Back to subchapter overview

Subchapter (Sura: 21, Ayat: 83-87)

Tafsir: at-Taʾwīlāt an-naǧmiyya fī at-tafsīr al-ʾišārī aṣ-ṣūfī

The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com

ثم أخبر عن أجر من مسه الضر بقوله تعالى : { وَأَيُّوبَ إِذْ نَادَىٰ رَبَّهُ } [ الأنبياء : 83 ] يشير إلى أن كل ما كان لأيوب عليه السلام من الشكر والشكاية في تلك الحالة كان مع الله لا مع غيره إذ نادى ربه ، وإلى أن بشرية أيوب عليه السلام كانت تتألم بالضر وهو يخبر عنها ولكن روحانيته المؤيدة بالتأييد الإلهي تنظر بنور الله ، وترى في البلاء كمال عناية المبلى وعين رحمته في تلك الصورة وتربية لنفسه ؛ ليبلغها مقام الصبر ورتبة نعم العبد وهو يخبر عنها ويقول : { أَنِّي مَسَّنِيَ ٱلضُّرُّ } [ الأنبياء : 83 ] من حيث البشرية ، ولكن أرى بنور فضلك أنك { أَرْحَمُ ٱلرَّاحِمِينَ } [ الأنبياء : 83 ] علي بأنك ترحم علي بهذا البلاء ومس الضر وقوة الصبر عليه ؛ لتفني نفسه عن صفاتها وهي العاجلة وتبقى بصفاتك ، ومنها الصبر والصبر من صفات الله تعالى لا من صفات العبد لقوله تعالى : { وَٱصْبِرْ وَمَا صَبْرُكَ إِلاَّ بِٱللَّهِ } [ النحل : 127 ] والصبور هو الله تعالى : وبقوله تعالى : { وَأَنتَ أَرْحَمُ ٱلرَّاحِمِينَ } [ الأنبياء : 83 ] كان مستدعياً رحمته منه في إفناء النفس وصفاتها التي يجذبها ألم الضر والضر الحقيقي هو وجوده وألمنا ألم به ؛ ليبقى بجود رحمته لا برحمة وجوده ، فقال الله تعالى : { فَٱسْتَجَبْنَا لَهُ } [ الأنبياء : 84 ] مأموله وأعطينا سؤاله { فَكَشَفْنَا مَا بِهِ مِن ضُرٍّ } [ الأنبياء : 84 ] ضر به الوجود { وَآتَيْنَاهُ أَهْلَهُ } [ الأنبياء : 84 ] أي ما هو أهله { وَمِثْلَهُمْ مَّعَهُمْ } [ الأنبياء : 84 ] أي : ضعف ما كان مأمولة أعطينا له { رَحْمَةً مِّنْ عِندِنَا } [ الأنبياء : 84 ] أي : بتجلي صفة رحمتنا له . { وَذِكْرَىٰ لِلْعَابِدِينَ } [ الأنبياء : 84 ] أي : تذكاراً للطالبين . ثم أخبر عن الطلاب وسمَّاهم في الكتاب بقوله تعالى : { وَإِسْمَاعِيلَ وَإِدْرِيسَ وَذَا ٱلْكِفْلِ كُلٌّ مِّنَ ٱلصَّابِرِينَ } [ الأنبياء : 85 ] يشير إلى أن إسماعيل عليه السلام قد صبر عند ذبحه وقال : { يٰأَبَتِ ٱفْعَلْ مَا تُؤمَرُ سَتَجِدُنِيۤ إِن شَآءَ ٱللَّهُ مِنَ ٱلصَّابِرِينَ } [ الصافات : 102 ] وإدريس عليه السلام قد صبر على دراسته الكتب ، وإنما سمي إدريس ؛ لكثرة دراسته ، وذا الكفل لأنه قد صبر على صيام النهار وقيام الليل وأذى الناس في الحكومة بينهم بألاَّ يعقب ، وفيه إشارة إلى أن كل من صبر على طاعة الله ، أو عن معصية ، أو على ما أصابه من مصيبة في المال والأهل ونفسه ، فإنه بقدر وصبر يستوجب رتبته نعمة العبدية ، ويصلح لإدخاله في رحمته المخصوصة كما قال الله تعالى : { وَأَدْخَلْنَاهُ فِي رَحْمَتِنَآ إِنَّهُ مِنَ ٱلصَّالِحِينَ } [ الأنبياء : 75 ] . ثم يشير عمَّن لم يصبر ويعترف بالعجز عن الصبر وعليه يستغفر بقوله تعالى : { وَذَا ٱلنُّونِ إِذ ذَّهَبَ مُغَاضِباً فَظَنَّ أَن لَّن نَّقْدِرَ عَلَيْهِ } [ الأنبياء : 87 ] يشير إلى أن الإنسان إذا غضب يلتبس عليه عقله ، ويحتجب عنه نور إيمانه حتى يظن بالله ما لا يليق بجلاله وعظمته ولو كان نبيّاً وسعى في قطع تعلقاتهما وهو متابع للنبي صلى الله عليه وسلم ، فلا كفران لسعيه وأمثاله كما يبتون في الأزل من المحبين والمحبوبين .