Back to subchapter overview
Subchapter (Sura: 13, Ayat: 16-18)
Tafsir: at-Taʾwīlāt an-naǧmiyya fī at-tafsīr al-ʾišārī aṣ-ṣūfī
The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com
{ قُلْ مَن رَّبُّ ٱلسَّمَٰوَٰتِ } [ الرعد : 16 ] السماوات : سموات القلوب ، والأرض : أرض النفوس ، ومن دبر فيها درجات الجنان بالأخلاق الحميدة ، ودركات النيران بالأخلاق الذميمة ، وجعل مشاهد القلوب مقامات القرب في شواهد الحق ومراتع النفوس ، وشهوات الدنيا ، ومنازل البعد { قُلِ ٱللَّهُ } أي : أجب أنت عن هذا السؤال ؛ لأن الأجانب منه بمعزل { قُلْ } للأجانب { أَفَٱتَّخَذْتُمْ مِّن دُونِهِ أَوْلِيَآءَ } [ الرعد : 16 ] من الشيطان والدنيا والهوى وهم لا يملكون لأنفسهم نفعاً ولا ضراً في الدنيا والآخرة ؛ لأنهم مملوك والمملوك لا يملك شيئاً . { قُلْ هَلْ يَسْتَوِي ٱلأَعْمَىٰ وَٱلْبَصِيرُ } [ الرعد : 16 ] الأعمى من يرى غير الله مالكاً ، ومتصرفاً في الجود والبصير ضده ، وأيضاً الأعمى وَهْمُ النفوس ؛ لأنها تتعلق بغير الله وتحب غيره ، والبصير للقلوب ؛ لأنها تتعلق بالله ، وتحب له . فالأعمى من عمى بالحق ، وأبصر بالباطل ، والبصير ضده ، وأيضاً ، الأعمى من أبصر بظلمات الهوى ، والبصير من أبصر بأنوار المولى { أَمْ هَلْ تَسْتَوِي ٱلظُّلُمَاتُ وَٱلنُّورُ } [ الرعد : 16 ] أي : هل يستوي المسكن في ظلمات الطبيعة والهوى ، ومن هو مستغرق في بحر نور جمال المولى { أَمْ جَعَلُواْ } أهل الهوى { للَّهِ شُرَكَآءَ } [ الرعد : 16 ] من الدنيا وأهلها . ثم قال : { خَلَقُواْ كَخَلْقِهِ } [ الرعد : 16 ] أي : خلقوا الدنيا ، وأهل الدنيا شيئاً مما لهم بخلق الله تعالى { فَتَشَابَهَ ٱلْخَلْقُ عَلَيْهِمْ } [ الرعد : 16 ] أي : على أهل الهوى الذين يطلبون حوائجهم فرجعوا إليهم في الطلب أو جعلوا ما سوى الله شريكاً في الطلب في المحبة . { قُلِ ٱللَّهُ خَالِقُ كُلِّ شَيْءٍ } [ الرعد : 16 ] وليس غيره خالق تدل هذه الآية على أنه تعالى خالق الخير والشر { وَهُوَ ٱلْوَاحِدُ } [ الرعد : 16 ] في ذاته وصفاته { ٱلْقَهَّارُ } [ الرعد : 16 ] لمن دونه أي : هو الواحد في خلق الأشياء ، وقهرها لا شريك له فيه ، ولا في المطلوبية ولا المحبوبية { أَنَزَلَ مِنَ ٱلسَّمَآءِ مَآءً } [ الرعد : 17 ] من سماء القلوب ماء المحبة { فَسَالَتْ أَوْدِيَةٌ بِقَدَرِهَا } [ الرعد : 17 ] أودية النفوس { فَٱحْتَمَلَ ٱلسَّيْلُ زَبَداً رَّابِياً } [ الرعد : 17 ] من الأخلاق الذميمة