Back to subchapter overview

Subchapter (Sura: 11, Ayat: 25-28)

Tafsir: at-Taʾwīlāt an-naǧmiyya fī at-tafsīr al-ʾišārī aṣ-ṣūfī

The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com

ثم أخبر عن قوم عموا وصموا بقوله تعالى : { وَلَقَدْ أَرْسَلْنَا نُوحاً } [ هود : 25 ] أي : نوح الروح ، { إِلَىٰ قَوْمِهِ } [ هود : 25 ] وهم القلب والنفس والبدن ، { إِنَّي لَكُمْ نَذِيرٌ مُّبِينٌ } [ هود : 25 ] أي : منذر بالحقيقة ، { أَن لاَّ تَعْبُدُوۤاْ إِلاَّ ٱللَّهَ } [ هود : 26 ] أي : لا تعبدوا الدنيا وشهواتها والآخرة ودرجاتها ، فإن عبادة الله مهما كانت معلولة بشيء من الدنيا والآخرة فإنه عبد ذلك الشيء لا الله على الحقيقة ، { إِنِّيۤ أَخَافُ عَلَيْكُمْ عَذَابَ يَوْمٍ أَلِيمٍ } [ هود : 26 ] وهو يوم القطيعة عن الله ، وعذاب الفرقة شديد ، وألم البعد عظيم ، { فَقَالَ ٱلْمَلأُ ٱلَّذِينَ كَفَرُواْ مِن قِوْمِهِ } [ هود : 27 ] وهم القلب والنفس والهوى والطبيعة البشرية . { مَا نَرَاكَ إِلاَّ بَشَراً مِّثْلَنَا } [ هود : 27 ] أي : مخلوقاً محتاجاً مثلنا ، وفيه إشارة أخرى وهي النفس سفلية وطبعها سفلي ونظرها سفلي ، والروح علوي ولها طبع علوي ، فالروح العلوي من خصائصه دعوة غيره إلى عالمه ؛ لأنه بنظره العلوي يرى شرف العلويات وعزتها ، ويرى السفليات وخستها وذلتها ، فمن طبعه العلوي يدعو السفلي إلى العلويات ، والنفس السفلي بنظرها السفلي لا ترى العلويات ولا تميل بطباعها السفلية إلى العلويات ؛ بل تميل إلى السفليات وترى بنظرها السفلي كل شيء سفليّاً فتدعو غيرها إلى عالمها ، فمن هاهنا ترى الروح العلوي بنظر المثلية ، فكذلك صاحب هذه النفس يرى صاحب الروح العلوي بنظر المثلية فيقول : { مَا نَرَاكَ إِلاَّ بَشَراً مِّثْلَنَا } [ هود : 27 ] فلهذا ينظرون إلى الأنبياء ولا ترضيهم النبوة ؛ بل يرونهم بنظر الكذب والسحر والجنون ، ويرون أتباع الأنبياء بنظر الحقارة كما قالوا : { وَمَا نَرَاكَ ٱتَّبَعَكَ إِلاَّ ٱلَّذِينَ هُمْ أَرَاذِلُنَا بَادِيَ ٱلرَّأْيِ وَمَا نَرَىٰ لَكُمْ عَلَيْنَا مِن فَضْلٍ بَلْ نَظُنُّكُمْ كَاذِبِينَ } [ هود : 27 ] . فأمَّا الأراذل من أتباع الروح والبدن وجوارحه الظاهرة ، فإن الغالب على الخلق أن البدن يقبل دعوة الروح ، ويستعمل الجوارح بالأعمال الشرعية ؛ ولكن النفس الأمارة تكون على كفرها ولا تخلي البدن أن يستعمل بالأعمال الشريعة الدينية إلا لغرض فاسد ومصلحة دنيوية كما هو المعتاد لأكثر الخلق . قال : { قَالَ يٰقَوْمِ أَرَأَيْتُمْ إِن كُنتُ عَلَىٰ بَيِّنَةٍ مِّن رَّبِّيۤ } [ هود : 28 ] برهان من شواهد الحق ؛ { وَآتَانِي رَحْمَةً مِّنْ عِندِهِ } [ هود : 28 ] موهبة مواهب الحق ونوراً يهتدي به ، { فَعُمِّيَتْ عَلَيْكُمْ } [ هود : 28 ] وهي أن النفس بمعزل من رؤية الحق وآياته ومواهبه وشواهده ، { أَنُلْزِمُكُمُوهَا } [ هود : 28 ] أي : أنلزمكم رؤيتها ، { وَأَنتُمْ لَهَا كَارِهُونَ } [ هود : 28 ] وهي أن النفس كارهة بطبعها لطلب المقامات العلية والأحوال السنية .