Back to subchapter overview
Subchapter (Sura: 10, Ayat: 87-92)
Tafsir: at-Taʾwīlāt an-naǧmiyya fī at-tafsīr al-ʾišārī aṣ-ṣūfī
The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com
ثم أخبر عن حال موسى وأخيه وحال فرعون وتابعيه بقوله : { وَأَوْحَيْنَآ إِلَىٰ مُوسَىٰ وَأَخِيهِ } [ يونس : 87 ] إلى قوله : { لَغَافِلُونَ } [ يونس : 92 ] ، { وَأَوْحَيْنَآ إِلَىٰ مُوسَىٰ وَأَخِيهِ } [ يونس : 87 ] أي : إلى موسى القلب وهارون السر ، { أَن تَبَوَّءَا } أي : تهيئا ، { لِقَوْمِكُمَا } [ يونس : 87 ] لصفاتكما ، { بِمِصْرَ } [ يونس : 87 ] عالم الروحانية ، { بُيُوتاً } [ يونس : 87 ] مقامات ؛ وذلك لأن القلب والسر بصفاتهما وساطة بين الروح والنفس ، فيشير إلى ألا تتخذوا المنازل في عالم النفس السفلية واتخذوا المقامات في عالم الروح العلوي . { وَٱجْعَلُواْ بُيُوتَكُمْ قِبْلَةً } [ يونس : 87 ] أي : اجعلوا مقاماتكم في عالم الروحانية المتوجهة في قبلة طلب الحق أي : لا تقيموا في الروحانية ، { وَأَقِيمُواْ ٱلصَّلاَةَ } [ يونس : 87 ] أديموا العروج من المقامات الروحانية إلى القربات والموصلات الربانية ، { وَبَشِّرِ ٱلْمُؤْمِنِينَ } [ يونس : 87 ] المصدقين السائرين إلى الله بالوصول والوصال ، { وَقَالَ مُوسَىٰ } [ يونس : 88 ] القلب موافقاً للشر . { رَبَّنَآ إِنَّكَ آتَيْتَ فِرْعَوْنَ } [ يونس : 88 ] النفس ، { وَمَلأَهُ } [ يونس : 88 ] أي : صفاته ، { زِينَةً } [ يونس : 88 ] أي : جعلت ما على الأرض من مستلذات النفس وشهواتها زينة في نظرها ؛ لأنها ملائمة طبعها ، { وَأَمْوَالاً } [ يونس : 88 ] أي : جعلت الأموال سبب تحصيل مرادات النفس ومرامها ، { فِي ٱلْحَيَاةِ ٱلدُّنْيَا رَبَّنَا لِيُضِلُّواْ عَن سَبِيلِكَ } [ يونس : 88 ] أي : ليكون عاقبة أمرهم أن ينقطعوا عن السير في طلبك ، ويضلوا عبادك بها عن طلبك شغلاً بتمتعاتها وغروراً بغنائها وتفاخراً بجمعها . { رَبَّنَا ٱطْمِسْ عَلَىٰ أَمْوَالِهِمْ } [ يونس : 88 ] بمحقها أو بتحقيرها في نظرهم ، { وَٱشْدُدْ عَلَىٰ قُلُوبِهِمْ } [ يونس : 88 ] أي : واشدد طريق النظر إلى الدنيا وما فيها على قلوبهم ، واجعل همتهم علية في طلبك للنظر إليك ، { فَلاَ يُؤْمِنُواْ حَتَّىٰ يَرَوُاْ ٱلْعَذَابَ ٱلأَلِيمَ } [ يونس : 88 ] فإن النفس وصفاتها لا تؤمن بالآخرة وطلب الحق حتى يذيقهم ألم فطامهم عن الدنيا وشهواتها ، فإن الفطام عن المألوفات شديد . { قَالَ قَدْ أُجِيبَتْ دَّعْوَتُكُمَا } [ يونس : 89 ] أي : دعوة القلب والسير بما سألوا الله في حق النفس وصفاتها وفطامها عن ملاذ الدنيا ، { فَٱسْتَقِيمَا } [ يونس : 89 ] يا قلب السير في طلب الحق والسير إليه ، { وَلاَ تَتَّبِعَآنِّ سَبِيلَ ٱلَّذِينَ لاَ يَعْلَمُونَ } [ يونس : 89 ] الطريق إلى الله ولا يعرفون قدره وهمتهم الدنيا وشهواتها عن أثر إجابة الدعوة فقال : { وَجَاوَزْنَا بِبَنِيۤ إِسْرَائِيلَ ٱلْبَحْرَ } [ يونس : 90 ] بنو إسرائيل وهم : القلب والسر وصفاتهما { ٱلْبَحْرَ } بحر الملكوت أي سلكناهم في بحر الروحانية الملكوتية ، { فَأَتْبَعَهُمْ فِرْعَوْنُ } [ يونس : 90 ] النفس ، { وَجُنُودُهُ } [ يونس : 90 ] وصفاته في بحر الملكوت يعني : الفطام عن شهوات عالم الملك ، { بَغْياً وَعَدْواً } [ يونس : 90 ] أي : حسدا وعداوة ؛ لأن النفس لا تجاوز بحر الملكوت إلا بعلمه واضطراراً ، فإن السير في الملكوت ليس من طبعها ، فلا مسلك إلا قهراً وقسراً { حَتَّىٰ إِذَآ أَدْرَكَهُ ٱلْغَرَقُ } [ يونس : 90 ] يعني : فلما هبت رياح اللطف وتموجت بحار الفضل استغرق موسى القلب وبنو إسرائيل صفاته في لجي بحر الوصال ، وبلغت أفواج أمواجه إلى ساحل البشرية فأدرك فرعون النفس الغرق فاستمسك بعروة تلك الفرق . { قَالَ آمَنتُ أَنَّهُ لاۤ إِلِـٰهَ إِلاَّ ٱلَّذِي آمَنَتْ بِهِ بَنوۤاْ إِسْرَائِيلَ وَأَنَاْ مِنَ ٱلْمُسْلِمِينَ } [ يونس : 90 ] ومن أمارات أغطية فرعون النفس من عالم الملكوت الروحاني أنه عند الغرق ما تمسك بحبل التوفيق بيد الصدق والاستقلال ، وما قال : آمنت بالله الذي لا إله إلا هو ، وإنما تمسك بيد الاضطرار والتقليد ، فقال : { آمَنتُ أَنَّهُ لاۤ إِلِـٰهَ إِلاَّ ٱلَّذِي آمَنَتْ بِهِ بَنوۤاْ إِسْرَائِيلَ } فقيل له : { آلآنَ وَقَدْ عَصَيْتَ قَبْلُ } [ يونس : 91 ] أي : قبل الاضطرار . { وَكُنتَ مِنَ ٱلْمُفْسِدِينَ } [ يونس : 91 ] أي : كنت ممن يملك نفسه ويهلك غيره ، { فَٱلْيَوْمَ نُنَجِّيكَ بِبَدَنِكَ } [ يونس : 92 ] أي : بنفسك وقالبك من بحر الضلالة ، { لِتَكُونَ لِمَنْ خَلْفَكَ آيَةً } [ يونس : 92 ] أي : دليلاً على كمال قدرتنا ، ومزيد عنايتنا بأن من اتبع خواص عبادنا نجعلهم من أهل النجاة والدرجات بعد أن كان من أهل الهلاك والدركات ، { وَإِنَّ كَثِيراً مِّنَ ٱلنَّاسِ } [ يونس : 92 ] أي : من أهل النسيان ، { عَنْ آيَاتِنَا } [ يونس : 92 ] الدالة إلينا ، { لَغَافِلُونَ } [ يونس : 92 ] لشغلهم بغيرنا .