Back to subchapter overview

Subchapter (Sura: 10, Ayat: 24-27)

Tafsir: at-Taʾwīlāt an-naǧmiyya fī at-tafsīr al-ʾišārī aṣ-ṣūfī

The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com

ثم أخبر عن حال الدنيا وحال أهلها بقوله تعالى : { إِنَّمَا مَثَلُ ٱلْحَيَاةِ ٱلدُّنْيَا كَمَآءٍ أَنزَلْنَاهُ مِنَ ٱلسَّمَآءِ } [ يونس : 24 ] قوله : { إِنَّمَا مَثَلُ ٱلْحَيَاةِ ٱلدُّنْيَا كَمَآءٍ أَنزَلْنَاهُ مِنَ ٱلسَّمَآءِ } مثل ضربه الله تعالى للحياة الدنيوية الفانية بماء هو الفيض الروحاني أنزل من سماء القلب إلى الأرض البشرية ، { فَٱخْتَلَطَ بِهِ } [ يونس : 24 ] بذلك الفيض ، { نَبَاتُ ٱلأَرْضِ } [ يونس : 24 ] أي : الصفات المتولدة من أرض البشرية ، { مِمَّا يَأْكُلُ ٱلنَّاسُ } [ يونس : 24 ] أي : مما ينفع الناس من الأخلاق الحميدة الإنسانية ، { وَٱلأَنْعَامُ } [ يونس : 24 ] أي : الصفات الذميمة البهيمية والسبعية التي يصير البشر بها كالأنعام بل هم أضل ، { حَتَّىٰ إِذَآ أَخَذَتِ ٱلأَرْضُ } [ يونس : 24 ] أرض النفس . { زُخْرُفَهَا } [ يونس : 24 ] أي : زينتها من تلك الأخلاق والوقائع والكشوف الروحانية والشواهد القلبية ، { وَٱزَّيَّنَتْ } [ يونس : 24 ] أي : تزينت النفس بها ، { وَظَنَّ أَهْلُهَآ } [ يونس : 24 ] أي : أصحاب النفس ، { أَنَّهُمْ قَادِرُونَ عَلَيْهَآ } [ يونس : 24 ] أي : مالكون لها ؛ يعني : يحسبون ويغيرون إن تلك الأحوال والوقائع صارت لهم مقاماً ، { أَتَاهَآ أَمْرُنَا } [ يونس : 24 ] حكمنا الأزلية ، { لَيْلاً } [ يونس : 24 ] أي : عند استيلاء ظلمات النفس وغلباتها . { أَوْ نَهَاراً } [ يونس : 24 ] يعني : أو عند بقاء ضوء الفيض الروحاني ، ولكنه بامتزاج القوة الخيالية والوهمية به وقع في ورطة اعتقاد سبق كالفلاسفة والطبائعية والحلولية والإباحية . { فَجَعَلْنَاهَا حَصِيداً } [ يونس : 24 ] أي : جعلنا تلك الكشوف والأحوال الدالة على القبول مقلوعة مستأصلة ، { كَأَن لَّمْ تَغْنَ بِٱلأَمْسِ } [ يونس : 24 ] أي : كأن لم تكن النفس بها زينة فيما مضى ، { كَذٰلِكَ نُفَصِّلُ ٱلآيَاتِ } [ يونس : 24 ] أي : كما شرحنا في هذا المثال الأحوال الدنيا ، وظهور زخارفها ، وغرور أهلها بها ، وفساد حالها في عاقبة أمرها ، كذلك نبين دلالة الطريق إلى الله ، ونشرح إشارات الفترات والآفات في طريق السائرين إلى الله ، { لِقَوْمٍ يَتَفَكَّرُونَ } [ يونس : 24 ] في عزة هذا الشأن وعظم ثناؤه وصعوبة قطع مفاوزه وشدة اقتحام عقباته بلا دليل مرشد وهادٍ مطيب ، ثم يتمسكون بأذيال المشايخ الكبار ، أو يتثبتون بهممهم العليا ؛ لينجوا بهم عن هذه المهالك ويسلكوا هذه المسالك . ثم أخبر عن المفكر السالك والمتكبر الهالك بقوله تعالى : { وَٱللَّهُ يَدْعُوۤاْ إِلَىٰ دَارِ ٱلسَّلاَمِ } [ يونس : 25 ] إلى قوله : { أُوْلَـٰئِكَ أَصْحَابُ ٱلنَّارِ هُمْ فِيهَا خَالِدُونَ } [ يونس : 27 ] { وَٱللَّهُ يَدْعُوۤاْ إِلَىٰ دَارِ ٱلسَّلاَمِ } يدعو أزلاً وأبداً عباده إلى دار السلام وهي العدم صورة وظاهراً ، وعلم الله وصفته ؛ يعني : وحقيقته . وإنما سمي العدم والعلم دار السلام ؛ لأن العدم كان داراً قد سلم المعدوم فيها من آفة الحجب الروحانية والجسمانية والعلم دار قد سلم المعلوم فيها من آفة الإثنينية والشركة في الوجود وهي دار الوحدانية ؛ وأيضاً