Back to subchapter overview
Subchapter (Sura: 11, Ayat: 17-19)
Tafsir: at-Taʾwīlāt an-naǧmiyya fī at-tafsīr al-ʾišārī aṣ-ṣūfī
The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com
ثم أخبر عن المؤمن وحاله والكافر ومآله بقوله تعالى : { أَفَمَن كَانَ عَلَىٰ بَيِّنَةٍ مِّن رَّبِّهِ } [ هود : 17 ] أي : على كشف وبيان من تجلي صفة من صفات ربه ، { وَيَتْلُوهُ شَاهِدٌ مِّنْهُ } [ هود : 17 ] أي : ويتبع الكشف شاهد من شواهد الحق ، فإن الكشف يكون مع الشهود ويكون بلا شهود والمعنى : { أَفَمَن كَانَ عَلَىٰ بَيِّنَةٍ } [ هود : 17 ] على بينة من كشوف الحق وشواهده . { أَفَمَن كَانَ عَلَىٰ بَيِّنَةٍ } من العقل والنقل مع احتمال السهو والغلط فيها ، وحمل الآية في الظاهر على النبي صلى الله عليه وسلم وأبي بكر رضي الله عنه أولى وأحرى ، فإن النبي صلى الله عليه وسلم كان على بينة من ربه ، وكان أبو بكر شاهداً يتلوه بالإيمان والتصديق يدل عليه قوله تعالى : { وَٱلَّذِي جَآءَ بِٱلصِّدْقِ } [ الزمر : 33 ] يعني : النبي صلى الله عليه وسلم ، { وَصَدَّقَ بِهِ } [ الزمر : 33 ] يعني : أبا بكر - رضي الله وأرضاه - وهو الذي كان تاليه وثانيه في الغار ، وتاليه في الإمامة في مرضه صلى الله عليه وسلم حين قال : " مروا أبا بكر فليصل بالناس " ، وكان تاليه بالخلافة بإجماع الصحابة - رضوان الله عليهم أجمعين - حيث قال صلى الله عليه وسلم لإبي بكر وعمر - رضي الله عنهما - : " أنتما مني بمنزلة السمع والبصر " . { وَمِن قَبْلِهِ } [ هود : 17 ] أي : قبل أبي بكر رضي الله عنه وشهادته بالنبوة كان ، { كِتَابُ مُوسَىٰ } [ هود : 17 ] وهو التوراة ، { إِمَاماً } [ هود : 17 ] يأتم به قومه بعده ، وفي أيام محمد صلى الله عليه وسلم كما ائتم به عبد الله بن سلام وسلمان وغيرهما من أحبار اليهود ، ولأنه كان فيه ذكر النبي صلى الله عليه وسلم بالنبوة والرسالة { وَرَحْمَةً } [ هود : 17 ] أي : الكتاب كان رحمة لأهل الرحمة ، وهم الذين يؤمنون بالكتاب وبما فيه كما قال : { أُوْلَـٰئِكَ يُؤْمِنُونَ بِهِ } [ هود : 17 ] يعني : أهل الرحمة { وَمَن يَكْفُرْ بِهِ } [ هود : 17 ] أي : بالكتاب وبما فيه { مِنَ ٱلأَحْزَابِ فَٱلنَّارُ مَوْعِدُهُ } [ هود : 17 ] أي : حزب أهل الكتاب وحزب الكفار وحزب المنافقين ، وإن زعموا أنهم مسلمون ؛ لأن الإسلام لا يكون بدعوى اللسان فحسب ، وإنما يحتاج مع دعوى اللسان إلى صدق الجنان وعمل الأركان . { فَلاَ تَكُ فِي مِرْيَةٍ مِّنْهُ } [ هود : 17 ] أي : من أن يكون الكافر بك وبما جئت به من أهل النار ؛ لأن الإيمان بك إيمان بي ، وإن طاعتك طاعتي ، فلا يخطرن ببالك أني من سعة رحمتي لعلي أرحم من كفر بك كائناً من كان ، فإني لا أرحمهم لأنهم مظاهر قهري { إِنَّهُ ٱلْحَقُّ مِن رَّبِّكَ } [ هود : 17 ] أي : يكون له مظاهر صفات القهر كما يكون له مظاهر صفات اللطف { وَلَـٰكِنَّ أَكْثَرَ ٱلنَّاسِ لاَ يُؤْمِنُونَ } [ هود : 17 ] بصفات لطفه لرجائهم المذموم ولغرورهم المشئوم بكرم الله ، فإنه غرهم بالله وكرمه ، الشيطان الغَرور . ثم أخبر عن جزاء أهل الافتراء بقوله تعالى : { وَمَنْ أَظْلَمُ مِمَّنِ ٱفْتَرَىٰ عَلَى ٱللَّهِ كَذِباً } [ هود : 18 ] إلى قوله : { هُمُ ٱلأَخْسَرُونَ } [ هود : 22 ] ، { وَمَنْ أَظْلَمُ مِمَّنِ ٱفْتَرَىٰ عَلَى ٱللَّهِ كَذِباً } [ هود : 18 ] أي : ادعى مع الله رتبة في المكاشفات والمشاهدات والمنازلات والمحادثات والمكالمات ، وغيرها من المقامات التي لم يشاهدها وما مست قدمه ساحتها ، وإنما يدعي حصولها دعوته النفس وطلباً للرئاسة واستجلاب حظوظ النفس بطريق التزهد والشيخوخة ، { أُوْلَـٰئِكَ يُعْرَضُونَ عَلَىٰ رَبِّهِمْ وَيَقُولُ ٱلأَشْهَادُ } [ هود : 18 ] وهم أولياء الله الذين هم شهداؤه في أرضه يدل عليه قوله تعالى : { وَتَكُونُواْ شُهَدَآءَ عَلَى ٱلنَّاسِ } [ الحج : 78 ] . { هَـٰؤُلاۤءِ ٱلَّذِينَ كَذَبُواْ عَلَىٰ رَبِّهِمْ } [ هود : 18 ] يشهدون عليهم بالكذب في الدنيا والآخرة ويلعنوهم ، { أَلاَ لَعْنَةُ ٱللَّهِ عَلَى ٱلظَّالِمِينَ } [ هود : 18 ] ينزلون بأنفسهم منزل السادة الكبرى ، { ٱلَّذِينَ يَصُدُّونَ عَن سَبِيلِ ٱللَّهِ } [ هود : 19 ] أي يصدون الطالبين عن طلب الحق بادعائهم الشيخوخة ويقطعون سبيل الله على طالبيه بالدعوة إلى أنفسهم ، ويمنعونهم أن تمسكوا بذيل إرادة صاحب ولاية يهديهم إلى الحق ويسلكهم في الله تعالى . { وَيَبْغُونَهَا عِوَجاً } [ هود : 19 ] عن الحق ، { وَهُمْ بِٱلآخِرَةِ هُمْ كَافِرُونَ } [ هود : 19 ] على الحقيقة ؛ لأن من يؤمن بالآخرة ، ولقاء الله والحساب والجزاء على الأعمال لا يجري مع الله بمثل هذه المعاملات .