Back to subchapter overview

Subchapter (Sura: 12, Ayat: 58-62)

Tafsir: at-Taʾwīlāt an-naǧmiyya fī at-tafsīr al-ʾišārī aṣ-ṣūfī

The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com

كما قال تعالى : { وَجَآءَ إِخْوَةُ يُوسُفَ فَدَخَلُواْ عَلَيْهِ } ، وهم الأوصاف البشرية ، { فَعَرَفَهُمْ } يوسف القلب ؛ لأنه ينظر بنور الله ، { وَهُمْ لَهُ مُنكِرُونَ } [ يوسف : 58 ] لبقائهم في الظلمة ، وحرمانهم عن نور التوبة والاستغفار ، وكذا كان حال يوسف مع إخوته فإنه عرفهم بنور المعرفة والنبوة . { وَهُمْ لَهُ مُنكِرُونَ } لبقاء ظلمة معاصيهم وحرمانهم عن نور النبوة والاستغفار ، ولو عرفوه حق المعرفة ما باعوه بثمن بخس ، ولو لم يعرفهم يوسف أنهم أولاد الأنبياء ، وأنهم مستعدون للنبوة ما عفي عنهم واستغفر لهم ، { قَالَ لاَ تَثْرِيبَ عَلَيْكُمُ ٱلْيَوْمَ } [ يوسف : 92 ] وما أحال فعلهم إلى الشيطان ، وقال : { نَّزغَ ٱلشَّيْطَانُ بَيْنِي وَبَيْنَ إِخْوَتِيۤ } [ يوسف : 100 ] . { وَلَمَّا جَهَّزَهُم بِجَهَازِهِمْ قَالَ ٱئْتُونِي بِأَخٍ لَّكُمْ مِّنْ أَبِيكُمْ أَلاَ تَرَوْنَ أَنِّيۤ أُوفِي ٱلْكَيْلَ وَأَنَاْ خَيْرُ ٱلْمُنْزِلِينَ } [ يوسف : 59 ] يشير إلى أن يوسف القلب لمَّا التجأت إليه أوصاف البشرية بدل صفاتها المذمومة النفسانية بالصفات المحمودة الروحانية ، واستدعى منها استحضار بنيامين السر وهو أخو يوسف القلب حقاً ، وذلك أن السر لا يحضر مع القلب إلا بعد تبديل الصفات الذميمة بالحميدة ، وإذا حضر السر مع القلب يوفى إليه بأوفى الكيل ما لم يوف إلى الأوصاف البشرية . ثم قال : { فَإِن لَّمْ تَأْتُونِي بِهِ فَلاَ كَيْلَ لَكُمْ عِندِي وَلاَ تَقْرَبُونِ } [ يوسف : 60 ] يشير إلى أن كيل الأوصاف إنما يكون بكيل السر وحضوره مع القلب بعد خلاصه عن تصرف الأوصاف ، فإذا لم يكن خلاصه عنهم فلا يكون لهم عند القلب كيل حقيقي بتبديل أوصافهم ولا قوة لهم عند القلب فأجابوه ، { قَالُواْ سَنُرَاوِدُ عَنْهُ أَبَاهُ } [ يوسف : 61 ] نخدع عنه إياه بإبقاء الكيل عليه كما أوفيت علينا ، { وَإِنَّا لَفَاعِلُونَ } [ يوسف : 61 ] ما نريد من إخفاء السر . { وَقَالَ } [ يوسف : 62 ] يعني : يوسف القلب ، { لِفِتْيَانِهِ } [ يوسف : 62 ] أي : لصفاته في الأصل ، { ٱجْعَلُواْ بِضَاعَتَهُمْ فِي رِحَالِهِمْ } [ يوسف : 62 ] أي : بضاعة إخوته وهم أوصاف البشرية ، وبضاعتهم الأعمال الصالحة البدنية يشير إلى أن بضاعة كل عمل من أعمال البدنية التي تجري بهما أوصاف البشرية إلى حضرة يوسف القلب هي مردودة إليها ؛ لأن القلب مستغن عنها ، وإنما أوصاف البشرية محتاجة إليها ، فإن النفس تتأدب وتتزكى بها وتتحسن بأخلاقها ، وقال الله تعالى : { إِنْ أَحْسَنْتُمْ أَحْسَنْتُمْ لأَنْفُسِكُمْ وَإِنْ أَسَأْتُمْ فَلَهَا } [ الإسراء : 7 ] . وإن تربية القلب إنما هي بالأعمال القلبية الروحانية كالنيات الصالحة ، ولهذا قال صلى الله عليه سلم " نية المؤمن خير من عمله " وفي رواية : " أبلغ من عمله " وكما العزائم الصادقة ، والأخلاق الحميدة ، والإقبال على الله ، والإعراض عمَّا سواه ، وصدق الطلب والتوجه للحق ، وتخليص محبة الله عن شركة محبة المخلوقات ، والتسليم والرضاء بالقضاء ، وبذل الوجود المجازي في طلب الوجود الحقيقي ، وهذا كله من قبيل التزكية والتصفية لسعي العبودية ، ثم كمال تربية القلب من مواهب الربوبية بالتجلية وهي طلوع شمس مشاهدات أنوار الحق ، وإظهار أنواع مكاشفاته من مشارق غيب الغيوب ، وتجلي صفاته وذاته . وفي قوله : { لَعَلَّهُمْ يَعْرِفُونَهَآ إِذَا ٱنْقَلَبُوۤاْ إِلَىٰ أَهْلِهِمْ لَعَلَّهُمْ يَرْجِعُونَ } [ يوسف : 62 ] إشارة إلى أن أوصاف البشرية إذا انقلبوا ببضاعة طاعتها إلى النفس وصفاتها يعرونها أنها تصلح لها لا للقلب ، فتزكى النفس بتزكي الطاعات وتتربى بها ، فتتزكى عن صفة الأمارية فتصير مأمورة مطمئنة ، فتستحق لجذبة خطاب الحق وأمر : { ٱرْجِعِي إِلَىٰ رَبِّكِ } [ الفجر : 28 ] فترجع النفس مع أوصاف بشريتها إلى حضرة الربوبية ، فيكون طريقها على يوسف القلب وأهاليه ، كقوله : { فَٱدْخُلِي فِي عِبَادِي * وَٱدْخُلِي جَنَّتِي } [ الفجر : 29 - 30 ] .