Back to subchapter overview
Subchapter (Sura: 10, Ayat: 20-23)
Tafsir: at-Taʾwīlāt an-naǧmiyya fī at-tafsīr al-ʾišārī aṣ-ṣūfī
The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com
{ وَيَقُولُونَ لَوْلاَ أُنزِلَ عَلَيْهِ آيَةٌ مِّن رَّبِّهِ } [ يونس : 20 ] أي : هلا أنزل على محمد صلى الله عليه وسلم معجزة ظاهرة نشاهدها ، { فَقُلْ إِنَّمَا ٱلْغَيْبُ للَّهِ } [ يونس : 20 ] يشير إلى معنيين : أحدهما : إن الغيب هو عالم الملكوت الذي يتنزل منه الآيات ، ويتظهر منه للمعجزات بإنزال الله تعالى وإظهاره فهو لله وبحكمه ينزل الآيات منه متى شاء كما شاء ، { فَٱنْتَظِرُوۤاْ } [ يونس : 20 ] فإنه ينزلها ، { إِنِّي مَعَكُمْ مِّنَ ٱلْمُنتَظِرِينَ } [ يونس : 20 ] أي : لينزلها . والثاني : إن الغيب هو عالم الغيب فهو الله وهو الذي قدر الأشياء بحكمته ومشيئته ، فإن اقتضت الحكمة والمشيئة الأزلية بإنزال آية من آياته وأوصاف ملتمسكم فإنه سينزل { فَٱنْتَظِرُوۤاْ إِنِّي مَعَكُمْ مِّنَ ٱلْمُنتَظِرِينَ } لإنزالها . { وَإِذَآ أَذَقْنَا ٱلنَّاسَ رَحْمَةً } [ يونس : 21 ] أي : أذقناهم دون توبة وإنابة ، أو صدق طلب الوصول إلى بعض المقامات ، أو ذوق كشف وشهود من بعد ضر ، { مِّن بَعْدِ ضَرَّآءَ مَسَّتْهُمْ } [ يونس : 21 ] وهو الفسق والفجور والأخلاق وحجب الأوصاف البشرية وصفات الروحانية ، { إِذَا لَهُمْ مَّكْرٌ فِيۤ آيَاتِنَا } [ يونس : 21 ] بإظهارها مع غير أهلها بشرف النفس وطلب الجاه والقبول عند الخلق واستتباعهم والرئاسة عليهم وجذب المنافع منهم ، { قُلِ ٱللَّهُ أَسْرَعُ مَكْراً } [ يونس : 21 ] في إيصال مجازاة مكرهم إليهم باستدراجهم عن تلك المقامات والكرامات إلى دركات البعد وتراكم الحجب من حيث لا يعلمون ، { إِنَّ رُسُلَنَا يَكْتُبُونَ مَا تَمْكُرُونَ } [ يونس : 21 ] أي : غير خافٍ علينا قدر مراتب مكرهم فيجازيهم على حسب ما تمكرون . ثم أخبر عن حال الخلق ومالهم بقوله تعالى : { هُوَ ٱلَّذِي يُسَيِّرُكُمْ فِي ٱلْبَرِّ وَٱلْبَحْرِ } [ يونس : 22 ] الآيتين : هو الذين يسيركم في بر البشرية وبحر الروحانية ، وأيضاً في بر العبودية وبحر الربوبية ، { حَتَّىٰ إِذَا كُنتُمْ فِي ٱلْفُلْكِ } [ يونس : 22 ] جذبات العناية ، { وَجَرَيْنَ بِهِم بِرِيحٍ طَيِّبَةٍ } [ يونس : 22 ] بهبوب نسيمات رياح شهود الجمال ، { وَفَرِحُواْ بِهَا } [ يونس : 22 ] فرح الوصول . { جَآءَتْهَا رِيحٌ عَاصِفٌ } [ يونس : 22 ] أي : ثم هبت نكباً تجلى صفات الجلال ، { وَجَآءَهُمُ ٱلْمَوْجُ } [ يونس : 22 ] البلايا والمحن عند التلاطم والتراكم ، { مِن