Back to subchapter overview

Subchapter (Sura: 22, Ayat: 11-16)

Tafsir: at-Taʾwīlāt an-naǧmiyya fī at-tafsīr al-ʾišārī aṣ-ṣūfī

The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com

وبقوله تعالى : { وَمِنَ ٱلنَّاسِ مَن يَعْبُدُ ٱللَّهَ عَلَىٰ حَرْفٍ } [ الحج : 11 ] يشير إلى بعض الطالبين من لا صدق له ولا ثبات في الطلب ، فيكون من أهل التمني بطلب الله على شك ، فإن أصابه خير مما يلائم نفسه وهواه أو فتوحاً من الغيب أطمأن به ، وأقام على الطالب في الصحبة ، وإن أصابته فتنة بلاء وشدة وضيق في المجاهدات أو الرياضات ، وترك الشهوات ، ومخالفة الناس ، وملازمة الخدمة ، ورعاية حق الصحبة ، والتأدب بآداب الصحبة ، والتأمل عن الإخوان انقلب على وجهه بتبديل الأقوال والإنكار ، والاعتراض ، والتسليم بالإباء ، والاستكبار ، والإرادة بالارتداد ، والصحبة بالهجران { خَسِرَ ٱلدُّنْيَا وَٱلأَخِرَةَ } [ الحج : 11 ] أي : خسر ما كان عليه من الدنيا بتركها ، وخسر الآخرة بالارتداد عن الطلب والصحبة . ومن هنا قال المشايخ مرتد الطريقة أخسر من مرتد الشريعة : { ذٰلِكَ هُوَ ٱلْخُسْرَانُ ٱلْمُبِينُ } [ الحج : 11 ] فإن من رده قلب صاحب قلب يكون مردود القلوب كلها ؛ وذلك لأنه { يَدْعُواْ مِن دُونِ ٱللَّهِ } [ الحج : 12 ] أي : يعبد ويطلب ما سوى الله تعالى { مَا لاَ يَضُرُّهُ } [ الحج : 12 ] في الآخرة إن تركه { وَمَا لاَ يَنفَعُهُ } [ الحج : 12 ] إن طلبه { ذٰلِكَ هُوَ ٱلضَّلاَلُ ٱلْبَعِيدُ } [ الحج : 12 ] أي : جعله بعيداً من الله تعالى { يَدْعُو لَمَنْ ضَرُّهُ } [ الحج : 13 ] أي : يطلب من ضرره في الآخرة { أَقْرَبُ مِن نَّفْعِهِ } [ الحج : 13 ] أي : أكثر من الانتفاع به في الدنيا { لَبِئْسَ ٱلْمَوْلَىٰ } [ الحج : 13 ] ما عبدوه وما طلبوه غير الحق { وَلَبِئْسَ ٱلْعَشِيرُ } [ الحج : 13 ] ما عاشروه في الدنيا وشهواتها . ثم أخبر عن أهل الجنات والدرجات بقوله تعالى : { إِنَّ ٱللَّهَ يُدْخِلُ ٱلَّذِينَ آمَنُواْ وَعَمِلُواْ ٱلصَّالِحَاتِ جَنَاتٍ تَجْرِي مِن تَحْتِهَا ٱلأَنْهَارُ } [ الحج : 14 ] يشير إلى أنه من يدخل الجنة بمجرد الإيمان التقليدي والأعمال الصالحة الخالصة لوجه الله تعالى { إِنَّ ٱللَّهَ يَفْعَلُ مَا يُرِيدُ } [ الحج : 14 ] أي : يوفق للإيمان الحقيقي والعمل الصالح من يريد ويشاء ، كقوله تعالى : { يُدْخِلُ مَن يَشَآءُ } [ الإنسان : 31 ] . وبقوله تعالى : { مَن كَانَ يَظُنُّ أَن لَّن يَنصُرَهُ ٱللَّهُ فِي ٱلدُّنْيَا وَٱلآخِرَةِ } [ الحج : 15 ] يشير إلى أن من كان ظنه بالله ظن السوء بألاَّ ينصره في الدنيا على الكفار ، وفي الآخرة بألاَّ يدخل الجنة ، فإنه من الظانين بالله ظن السوء ، وغضب الله عليه ولعنه ، وأعد له جهنم ، وساءت مصيراً كما قال النبي صلى الله عليه وسلم في حديث رباني عن الله تعالى : " أنا عند ظن عبدي بي فليظن بي ما يشاء " يعني : من ظن بي خيراً أصابه خيرّاً ، ومن ظن بي شرّاً أصابه شر ، وفي رواية أخرى قال الله تعالى : " فليطلب طريقاً إلى السماء ، ثم ليقطع صادقاً تقديري في الأزل ونزول أحكامي من السماء ، فلينظر هل يذهبن كيده ؟ " أي : هل نقطع كيده في إبطال أحكامي النازلة من السماء مما يغيظ ؟ أي : سبب غيظه وكذلك ؛ أي : كذا ما قررنا من بطلان سعي في إبطال أحكامنا { أَنزَلْنَاهُ آيَاتٍ بَيِّنَاتٍ } [ الحج : 16 ] أي : دلالات واضحات إليك يا محمد { وَأَنَّ ٱللَّهَ يَهْدِي مَن يُرِيدُ } [ الحج : 16 ] إلى الجنة من يشاء ، وفيه إشارة أخرى : { وَأَنَّ ٱللَّهَ يَهْدِي مَن يُرِيدُ } [ الحج : 16 ] من الهداية .