Back to subchapter overview

Subchapter (Sura: 12, Ayat: 17-20)

Tafsir: at-Taʾwīlāt an-naǧmiyya fī at-tafsīr al-ʾišārī aṣ-ṣūfī

The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com

{ قَالُواْ يَٰأَبَانَآ إِنَّا ذَهَبْنَا نَسْتَبِقُ وَتَرَكْنَا يُوسُفَ عِندَ مَتَاعِنَا فَأَكَلَهُ ٱلذِّئْبُ وَمَآ أَنتَ بِمُؤْمِنٍ لَّنَا وَلَوْ كُنَّا صَادِقِينَ } [ يوسف : 17 ] { وَجَآءُوا عَلَىٰ قَمِيصِهِ بِدَمٍ كَذِبٍ } [ يوسف : 18 ] هذه كلها إشارة إلى تزوير الحواس والقوى ، وتلبيسها وتمويهاتها وتخيلاتها الفاسدة وكذباتها وحيلها ومكرها وكيدها وتوهماتها وتسويلاتها المجبولة عليها وإلا كانت للأنبياء . وفي قوله : { قَالَ بَلْ سَوَّلَتْ لَكُمْ أَنفُسُكُمْ أَمْراً فَصَبْرٌ جَمِيلٌ } [ يوسف : 18 ] إشارة إلى معرفة الروح المؤيدة بنور الإيمان أنه يقف على النفس وصفاتها ، وما جبلت الحواس والقوى عليه ، ولا يقبل منها تمويهاتها وتسويلاتها ، ويرى الأمور كلها من عند الله وأحكامه الأزلية ، فصبر عليها صبراً جميلاً وهو الصبر على ظهور ما أراده الله فيها بالإرادة القديمة ، والتسليم لها والرضاء بها . وبقوله تعالى : { وَٱللَّهُ ٱلْمُسْتَعَانُ عَلَىٰ مَا تَصِفُونَ } [ يوسف : 18 ] يشير إلى الاستعانة بالله على الصبر الجميل فيما يجري من قضائه وقدره ، وهذا كله من اختصاص الروح العلوي المؤيد بتأييد الله ، ومن ثمرة الصبر الجميل من الروح نجاة القلب من غيابة جب القلب بجذبات العناية كما قال تعالى : { وَجَاءَتْ سَيَّارَةٌ } [ يوسف : 19 ] وهي هبوب نفحات ألطاف الحق ، { فَأَرْسَلُواْ وَارِدَهُمْ } [ يوسف : 19 ] أي : وارد من واردات تلك النفحات ، { فَأَدْلَىٰ دَلْوَهُ } [ يوسف : 19 ] دلو جذبة من جذبات الحق ، فخلص يوسف القلب من جُبِّ طبيعة القالب . { قَالَ يٰبُشْرَىٰ هَـٰذَا غُلاَمٌ وَأَسَرُّوهُ بِضَاعَةً } [ يوسف : 19 ] يشير إلى أن القلب كما له بشارة من تعلق الجذبة وخلاصه في الجب ؛ فكذلك الجذبة بشارة في تعلقها بالقلب وإخلاصه من الجب وهي من أسرار { يُحِبُّهُمْ وَيُحِبُّونَهُ } [ المائدة : 54 ] ، { وَٱللَّهُ عَلِيمٌ } [ يوسف : 19 ] بالحكمة في البشارتين ، { بِمَا يَعْمَلُونَ } [ يوسف : 19 ] من شراءه بثمن بخس ، { وَشَرَوْهُ بِثَمَنٍ بَخْسٍ } [ يوسف : 20 ] وهو الحظوظ الفانية ، { دَرَاهِمَ مَعْدُودَةٍ } [ يوسف : 20 ] احتظاظ أيام معدودة . { وَكَانُواْ فِيهِ } [ يوسف : 20 ] أي : في يوسف القلب ، { مِنَ ٱلزَّاهِدِينَ } [ يوسف : 20 ] لأنهم ما عرفوا قدره ؛ وذلك لأن الحواس والقوى مستعدة للاحتظاظ بتمتعاته الدنيوية الفانية ، والقلب يعد الاحتظاظ بتمتعات الأخروية الباقية ؛ بل هو مستعد للاحتظاظ بشواهد الربانية ، وإنه إذا سقي بشراب طهور تجلي الجمال والجلال يهرق سواه على أرض النفوس والقوى والحواس فيحتظون ، وللأرض من كأس الكرام نصيب ، فلمَّا أخرجوه من جب الطبيعة ذهبوا إلى مِصر الشريعة .