كُلِّ مَكَانٍ } [ يونس : 22 ] من أماكن النعم ومكان النقم ، { وَظَنُّوۤاْ أَنَّهُمْ أُحِيطَ بِهِمْ } [ يونس : 22 ] ؛ أي : تحقق لهم أنهم وقفوا في ورطة الهلاك بالنعم والنقم ، { دَعَوُاْ ٱللَّهَ } أي : رجعوا إليه وما التفتوا إلى النعم استغراقاً بالنقم ، وما وهنوا لما أصابهم من النقم في طلب المنتقم وكان دعاؤهم بالله لله . { دَعَوُاْ ٱللَّهَ مُخْلِصِينَ لَهُ ٱلدِّينَ } [ يونس : 22 ] بالتبرؤ عما سواه ، والتولي إلى مولاهم فقالوا : مخلصين عن الوجود معتصمين بالجود ، { لَئِنْ أَنْجَيْتَنَا مِنْ هَـٰذِهِ } [ يونس : 22 ] من هذه البلايا والمحن والركون إليها ، { لَنَكُونَنَّ مِنَ ٱلشَّاكِرِينَ } [ يونس : 22 ] لنعمة وجدان وجود النعم بالنقم ، { فَلَمَّآ أَنجَاهُمْ } [ يونس : 23 ] من البلايا والمحن بالمعبود عن نعمها والصبر على نقمها ، { إِذَا هُمْ يَبْغُونَ فِي ٱلأَرْضِ بِغَيْرِ ٱلْحَقِّ } [ يونس : 23 ] لما وصلوا بجذبات الحق إلى شهود الجمال ، واستغراق لحجج بحر الجلال تداركتهم عواطف العزة والكبرياء { سَنَسْتَدْرِجُهُمْ مِّنْ حَيْثُ لاَ يَعْلَمُونَ } [ الأعراف : 182 ] ومن استدراجهم أنهم يبغون ويطلبون في الأرض ما سوى الحق غير الحق ؛ يعني : أرأيت طالب الحق طالباً لغير الحق ؟ فاعلم أنه من المستدرجين والممكورين . ثم قال : { يٰأَيُّهَا ٱلنَّاسُ } [ يونس : 23 ] أي : الناسي من تلك المقامات والكرامات ، { إِنَّمَا بَغْيُكُمْ عَلَىٰ أَنفُسِكُمْ } [ يونس : 23 ] طلبكم غير الحق يضر بأنفسكم بحرمانكم عن الله باشتغالكم بغير الله ، { مَّتَاعَ ٱلْحَيَاةِ ٱلدُّنْيَا } أي : ما طلبتم بدلاً عن الله هو متاع الحياة الدنيا الفانية ، { ثُمَّ إِلَينَا مَرْجِعُكُمْ } [ يونس : 23 ] إن كنتم أهل العناية بالاختيار ، وإن كنتم أهل الغواية بالاضطرار ، { فَنُنَبِّئُكُمْ } [ يونس : 23 ] بالمجازاة والمكافأة لطفاً أو عنفاً ، { بِمَا كُنتُمْ تَعْمَلُونَ } [ يونس : 23 ] أي : ينفع ما كنتم تعملون عند الرجوع بالصدق إلينا ، أو بضر ما كنتم تعملون بالركون والسلوك إلى غيرنا بأقوال أهل الإشارة في قوله : { مُخْلِصِينَ لَهُ ٱلدِّينَ } قال : المخلص في دعائه هو من لا يصحبه في نفسه سوى رؤية من يدعوه . قال الجنيد : الإخلاص ما يؤيده الله بأي عمل كان . قال رويم : الإخلاص ارتفاع رؤيتك من الفعل ، قال ابن معاذ : الإخلاص ألاَّ تتلون النفس فيحفظ ، قال الشيخ : هذه أموالهم رضي الله عنهم وهذا كله عندي إخلاص العوام والخواص ، فأمَّا إخلاص أخص الخواص فمعاملات يجزيها الله بهوية الربوبية بعد فناء أنانيته العبودية ، والخلاص بجوده غير جنس وجوده .