Back to subchapter overview
Subchapter (Sura: 13, Ayat: 10-15)
Tafsir: at-Taʾwīlāt an-naǧmiyya fī at-tafsīr al-ʾišārī aṣ-ṣūfī
The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com
{ سَوَآءٌ مِّنْكُمْ مَّنْ أَسَرَّ ٱلْقَوْلَ } [ الرعد : 10 ] في مكن الغيب بحيث لم يخرج منه ، ولا شعور له به ، { وَمَنْ جَهَرَ بِهِ } بأن يظهر القول ، ويخطر بباله وله به شعور { وَمَنْ هُوَ مُسْتَخْفٍ بِٱلَّيلِ } [ الرعد : 10 ] أي : بليل العدم ، ولم يخرج منه { وَسَارِبٌ بِٱلنَّهَارِ } [ الرعد : 10 ] أي : بنهار الوجود كل هذا سواء عنده ؛ لأن علمه به يحيط { لَهُ مُعَقِّبَاتٌ } [ الرعد : 11 ] أي : لله معقبات في العلم والحكمة { مِّن بَيْنِ يَدَيْهِ } [ الرعد : 11 ] أي : من بين يديه ما هو معلوم له . { وَمِنْ خَلْفِهِ يَحْفَظُونَهُ مِنْ أَمْرِ ٱللَّهِ } [ الرعد : 11 ] الذي لأمر الله بحيث لا يخرج إن شاء تكوينه يكونه ، وإن شاء إعدامه فيعدمه { إِنَّ ٱللَّهَ لاَ يُغَيِّرُ مَا بِقَوْمٍ } [ الرعد : 11 ] في الوجود والعدم { حَتَّىٰ يُغَيِّرُواْ مَا بِأَنْفُسِهِمْ } [ الرعد : 11 ] باستدعاء الوجود ، أو العدم بلسان استحقاق الوجود والعدم على مقتضى حكمه ووفق مشيئته { وَإِذَا أَرَادَ ٱللَّهُ بِقَوْمٍ سُوۤءًا } [ الرعد : 11 ] لاقتضاء حكمته الأزلية { فَلاَ مَرَدَّ لَهُ } [ الرعد : 11 ] ؛ لأنه محفوظ بمعقبات من بين يديه ومن خلفه لأمر الله { وَمَا لَهُمْ مِّن دُونِهِ مِن وَالٍ } [ الرعد : 11 ] يحولهم من حال إلى حال { هُوَ ٱلَّذِي يُرِيكُمُ ٱلْبَرْقَ خَوْفاً وَطَمَعاً } [ الرعد : 12 ] يشير إلى أن البروق مختلفة ، فإذا أرى الله تعالى السائر برقاً من لمعان أنوار الجلال يغلب عليه خوف الانقطاع واليأس ، فإذا أراه برقاً من تلألؤ أنوار الجمال يغلب عليه الرجاء والاستئناس . { وَيُنْشِىءُ ٱلسَّحَابَ ٱلثِّقَالَ } [ الرعد : 12 ] من أثر الفضل والنوال بمطر الإقبال والإفضال { وَيُسَبِّحُ ٱلرَّعْدُ بِحَمْدِهِ } [ الرعد : 13 ] يشير إلى أن الرعد ملك خلق من نور الهيبة الجلالية ، فإذا سبَّح وقعت الهيبة على الخلق كلهم حتى الملائكة وتسبِّح { وَٱلْمَلاَئِكَةُ مِنْ خِيفَتِهِ } [ الرعد : 13 ] أي : من هيبته { وَيُرْسِلُ ٱلصَّوَاعِقَ } [ الرعد : 13 ] أي : صواعق القهر من بروق أنوار جلال { فَيُصِيبُ بِهَا مَن يَشَآءُ } [ الرعد : 13 ] من أهل الخذلان والضلال فيحرق حسن استدلالهم في قبول الإيمان ، ويغرقهم في بحر الكفر والطغيان . { وَهُمْ يُجَٰدِلُونَ فِي ٱللَّهِ } [ الرعد : 13 ] أي : في ذاته وصفاته يشير به إلى أن أهل الخذلان في ذات الله وفي صفاته مثل الفلاسفة والحكماء اليونانية الذين لم يتابعوا الأنبياء ، وما آمنوا بهم ، وتابعوا العقل دون السمع ، وبعض المتكلمين من أهل الأهواء والبدع هم الذين أصابتهم صواعق القهر ، واحترقت استعداداتهم في قبول الإيمان ؛ فظلوا يجادلون في الله ، هل هو فاعل مختار أو موجب بالذات لا بالاختيار ؟ ويجادلون في صفات الله هل لذاته صفات قائمة به أم هو قادر بالذات ، ولا صفات له ؟ ومثل هذه الشبهات المكفرة المضلة من سبيل الرشاد { وَهُوَ شَدِيدُ ٱلْمِحَالِ } [ الرعد : 13 ] أي : الله تبارك وتعالى شديد العقوبة ، والأخذ لمن جادل فيه بالباطل { لَهُ دَعْوَةُ ٱلْحَقِّ } أي : دعوته حق لمن دعاه تبارك وتعالى ، والأخذ لمن جادل فيستجيب كما دعا السماوات والأرض . وقال لهما : { ٱئْتِيَا طَوْعاً أَوْ كَرْهاً قَالَتَآ أَتَيْنَا طَآئِعِينَ } [ فصلت : 11 ] فاستجابوه وأيضاً { لَهُ دَعْوَةُ ٱلْحَقِّ } [ الرعد : 14 ] أي : له دعاة يدعون الخلق بالحق إلى الحق ، وأيضاً أي : من دعا الخلق للحق تعالى فهو الحق ، ومن دعا للهوى فهو باطل ، وإن دعا إلى الحق { وَٱلَّذِينَ يَدْعُونَ مِن دُونِهِ } [ الرعد : 14 ] أي : يدعون لغير الحق { لاَ يَسْتَجِيبُونَ لَهُم بِشَيْءٍ } [ الرعد : 14 ] أي : لا يقبلون النصح إذا خرج من القلب والتناجي ، ولا يتأثر فيهم { إِلاَّ كَبَاسِطِ كَفَّيْهِ إِلَى ٱلْمَآءِ لِيَبْلُغَ فَاهُ } [ الرعد : 14 ] أي : كي يبسط يده إلى الماء أداة للخلق بأن يريد شربه { وَمَا هُوَ بِبَالِغِهِ } [ الرعد : 14 ] ، إلى فمه فلا يحصل الشرب على الحقيقة ، وأنه توهم الخلق أنه شارب ، وهذا مثل ضربه الله تعالى للدعاة من أهل الأهواء والبدع يدعون الخلق لغير الله ، فلا يستجيبون على الحقيقة ، وإن استجيبوا في الظاهر ؛ لأنهم استجابوا لهم على الضلال يدل عليه قوله : { وَمَا دُعَآءُ ٱلْكَافِرِينَ إِلاَّ فِي ضَلاَلٍ } [ الرعد : 14 ] يعني : الملائكة وأرواح الأنبياء والأولياء ، وأهل الدرجات من المؤمنين والأرض ، أي : ومن في الأرض من الملائكة والمؤمنين { طَوْعاً } [ الرعد : 15 ] ، ومن الكافرين والمنافقين والشياطين { وَكَرْهاً } [ الرعد : 15 ] بالتذليل والتسخير تحت الأحكام والتقدير . { وَظِلالُهُم بِٱلْغُدُوِّ وَٱلآصَالِ } [ الرعد : 15 ] أي : نفوسهم ، وإن النفوس ضلال الأرواح ، وليس السجود بالطوع من شأن النفوس ؛ لأن النفوس أمارة بالسوء طبعاً إلا ما رحم الرب تعالى ، فسجد طوعاً ، والإكراه على السجود بتبعية الأرواح ، وأيضاً { وَلِلَّهِ يَسْجُدُ مَن فِي ٱلسَّمَٰوَٰتِ } [ الرعد : 15 ] أي : في سماوات القلوب من صفات القلوب والأرواح ، والعقول طوعاً { وَٱلأَرْضِ } [ الرعد : 15 ] أي : ومن في أرض النفوس من صفات النفس الحيوانية والتبعية كرهاً ؛ لأنه ليس من طبعهم السجود والانقياد .