Back to subchapter overview

Subchapter (Sura: 22, Ayat: 25-29)

Tafsir: at-Taʾwīlāt an-naǧmiyya fī at-tafsīr al-ʾišārī aṣ-ṣūfī

The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com

ثم أخبر عن أحوال النفوس المتمردة والأرواح المرتدة بقوله تعالى : { إِنَّ ٱلَّذِينَ كَفَرُواْ وَيَصُدُّونَ عَن سَبِيلِ ٱللَّهِ وَٱلْمَسْجِدِ ٱلْحَرَامِ } [ الحج : 25 ] يشير إلى منكري هذا الشأن ، فإنهم مع إنكارهم وإعراضهم عن الحق يصدون الطالبين عن طريق الله بالإنكار والاعتراضات الفاسدة على المشايخ ، ويقطعون الطريق على أهل الطلب ؛ ليردوهم على طلب الحق تعالى ، وعن دخول مسجد حرام القلب ، فإنه حرم الله تعالى . { ٱلَّذِي جَعَلْنَاهُ لِلنَّاسِ } [ الحج : 25 ] أي : جعلناه لهم بالاهتداء وطلب الحق لا عليهم ، كالنفس الأمارة بالإضلال ، والإعراض عن الحق سواء { ٱلْعَاكِفُ فِيهِ وَٱلْبَادِ } [ الحج : 25 ] أي : يستوي في الوصول إلى مقام الطلب الذي سبق إليه بمدة طويلة ، والذي يصل إليه في الحال ليس لأحد فضل على الآخرة إلا بالسبق إلى مقام القلب ومنازله . وبقوله تعالى : { وَمَن يُرِدْ فِيهِ بِإِلْحَادٍ بِظُلْمٍ نُّذِقْهُ مِنْ عَذَابٍ أَلِيمٍ } [ الحج : 25 ] يشير إلى أن من يريد في القلب ميلاً عن الحق بظلم بوضع الشيء في غيره موضعه ؛ لأن القلب معدن محبة الله تعالى يذيقه الله تعالى عذاب البعد ، والقطيعة عن الحضرة { وَإِذْ بَوَّأْنَا لإِبْرَاهِيمَ } [ الحج : 26 ] ، الروح { مَكَانَ ٱلْبَيْتِ } [ الحج : 26 ] القلب ، فإن تهيؤ القلوب بتدبير الأرواح وتقدير الحق تعالى { أَن لاَّ تُشْرِكْ بِي شَيْئاً } [ الحج : 26 ] في سكنى القلب أي : كن حارساً للقلب لئلا يسكن فيه غيري { وَطَهِّرْ بَيْتِيَ } [ الحج : 26 ] أي : أفرغ القلب عن الأشياء سواي ، وهذا كمال قال تعالى بالوحي إلى بعض أنبيائه : أفرغ لي بيتاً أسكنه ، فقال : إلهي أي بيت يسعك ؟ فأوحى الله إليه : ذلك قلب عبدي المؤمن ، ويقال : طهر بيتي بإخراج كل نصيب لك في الدنيا والآخرة من تطلع إكرام ، وتطلب إنعام أو إرادة مقام ، ويقال : طهر قلبك { لِلطَّآئِفِينَ } [ الحج : 26 ] فيها من واردات الحق وموارد الأحوال على ما يختاره الحق { وَٱلْقَآئِمِينَ } [ الحج : 26 ] وهي الأشياء المقيمة من مستوطنات العرفان ، والأمور المغيبة عن البرهان ، والمطلقة بما هي حقائق البيان { وَٱلرُّكَّعِ ٱلسُّجُودِ } [ الحج : 26 ] هي أركان الأحوال المتوالية من : الرهبة والرغبة والرجاء والمخافة والفيض والبسطة والإنس والهيبة ، وفي معناه أنشد : @ لستُ من جملةِ المحبين إن لم أجعلِ القلبَ بيتَه والمَقاما وطوافي أخالُهُ السيرَ فيه وهو رُكني إذا أردتُ استلاما @@ { وَأَذِّن فِي ٱلنَّاسِ بِٱلْحَجِّ يَأْتُوكَ رِجَالاً } [ الحج : 27 ] أي : وناد في الناسين من النفس وصفاتها والقالب وجوارحه ؛ يعني : يقصدون القلب بالأعمال الشريعة البدنية ، فإنهم كالكوكبات ، لأن الأعمال البدنية مركبة من الحركات ونيات الضمير ، كما أن أعمال النفس مفردة أنها من نيات الضمير فحسب { يَأْتِينَ مِن كُلِّ فَجٍّ عَميِقٍ } [ الحج : 27 ] وهو سفل الدنيا ؛ لأن القالب من الدنيا وأكثر استعماله في مصالح الدنيا بالجوارح والأعضاء ، فردَّها إلى استعمالها في مصالح القلب إتيانها من فج عميق . { لِّيَشْهَدُواْ مَنَافِعَ لَهُمْ } [ الحج : 28 ] أي : ليحضروا وينتفعوا بالمنافع التي هي مستكنة في القلب ؛ فأمَّا النفس وصفاتها : فمنافعها تبديل الأخلاق ، وأمَّا القالب وجوارحه : فمنافعهم قبول طاعتهم وأثارها على سيماهم { وَيَذْكُرُواْ ٱسْمَ ٱللَّهِ } [ الحج : 28 ] أي : القلب والنفس والقالب شكر { عَلَىٰ مَا رَزَقَهُمْ مِّن بَهِيمَةِ ٱلأَنْعَامِ } [ الحج : 28 ] بأن جعل الصفات البهيمية الحيوانية مبدلَّة بالصفات القلبية الروحانية الربانية . وبقوله تعالى : { فَكُلُواْ مِنْهَا وَأَطْعِمُواْ ٱلْبَآئِسَ ٱلْفَقِيرَ } [ الحج : 28 ] يشير إلى أن انتفعوا من هذه المقامات والكرامات ، واطيبوا بمنافعها الطالب المحتاج ، والقاصد إلى الله تعالى بالخدمة والهداية والإرشاد { ثُمَّ لْيَقْضُواْ } الطلاب { تَفَثَهُمْ } [ الحج : 29 ] وهو ما يجب عليهم من شرائط الإرادة وقصد الطالب { وَلْيُوفُواْ نُذُورَهُمْ } [ الحج : 29 ] فيما عاهدوا الله على التوجه إليه ، وصدق الطلب والإرادة { وَلْيَطَّوَّفُواْ بِٱلْبَيْتِ ٱلْعَتِيقِ } [ الحج : 29 ] أي : يطوفوا حول قرب الله تعالى بقلبه وسره ، ولا يطوفوا حول ما سواه ، وأراد بالعتيق القديم وهو من صفات الله عز وجل .