لأن السلام هو الله تعالى ، والعلم صفته القائمة بذاته فالله تعالى بفضله وكرمه يدعو عباده أزلاً من العدم إلى الوجود ومن العلم وهو الصفة إلى الفعل وهو الخلق ويدعوهم أبداً من الوجود إلى العدم ، ومن الفعل إلى العلم فدعاهم من العلم إلى الوجود بالنفخة ، وهي قوله تعالى : { وَنَفَخْتُ فِيهِ مِن رُّوحِي } [ الحجر : 29 ] . ودعاهم من الوجود إلى العدم ، والعلم بالجذبة وهي قوله تعالى : { ٱرْجِعِي إِلَىٰ رَبِّكِ } [ الفجر : 28 ] ، ولما دعا النبي صلى الله عليه وسلم بالجذبة إلى علم الله الأزلي الأبدي ، قال : قد علمت ما كان وسيكون ؛ وذلك لأنه صار عالماً بعلم الله لا بعلم نفسه وهو قوله تعالى : { وَعَلَّمَكَ مَا لَمْ تَكُنْ تَعْلَمُ } [ النساء : 113 ] وإنما علمه ذلك العلم حين قال له : { فَٱعْلَمْ أَنَّهُ لاَ إِلَـٰهَ إِلاَّ ٱللَّهُ } [ محمد : 19 ] أي : فاعلم بعلم الله الذي دعيت بالجذبة إليه لا إله في الوجود إلا الله ، فإن العلم الإلهي محيط بالوجود كله كما قال : { قَدْ أَحَاطَ بِكُلِّ شَيْءٍ عِلْماً } [ الطلاق : 12 ] فأنت بعلمه محيط بالوجود كله ، فتعلم حقيقة أن ليس في الوجود إله غير الله . ثم قال تعالى : { وَيَهْدِي مَن يَشَآءُ إِلَىٰ صِرَاطٍ مُّسْتَقِيمٍ } [ يونس : 25 ] فلمَّا جعل الله دعوة الخلق من العلم إلى العمل ، ومن الوجود إلى العدم ، والعلم عامة جعل الهداية بالمشيئة إلى الأزل ، والعلم وهو الصراط المستقيم خاصة يعني : هو يهديهم بالجذبة الكاملة إلى علم القديم بمشيئة الأزلية خاصة ، وهذا مقام السير في الله بالله . { لِّلَّذِينَ أَحْسَنُواْ ٱلْحُسْنَىٰ وَزِيَادَةٌ } [ يونس : 26 ] أي : للذين عاملوا الله على مشاهدة ، فإن الإحسان أن تعبد الله كأنك تراه { ٱلْحُسْنَىٰ } وهي شواهد الحق والنظر إليه وزيادة { وَزِيَادَةٌ } هي ما زاد على النظر بالوصول إلى العلم الأزلي مجذوباً من أنانيته إلى هويته وإفناء الناسوتية في اللاهوتية ، { وَلاَ يَرْهَقُ وُجُوهَهُمْ قَتَرٌ } [ يونس : 26 ] لا يصيبهم غبار الحجاب . { وَلاَ ذِلَّةٌ } [ يونس : 26 ] أي : ولا ذلة وجود يقتضي الاثنينية ، { أُوْلَـٰئِكَ أَصْحَابُ ٱلْجَنَّةِ } [ يونس : 26 ] جنة السير في الله ، { هُمْ فِيهَا خَالِدُونَ } [ يونس : 26 ] دائمون في السير بجذبات العناية ، { وَٱلَّذِينَ كَسَبُواْ ٱلسَّيِّئَاتِ } [ يونس : 27 ] أي : اكتسبوا بأعمالهم السوء في طلب الدنيا وشهواتها ولذاتها ، وارتكاب ما حرم الله عليهم ونهاهم عنه ، وترك ما أمرهم الله به من الفرائض والانقطاع في طريق الله ، والقعود عن الصراط المستقيم الذي هو إلى علم الله . { جَزَآءُ سَيِّئَةٍ بِمِثْلِهَا } [ يونس : 27 ] أي : جزاؤهم الخذلان والإهمال في تلك الورطة ؛ ليهلكوا عن بينة اكتسابهم بالتوحيد إلى الدنيا ، وإعراضهم عن المولى ، { وَتَرْهَقُهُمْ ذِلَّةٌ } [ يونس : 27 ] البعد والحجاب والطرد عن الباب ، { مَّا لَهُمْ مِّنَ ٱللَّهِ مِنْ عَاصِمٍ } [ يونس : 27 ] أي : جاذب يمنعهم عن الخوف في الدركات ، { كَأَنَّمَا أُغْشِيَتْ وُجُوهُهُمْ قِطَعاً مِّنَ ٱلْلَّيْلِ مُظْلِماً } [ يونس : 27 ] إذ توجهوا إلى السفليات ، وفي ظلمانيات صفات الحيوانية والسبعية والشيطانية ظلمات بعضها في بعض ، { أُوْلَـٰئِكَ أَصْحَابُ ٱلنَّارِ هُمْ فِيهَا خَالِدُونَ } [ يونس : 27 ] معذبون بدوام البعد وذل الحجاب .