النفسانية والصفات البهيمية الحيوانية ، وأنزل من سماء الأرواح ماء مشاهدات أنوار الجمال فسالت أودية القلوب بقدرها . { فَٱحْتَمَلَ ٱلسَّيْلُ زَبَداً رَّابِياً } [ الرعد : 17 ] من أوصاف البشرية والإنسانية وأنزل من سماء الأسرار كشف ماء أنوار الجلال فسالت أودية الأرواح { فَٱحْتَمَلَ ٱلسَّيْلُ زَبَداً رَّابِياً } من أنانية الروحانية ، وأنزل من سماء الجبروت ماء تجلى لصفات الألوهية { فَسَالَتْ أَوْدِيَةٌ } الأسرار { بِقَدَرِهَا } فاحتمل السيل زبد الوجود المجازي ، { وَمِمَّا يُوقِدُونَ عَلَيْهِ } [ الرعد : 17 ] من البقاء { فِي ٱلنَّارِ } { نَارُ ٱللَّهِ ٱلْمُوقَدَةُ * ٱلَّتِي تَطَّلِعُ عَلَى ٱلأَفْئِدَةِ } [ الهمزة : 6 - 7 ] لكيلا تبقي ولا تذر ، وهي المتزكية { ٱبْتِغَآءَ حِلْيَةٍ } ، وهي التحلية بالبقاء ، { أَوْ مَتَاعٍ } وهو التمتع به منه { زَبَدٌ مِّثْلُهُ } [ الرعد : 17 ] أي : مثل زبد البشرية ، وهو زبد المعرفة والتوحيد { كَذٰلِكَ يَضْرِبُ ٱللَّهُ ٱلْحَقَّ وَٱلْبَاطِلَ فَأَمَّا ٱلزَّبَدُ } [ الرعد : 17 ] في الأحوال كلها { فَيَذْهَبُ جُفَآءً } [ الرعد : 17 ] بالفناء . { وَأَمَّا مَا يَنفَعُ ٱلنَّاسَ } من البقاء لله { فَيَمْكُثُ فِي ٱلأَرْضِ } [ الرعد : 17 ] في أرض الوحدة المستعدة لقبول الفيض الإلهي { كَذٰلِكَ يَضْرِبُ ٱللَّهُ ٱلأَمْثَالَ * لِلَّذِينَ ٱسْتَجَابُواْ } [ الرعد : 17 - 18 ] دعوة الحق إلى الله لربهم أي : لطلب ربهم والوصول إليه { لِلَّذِينَ ٱسْتَجَابُواْ لِرَبِّهِمُ ٱلْحُسْنَىٰ } [ الرعد : 18 ] أي : للذين أجابوا الله فيما دعاهم إليه إنما أجابوه ليسبق العناية الأزلية فيهم بأحسنه كقوله : { إِنَّ ٱلَّذِينَ سَبَقَتْ لَهُمْ مِّنَّا ٱلْحُسْنَىٰ } [ الأنبياء : 101 ] ، { وَٱلَّذِينَ لَمْ يَسْتَجِيبُواْ لَهُ } [ الرعد : 18 ] أي : لم يجيبوه فيما دعاهم إليه للوصول والوصال . { لَوْ أَنَّ لَهُمْ مَّا فِي ٱلأَرْضِ جَمِيعاً وَمِثْلَهُ مَعَهُ } [ الرعد : 18 ] أي : لو جعل لهم ما في الأرض البشرية من أنواع اللذات الحيوانية والحظوظ النفسانية وأضعافها { لاَفْتَدَوْاْ بِهِ } [ الرعد : 18 ] يوم القيامة ، أي : جعلوه فداء لهم من عذاب القطيعة والفراق عن التلاق { أُوْلَـٰئِكَ لَهُمْ سُوۤءُ ٱلْحِسَابِ } [ الرعد : 18 ] إذا حاسبوا الوصول مع القطيعة ، والوصول مع الفراق { وَمَأْوَاهُمْ جَهَنَّمُ } [ الرعد : 18 ] وهي نار القطيعة والبعد { وَبِئْسَ ٱلْمِهَاد } [ الرعد : 18 ] أي : المصير والمعاد .