Back to subchapter overview

Subchapter (Sura: 10, Ayat: 15-19)

Tafsir: at-Taʾwīlāt an-naǧmiyya fī at-tafsīr al-ʾišārī aṣ-ṣūfī

The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com

ثم أخبر عن حال من خالف الخلافة وحال وافقها بقوله : { وَإِذَا تُتْلَىٰ عَلَيْهِمْ آيَاتُنَا بَيِّنَاتٍ } [ يونس : 15 ] إلى قوله : { سُبْحَانَهُ وَتَعَالَىٰ عَمَّا يُشْرِكُونَ } [ يونس : 18 ] ، { وَإِذَا تُتْلَىٰ عَلَيْهِمْ } أي : على ذوي النفس المتمردة ، { آيَاتُنَا بَيِّنَاتٍ } أي : القرآن المبين بحقائق الأشياء . { قَالَ ٱلَّذِينَ لاَ يَرْجُونَ لِقَآءَنَا } [ يونس : 15 ] أي : أرباب النفوس الذين ما فيهم الشوق إلى لقاء الحق ؛ لأن تشوق النفس وشوقها وهواها إلى الدنيا وزخارفها ، وإن شوق الحق والصدق في طلبه من نشأة القلب وقلوب أرباب النفوس ميتة ونفوسهم حية ، فلمَّا كان في القرآن ما يوافق القلوب ويخالف النفوس ما قبلوه أرباب النفوس ، وقالوا : يا محمد { ٱئْتِ بِقُرْآنٍ غَيْرِ هَـٰذَآ } [ يونس : 15 ] أي : بقرآن يوافق طباعنا وفيه ما يهوى به أنفسنا ، { أَوْ بَدِّلْهُ } [ يونس : 15 ] أنت كما بدلوا من اليهود والنصارى والتوراة والإنجيل أحبارهم ورهبانهم بما كانوا موافقاً لهواهم فضلوا وأضلوا كثيراً ، { قُلْ } [ يونس : 15 ] يا محمد . { مَا يَكُونُ لِيۤ أَنْ أُبَدِّلَهُ مِن تِلْقَآءِ نَفْسِيۤ إِنْ أَتَّبِعُ إِلاَّ مَا يُوحَىۤ إِلَيَّ } [ يونس : 15 ] أي : ليس اتباع أرباب النفوس ، ولا اتباع هوى نفسي إلا اتباع الوحي فيما أمر به أو نهى عنه ، { إِنِّيۤ أَخَافُ إِنْ عَصَيْتُ رَبِّي } [ يونس : 15 ] أي : إن خالفته لهوى غيره ، { عَذَابَ يَوْمٍ عَظِيمٍ } [ يونس : 15 ] أي : عذاب يوم تجزي فيه عظام الأمور ، وهي فريق في الجنة ، وفريق في السعير ، فلفريق سعادة القرب والمواصلة وهي أجر عظيم ، ولفريق شقاوة اليد والمفارقة وهي عذاب عظيم . { قُل لَّوْ شَآءَ ٱللَّهُ مَا تَلَوْتُهُ عَلَيْكُمْ } [ يونس : 16 ] أي : القرآن لأني أمي وليست التلاوة والقراءة من شأني كما كان حالي مع جبريل عليه السلام أول ما نزل فقال لي : " اقرأ ، قلت : لست بقارئ ، فغطني جبريل عليه السلام ثم أرسلني ، فقال : { ٱقْرَأْ بِٱسْمِ رَبِّكَ ٱلَّذِي خَلَقَ } [ العلق : 1 ] فقرأته لما جعلني قارئاً ولو شاء الله ألا أقرأه ما كنت قادراً على قراءته عليكم " ، { وَلاَ أَدْرَاكُمْ بِهِ } [ يونس : 16 ] ، وما كنت أعلمك بالقرآن ولا أعلمك . { فَقَدْ لَبِثْتُ فِيكُمْ عُمُراً مِّن قَبْلِهِ } [ يونس : 16 ] أي : من قبل نزول القرآن وما كنت تالياً للقرآن ، { أَفَلاَ تَعْقِلُونَ } [ يونس : 16 ] لكي تتفكروا وتدركوا بنظر العقل المميز الحق من الباطل والهدى من الضلال ، { فَمَنْ أَظْلَمُ مِمَّنِ ٱفْتَرَىٰ عَلَى ٱللَّهِ كَذِباً } [ يونس : 17 ] في دعوة النبوة والرسالة ونزول القرآن ، { أَوْ كَذَّبَ بِآيَـٰتِهِ } [ يونس : 17 ] يعني : أو من كذب بالقرآن وبمن أنزل عليه ، { إِنَّهُ لاَ يُفْلِحُ ٱلْمُجْرِمُونَ } [ يونس : 17 ] أي : لا يتخلص الكذابون والمكذبون من فيه الكفر وحجب الهوى وعذاب البعد وحجبهم النفس ، { وَيَعْبُدُونَ مِن دُونِ ٱللَّهِ } [ يونس : 18 ] أي : ويعبد المكذبون مع كفرهم وتكذيبهم بالأنبياء . { مَا لاَ يَضُرُّهُمْ } [ يونس : 18 ] أي : لا يعبدوا ، { وَلاَ يَنفَعُهُمْ } [ يونس : 18 ] إذ يعبدوه ، { وَيَقُولُونَ هَـٰؤُلاۤءِ شُفَعَاؤُنَا عِندَ ٱللَّهِ } [ الأنبياء : 18 ] لا ينحتون في الخشب والحجارة ويجعلون شريكاً لله في العبادة ، { قُلْ أَتُنَبِّئُونَ ٱللَّهَ بِمَا لاَ يَعْلَمُ } [ يونس : 18 ] شريكاً لنفسه لا شفيعاً بغير إذنه ، { فِي ٱلسَّمَٰوَٰتِ } [ يونس : 18 ] ممن في السماوات من الملائكة والنجوم ، { وَلاَ فِي ٱلأَرْضِ } [ يونس : 18 ] أي : ولا ممن في الأرض من الأنبياء والمرسلين والأولياء والمؤمنين . كما قال : { مَن ذَا ٱلَّذِي يَشْفَعُ عِنْدَهُ إِلاَّ بِإِذْنِهِ } [ البقرة : 255 ] ، ثم نزَّه نفسه عما أضافوه إليه ، فقاله سبحانه وتعالى : { سُبْحَانَهُ وَتَعَالَىٰ عَمَّا يُشْرِكُونَ } [ يونس : 18 ] أي : عما أثبتوا له شريكاً في العبادة وشفيعاً في الشفاعة فأخر عن أخلاقه الناس بعد الائتلاف بقوله تعالى : { وَمَا كَانَ ٱلنَّاسُ إِلاَّ أُمَّةً وَاحِدَةً } [ يونس : 19 ] الآيتين : { وَمَا كَانَ ٱلنَّاسُ إِلاَّ أُمَّةً وَاحِدَةً } يعني : في بدء الخلقة وأصل الفطرة التي فطر الناس عليها في عالم الأرواح ، كما قال تعالى : { لَقَدْ خَلَقْنَا ٱلإِنسَانَ فِيۤ أَحْسَنِ تَقْوِيمٍ } [ التين : 4 ] أي : أرواح الإنسان قبل تعلقها بالقالب ، فلما تعلقت به قال : { ثُمَّ رَدَدْنَاهُ أَسْفَلَ سَافِلِينَ } [ التين : 5 ] . { فَٱخْتَلَفُواْ } [ يونس : 19 ] أي : استماع خطاب : { أَلَسْتُ بِرَبِّكُمْ } [ الأعراف : 172 ] إذ الأرواح كانت جنوداً مجندةً في صفوف مختلفة فاستمع كل طائفة على حسب حالها في القرب والبعد من تلك الصفوف ، { فَٱخْتَلَفُواْ } عند جواب : { بَلَىٰ } لأن جواب كل طائفة بحسب استماعه الخطاب ، ثم بعد الولادة اختلفوا بحسب تربية الوالدين كما قال صلى الله عليه وسلم : " كل مولود يولد على الفطرة ، فأبواه يهودانه أو ينصرانه أو يُمجسانه " ، ثم اختلفوا بعد البلوغ بحسب المعاملات الطبيعية والشرعية . { وَلَوْلاَ كَلِمَةٌ سَبَقَتْ مِن رَّبِّكَ } [ يونس : 19 ] أي : حكم قدره الله تعالى بأن لا يجازي عباده عن كل اختلاف حتى يبلغهم بتغير الأحوال واختلافهم إلى السعادة المقدرة لهم وإلى الشقاوة المقدرة لهم ، { لَقُضِيَ بَيْنَهُمْ } [ يونس : 19 ] بالهلاك والعذاب مجازاة لهم ، { فِيمَا فِيهِ يَخْتَلِفُونَ } [ يونس : 19 ] من كفران النعم فإنكار النبوة ورد الشريعة واتباع الهوى بالطبيعة .