . وفي قوله تعالى : { وَإِذَا مَسَّ ٱلإِنسَانَ ٱلضُّرُّ دَعَانَا لِجَنبِهِ أَوْ قَاعِداً أَوْ قَآئِماً } [ يوسن : 12 ] أشار إلى خاصية نفس الإنسان أنها لا ترجع إلى الله طبعاً إلا في مقام الحاجة الضرورية بالاضطرار في أية حالة يكون من حالاتها ، { فَلَمَّا كَشَفْنَا عَنْهُ ضُرَّهُ } [ يونس : 12 ] أي : إذا استجبنا دعاءها وقضينا حاجتها ، { مَرَّ كَأَن لَّمْ يَدْعُنَآ إِلَىٰ ضُرٍّ مَّسَّهُ } [ يونس : 12 ] عاد المشئوم إلى طبعه ، فرجعت قهقري إلى خاصية أنانيتها وهي نسيان حضرتنا وكفران نعمتنا ، إن الإنسان لظلومٌ كفار ، { كَذٰلِكَ زُيِّنَ لِلْمُسْرِفِينَ } [ يونس : 12 ] أي : للمقصرين في محبتنا وطلبنا والمجاوزين عن حد محبة غيرنا وطلب ما سوانا ، { مَا كَانُواْ يَعْمَلُونَ } [ يونس : 12 ] من الإسراف في تركنا وطلب غيرنا . { وَلَقَدْ أَهْلَكْنَا ٱلْقُرُونَ مِن قَبْلِكُمْ لَمَّا ظَلَمُواْ } [ يونس : 13 ] أي : أوضعوا محبتنا وطلب لقائنا في غير موضعها من الدنيا والآخرة وما فيهما ، { وَجَآءَتْهُمْ رُسُلُهُم بِٱلْبَيِّنَاتِ } [ يونس : 13 ] بالحجج القاطعة قالاً وحالاً ؛ ليدلوهم بها إلى محبتنا وطلبنا ، { وَمَا كَانُواْ لِيُؤْمِنُواْ } [ يونس : 13 ] بتلك الحجج ؛ ليهتدوا إلينا بنور الإيمان إذ وكلناهم إلى أنفسهم بالخذلان ، { كَذٰلِكَ نَجْزِي ٱلْقَوْمَ ٱلْمُجْرِمِينَ } [ يونس : 13 ] فكلهم إلى أنفسهم بشؤم جرائمهم فهلكهم كما هلكنا القرون الماضية في متابعة أهوائهم واستغراقهم في طلب شهواتهم ، { ثُمَّ جَعَلْنَاكُمْ } [ يونس : 14 ] يا أمة محمد { خَلاَئِفَ فِي ٱلأَرْضِ مِن بَعْدِهِم } [ يونس : 14 ] أي : من إهلاكهم به يشير إلى أن لهذه الأمة اختصاصاً باستحقاق الخلافة الحقيقية التي أودعها في آدم عليه السلام بقوله تعالى : { إِنِّي جَاعِلٌ فِي ٱلأَرْضِ خَلِيفَةً } [ البقرة : 30 ] ولهذا السر ما كان في أمة من الأمم من الخلفاء ما كان في هذه الأمة بالصورة والمعنى ، { لِنَنظُرَ كَيْفَ تَعْمَلُونَ } [ يونس : 14 ] في خلافتنا ، ثم اعلم أن المخالفة صورة ومعنى كما أن صورة الخلافة مبنية على الحكم بين الرغبة بالعدل والسوية وقانون الشرع والاجتناب من متابعة الهوى والطبع ، كذلك معنى الخلافة مبينة على الحكم بين الرغبة المعنوية وهي : الجوارح والأعضاء والقلب والروح والسر والنفس وصفاتها وأخلاقها والحواس الخمسة والقوى النفسانية والخلق كما كان سيرة الأنبياء - عليهم السلام - وخواص الأولياء في طلب الحق ومجانبة الباطل ، وترك ما سوى الله للوصول إلى الله ، وسيأتي شرحها في موضعه إن شاء الله .