Back to subchapter overview

Subchapter (Sura: 19, Ayat: 71-76)

Tafsir: at-Taʾwīlāt an-naǧmiyya fī at-tafsīr al-ʾišārī aṣ-ṣūfī

The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com

ثم عمَّ الخطاب : { وَإِن مِّنكُمْ إِلاَّ وَارِدُهَا كَانَ عَلَىٰ رَبِّكَ حَتْماً مَّقْضِيّاً } [ مريم : 71 ] وإن منكم من الأنبياء والأولياء والمؤمنين والكافرين إلا وهو وارد هاوية الهوى بقدم الطبيعة { ثُمَّ نُنَجِّي ٱلَّذِينَ ٱتَّقَواْ } [ مريم : 72 ] عن الهوى بقدم الشريعة على طريق الطريقة للوصول إلى الحقيقة ، وفيه نكتة لطيفة ، وإشارة شريفة وهي : إنه تعالى أحال الورود إلى الوارد ، وأحال النجاة إلى نفسه تعالى ؛ يعني : إن كل وارد يرد بقدم الطبيعة في هاوية الهوى إن شاء وإن أبى ولو التجى إلى طبيعة لا ينجو منها أبداً ، ولكن ما نجا من نجا إلا بإنجاء الله تعالى إياه ، ثم قال : { وَّنَذَرُ ٱلظَّالِمِينَ فِيهَا جِثِيّاً } [ مريم : 72 ] أي : ومن خلد في جهنم طبيعةً بقي فيها مكباً على وجهه متوجهاً إلى أسفل السافلين . ثم أخبر عن الطريقة للفريقين بقوله تعالى : { وَإِذَا تُتْلَىٰ عَلَيْهِمْ آيَاتُنَا بَيِّنَٰتٍ } [ مريم : 73 ] إلى قوله : { مَّرَدّاً } [ مريم : 76 ] ، بقوله : { وَإِذَا تُتْلَىٰ عَلَيْهِمْ آيَاتُنَا بَيِّنَٰتٍ } [ مريم : 73 ] يشير إلى أن أهل الإنكار وأهل العزة بالله إذا تتلى عليهم آياتنا بينات من الحقائق والأسرار { قَالَ ٱلَّذِينَ كَفَرُواْ } [ مريم : 73 ] أي : ستروا الحق بالإنكار والاستهزاء . { لِلَّذِينَ آمَنُوۤاْ } [ مريم : 73 ] من أهل التحقيق إذا رأوهم مرتاضين مجاهدين مع أنفسهم ، متحملين متواضعين متذللين متخاشعين ، وهم متنعمون متمولون متكبرون مبتغون شهوات نفوسهم ضاحكون مستبشرون { أَيُّ ٱلْفَرِيقَيْنِ } [ مريم : 73 ] منا ومنكم { خَيْرٌ مَّقَاماً } [ مريم : 73 ] منزلة ومرتبة في الدنيا ، ووجاهة عند الناس ، وتوسعاً في المعيشة { وَأَحْسَنُ نَدِيّاً } [ مريم : 73 ] مجلساً ومنصباً وحكماً ، كما قال تعالى جواباً لهم : { وَكَمْ أَهْلَكْنَا قَبْلَهُمْ مِّن قَرْنٍ } [ مريم : 74 ] أي : أهلكناهم بحب الدنيا ونعيمها إذا أغرقناهم في بحر شهواتها ، واستيفاء لذاتها ، والتعزز بمناصبها { هُمْ أَحْسَنُ أَثَاثاً وَرِءْياً } [ مريم : 74 ] أي : هم أحسن استعداد واستحقاق للكمالات الدينية منكم كما قال صلى الله عليه وسلم : " خياركم في الإسلام خياركم في الجاهلية إذا فقهوا " { قُلْ مَن كَانَ فِي ٱلضَّلَـٰلَةِ } [ مريم : 75 ] ضلالة الإنكار واتباع الهوى { فَلْيَمْدُدْ لَهُ ٱلرَّحْمَـٰنُ مَدّاً } [ مريم : 75 ] أي : فليهمله في غروره وحسبانه ، ويدعه في غفلة عن أحوال أرباب القلوب وملوك الدين { حَتَّىٰ إِذَا رَأَوْاْ مَا يُوعَدُونَ إِمَّا ٱلعَذَابَ } [ مريم : 75 ] وهو أن يميتهم الله على ما عاشوا فيه من الإنكار والغرور والغفلة { وَإِمَّا ٱلسَّاعَةَ } [ مريم : 75 ] وهي أن يميتهم عن صفات نفوسهم بصواعق جذبات العناية ، ويقيم عليهم قيامة الشوق والمحبة ، ويحييهم حياة طيبة بنور الإيمان { فَسَيَعْلَمُونَ } [ مريم : 75 ] في كلتي الحالتين . { مَنْ هُوَ شَرٌّ مَّكَاناً } من الفريقين { وَأَضْعَفُ جُنداً } [ مريم : 75 ] حين تحقق لهم أن فريقاً منهم هم حزب الله في الآخرة وحزب الشيطان { وَيَزِيدُ ٱللَّهُ ٱلَّذِينَ ٱهْتَدَواْ } [ مريم : 76 ] والذين جاهدوا في طلب الهداية وسعوا ، يزيد الله في هدايتهم بالإيمان { هُدًى } [ مريم : 76 ] بالإيقان بل بالعيان لا بالبرهان { وَٱلْبَاقِيَاتُ ٱلصَّالِحَاتُ خَيْرٌ عِندَ رَبِّكَ ثَوَاباً وَخَيْرٌ مَّرَدّاً } [ مريم : 76 ] وهي الأعمال الصالحات التي هي من نتائج الواردات الإلهية التي ترد من عند الله إلى قلوب أهل العيوب ؛ أعني : كل عمل يصدر من عند نفس العبد من نتائج طبعه وعقله ما يكون من الباقيات ، وإن كان من الصالحات ؛ أي : على وفق الشرع ، وما يكون من عند الله ؛ أي : من نتائج مواهب الحق تعالى فهو من الباقيات الصالحات يدل عليه قوله تعالى : { مَا عِندَكُمْ يَنفَدُ وَمَا عِندَ ٱللَّهِ بَاقٍ } [ النحل : 96 ] .