Back to subchapter overview
Subchapter (Sura: 19, Ayat: 85-95)
Tafsir: at-Taʾwīlāt an-naǧmiyya fī at-tafsīr al-ʾišārī aṣ-ṣūfī
The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com
{ يَوْمَ نَحْشُرُ ٱلْمُتَّقِينَ } [ مريم : 85 ] وهم الذين يتقون بالله عمّا سواه { إِلَى ٱلرَّحْمَـٰنِ وَفْداً } [ مريم : 85 ] على متون جذبات العناية الحضرة الرحمانية ، وإنما خصّ حشر وفد المتقين إلى حضرة الرحمانية ؛ لأنها من صفات اللطف ، ومن شأنها : الاتحاد والإنعام والفضل والكرم والتقريب والمواهب . { وَنَسُوقُ ٱلْمُجْرِمِينَ } [ مريم : 86 ] أهل الإنكار والإعراض { إِلَىٰ جَهَنَّمَ } [ مريم : 86 ] البعد والنكرة { وِرْداً } [ مريم : 86 ] بالقهر والخذلان { لاَّ يَمْلِكُونَ ٱلشَّفَاعَةَ إِلاَّ مَنِ ٱتَّخَذَ عِندَ ٱلرَّحْمَـٰنِ عَهْداً } [ مريم : 87 ] يعني : يوم الميثاق كما قال تعالى : { أَلَمْ أَعْهَدْ إِلَيْكُمْ يٰبَنِيۤ ءَادَمَ أَن لاَّ تَعْبُدُواْ ٱلشَّيطَانَ إِنَّهُ لَكُمْ عَدُوٌّ مُّبِينٌ * وَأَنِ ٱعْبُدُونِي هَـٰذَا صِرَاطٌ مُّسْتَقِيمٌ } [ يس : 60 - 61 ] ثم أوفى بعهده من الله بألاَّ تعبد ما سوى الحق تعالى من الدنيا والآخرة فإن من يكون مقيداً بشيء من الدنيا والآخرة يحتاج إلى شفيع يخلصه من ذلك القيد ، كما قال صلى الله عليه وسلم : " الناس يحتاجون إلى شفاعتي حتى إبراهيم عليه السلام " . ثم أخبر عن ناقضي العهود من أهل الجحود بقوله تعالى : { وَقَالُواْ ٱتَّخَذَ ٱلرَّحْمَـٰنُ وَلَداً } [ مريم : 88 ] إلى قوله : { فَرْداً } [ مريم : 95 ] ، { وَقَالُواْ ٱتَّخَذَ ٱلرَّحْمَـٰنُ وَلَداً } [ مريم : 88 ] يشير إلى : إن تجاسرهم وتعديهم في مثل هذا القول إنما كان من نتائج صفة الرحمانية إذ هم بها أقدموا على هذا القول ؛ لأنه تعالى كان عالماً سرهم بأحوالهم أنهم خلقوا على هذه السجية ولا بدّ بأن يصدر منهم هذه المقالة ، فلولا صفة الرحمانية لما سامحت الألوهية بإيجادهم ، فبالرحمانية خلقوا ، وبالرحمانية قد نطقوا بالرحمانية . قال : { لَّقَدْ جِئْتُمْ شَيْئاً إِدّاً * تَكَادُ ٱلسَّمَٰوَٰتُ يَتَفَطَّرْنَ مِنْهُ وَتَنشَقُّ ٱلأَرْضُ وَتَخِرُّ ٱلْجِبَالُ هَدّاً * أَن دَعَوْا لِلرَّحْمَـٰنِ وَلَداً } [ مريم : 89 - 91 ] فإن الرحمانية أمهلتهم حتى قالوا ما قالوا إلا أن الألوهية كانت مقتضية للوحدانية في الوجود ، كما أنه تعالى وحداني الذات { وَمَا يَنبَغِي لِلرَّحْمَـٰنِ أَن يَتَّخِذَ وَلَداً } [ مريم : 92 ] لأن الولد بضعة من الوالد ، وما له بضعة فهو مركب ، ولا بدّ للمركب من مؤلف ، والمحتاج إلى المؤلف لا يصح أن يكون إلهاً . ولقوله : { إِن كُلُّ مَن فِي ٱلسَّمَٰوَٰتِ وَٱلأَرْضِ إِلاَّ آتِي ٱلرَّحْمَـٰنِ عَبْداً } [ مريم : 93 ] يشير إلى أن الرحمانية اقتضت إيجاد السماوات والأرض ومن فيهن ، والصفاتية والألوهية كانت في الأزل مقتضية بألاَّ يكون لذاته تعالى شريك في الوجود حتى سبقت رحمته بالرحمانية غضبه وهو القهارية ، فبالرحمانية خلق ما خلق ، وبالرحمانية عبده من عبده وعرفه من عرفه ، وبالرحمانية { لَّقَدْ أَحْصَاهُمْ } [ مريم : 94 ] في الأزل من العباد وهم معدودون . { وَعَدَّهُمْ عَدّاً } [ مريم : 94 ] في الموجودين على وفق مشيئته من السعداء والأشقياء { وَكُلُّهُمْ آتِيهِ يَوْمَ ٱلْقِيَامَةِ فَرْداً } [ مريم : 95 ] عن مشيئتهم ، بل هو آت بهم على وفق مشيئته وإرادته القديمة الأزلية الأبدية على قانون حكمته البالغة .