Back to subchapter overview

Subchapter (Sura: 21, Ayat: 78-82)

Tafsir: at-Taʾwīlāt an-naǧmiyya fī at-tafsīr al-ʾišārī aṣ-ṣūfī

The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com

ثم أخبر عن الحكمين المختلفين بقوله تعالى : { وَدَاوُودَ وَسُلَيْمَانَ إِذْ يَحْكُمَانِ فِي ٱلْحَرْثِ } [ الأنبياء : 78 ] يشير إلى أنا كنا حاضرين في حكمهما معها بالتأييد إنما حكماً بإرشادنا لهما ، ولم يحط أحد منهما في حكمه إلا إنَّا أردنا تشييد بناء الاجتهاد بحكمهما عزة وكرامة للمجتهدين ؛ ليتقدوا بهما مستظهرين بمساعيهم المشكورة في الاجتهاد . وبقوله تعالى : { فَفَهَّمْنَاهَا سُلَيْمَانَ } [ الأنبياء : 79 ] يشير إلى : رفعة درجة بعض المجتهدين على بعض ، وإن الاعتبار في الكبر والفضيلة بالعلم ، وفهم الأحكام والمعاني ، والأسرار لا بالسن ، فإنه فهم بالأحق والأصوب وهو ابن صغير وداود نبي مرسل كبير ، ثم قال تعالى : { وَكُلاًّ آتَيْنَا حُكْماً وَعِلْماً } [ الأنبياء : 79 ] أي : حكمة وعلماً ؛ ليحكم كل واحد منهما موافقاً للعلم والحكمة بتأييدنا ، وإن كان مخالفاً في الحكم لحكمنا ؛ ليتحقق صحة أمر الاجتهاد ، وأن لكل مجتهد مصيب . وبقوله تعالى : { وَسَخَّرْنَا مَعَ دَاوُودَ ٱلْجِبَالَ يُسَبِّحْنَ وَٱلطَّيْرَ وَكُنَّا فَاعِلِينَ } [ الأنبياء : 79 ] يشير إلى أن الذاكر لله إذا استولى عليه سلطان الذكر تتنور أجزاء وجوده بنور الذكر فيتجوهر قلبه وروحه بجوهر الذكر ، فربما ينعكس نور الذكر من مرآة القلب إلى ما يحاذيها من الجمادات والحيوانات ، فتنطق بالذكر معه أجزاء وجوده ، وتارة تذكر معه بعض الجمادات والحيوانات كما كان الحصا يسبح في يد رسول الله صلى الله عليه وسلم ، والضب يتكلم معه ، وروي عن بعض الصحابة أنه قال : " كنا نأكل الطعام ونسمع تسبيحه " . وبقوله تعالى : { وَعَلَّمْنَاهُ صَنْعَةَ لَبُوسٍ لَّكُمْ لِتُحْصِنَكُمْ مِّن بَأْسِكُمْ } [ الأنبياء : 80 ] يشير إلى أن الأنبياء كثيراً ما يجدوه من مواهب الله تعالى ببركة الأمة كل ما يجدون من مواهب الله تعالى إنما يجدونه بتبعية الأنبياء وبركاتهم ، فلهذا قال : { لِتُحْصِنَكُمْ مِّن بَأْسِكُمْ } [ الأنبياء : 80 ] فيه إشارة أخرى وهي : أن المعجزة التي أظهر الله تعالى على يد رسوله داود عليه السلام من الآية الحديد وصنعة اللبوس كان كرامة لأمة النبي صلى الله عليه وسلم إذاً لخطاب معهم ، ولهذا قال تعالى : { فَهَلْ أَنتُمْ شَاكِرُونَ } [ الأنبياء : 80 ] أي : تشكرون نعمة الكرامة التي كرمهم بها في سورة المعجزة على داود عليه السلام . وبقوله تعالى : { وَلِسُلَيْمَانَ ٱلرِّيحَ عَاصِفَةً تَجْرِي بِأَمْرِهِ إِلَى ٱلأَرْضِ ٱلَّتِي بَارَكْنَا فِيهَا وَكُنَّا بِكُلِّ شَيْءٍ عَالِمِينَ } [ الأنبياء : 81 ] يُشير إلى أن كمالية الإنسان إذا بلغ مبلغ الرجال البالغين من الأنبياء والأولياء ، سخَّر الله بحسب مقامه السفليات والعلويات من الملك والملكوت ، فسخر لسليمان عليه السلام الريح والجن والشياطين والطير والحيوانات والمعادن والنبات ومن العلويات الشمس حين ردت لأجل صلاته ، كما سخر لداود الجبال والطير والحديد والأحجار التي قتل بها جالوت وهزم عسكرهم ، فسخر لكل نبي شيئاً آخر من أجناس العلويات والسفليات ، وسخر لنبينا صلى الله عليه وسلم من جميع أجناسها . * فمن السفليات ما قال صلى الله عليه وسلم : " زويت لي الأرض مسجداً وترابها طهوراً " ، وقال : " أوتيت مفاتيح خزائن الأرض " ، وكان الماء ينبع من بين أصابعه . وقال صلى الله عليه وسلم : " نُصرت بالصبا وأهلكت عاد بالزبور " وكانت الأشجار تسجد له ، وتسلم عليه ، وتسجد له ، وتنقلع بإشارته عن مكانها وترجع ، والحيوانات كانت تتكلم معه ، وتشهد بنبوته ، وقال صلى الله عليه وسلم : " أسلم شيطاني على يدي " وغيره من السفليات . * وأمَّا العلويات : فقد انشق القمر بإشارة وسخر له البراق وجبريل والرفوف ، وعبر عن السماوات السبع والعرش والكرسي والجنة والنار إلى أن بلغ مقام قاب قوسين ، أو أدنى ، فما بقي شيء من الموجودات إلا وقد سخر له . وبقوله تعالى : { وَمِنَ ٱلشَّيَاطِينِ مَن يَغُوصُونَ لَهُ وَيَعْمَلُونَ عَمَلاً دُونَ ذٰلِكَ وَكُنَّا لَهُمْ حَافِظِينَ } [ الأنبياء : 82 ] يُشير إلى أنا كنا سخرنا الشياطين له ؛ ليعملون له أعمالاً والغوص والصنائع التي يصنعون بحفظ الله ما لا يقدرون عليه الآن .