Back to subchapter overview

Subchapter (Sura: 22, Ayat: 30-34)

Tafsir: at-Taʾwīlāt an-naǧmiyya fī at-tafsīr al-ʾišārī aṣ-ṣūfī

The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com

ثم أخبر عن تعظيم حرمات الله في ذات الله بقوله تعالى : { ذٰلِكَ وَمَن يُعَظِّمْ حُرُمَاتِ ٱللَّهِ فَهُوَ خَيْرٌ لَّهُ عِندَ رَبِّهِ } [ الحج : 30 ] يشير إلى أن تعظيم حرمات الله تعالى هو تعظيم الله في ترك ما حرَّمه الله عليه ، وتعظيم ما أمره الله تعالى بالطاعة يصل العبد إلى الجنة ، وبالحرمة يصل إلى الله تعالى ، ولهذا قال : { فَهُوَ خَيْرٌ لَّهُ عِندَ رَبِّهِ } [ الحج : 30 ] يعني : تعظيم الحرمة خير للعبد في التقرب إلى الله تعالى من تقربه بالطاعة ، ويقال : ترك الطاعة يوجب العقوبة ، وترك الحرمة يوجب الفرقة ، ويقال : كل شيء من المخالفات ؛ فللعفو فيه مساغ ، وللعمل فيه طريق ، وترك الحرمة على خطر ألاَّ يغفر ذلك ، وذلك بأن يؤدي شؤمه بصاحبه أن يختل دينه وتوحيده . وبقوله : { وَأُحِلَّتْ لَكُمُ ٱلأَنْعَامُ } [ الحج : 30 ] يشير إلى أن استعمال البهيمة فيما مسَّت إليه الحاجة الإنسانية حلال ولا يقطع الطريق على السالك { إِلاَّ مَا يُتْلَىٰ عَلَيْكُمْ } [ الحج : 30 ] في القرآن وهو قوله تعالى : { وكُلُواْ وَٱشْرَبُواْ وَلاَ تُسْرِفُوۤاْ } [ الأعراف : 31 ] وفي حديث فيه في وهو قوله صلى الله عليه وسلم : " من حسن إسلام المرء تركه ما لا يعنيه ، فاجتنبوا الرجس من الأوثان " ؛ أي : واجتنبوا رجس كل ما اتخذه هواكم معبوده من شهوات الدنيا والآخرة والوثن الحقيقي لكل أحد نفسه { وَٱجْتَنِبُواْ قَوْلَ ٱلزُّورِ } [ الحج : 30 ] وهو قوله باللسان مما لا يساعده قول القلب ، ومن عاهد الله بقلبه في صدق الطلب ثم لا يفي ذلك فهو من جملة الزور { حُنَفَآءَ } [ الحج : 31 ] لله ما يلين إلى الحق من الباطل في القلب ، وفي النفس ، وفي الجهر ، وفي السر ، وفي الأفعال ، وفي الأحوال ، وفي الأقوال مستقيمين عليه ؟ { غَيْرَ مُشْرِكِينَ بِهِ } [ الحج : 31 ] في طلب بما سوى الله { وَمَن يُشْرِكْ بِٱللَّهِ } [ الحج : 31 ] أي : يطلب غير الله { فَكَأَنَّمَا خَرَّ مِنَ ٱلسَّمَآءِ } [ الحج : 31 ] أي : سقط من سماء القلب { فَتَخْطَفُهُ ٱلطَّيْرُ } [ الحج : 31 ] الشيطان والهوى ويهويان به في أسفل سافلين أبعد { أَوْ تَهْوِي بِهِ ٱلرِّيحُ } [ الحج : 31 ] ريح القهر والخذلان { فِي مَكَانٍ سَحِيقٍ } [ الحج : 31 ] بعيد من الحق سبحانه ذلك ؛ أي : الذي ذكرت من اجتناب الرجس وقول الزور { وَمَن يُعَظِّمْ شَعَائِرَ ٱللَّهِ } [ الحج : 32 ] وهي أعلام وشواهد مما يرد في إرشاده إلى الصراط المستقيم { فَإِنَّهَا مِن تَقْوَى ٱلْقُلُوبِ } [ الحج : 32 ] أي : فكلها دلالات على ارتقاء القلوب بالله عمَّا سواه . { لَكُمْ فِيهَا مَنَافِعُ } [ الحج : 33 ] لكل من تلك الجملة بقدرة وحدة الأقوام بركات في العبور على المقامات ، ولآخرين في حلاوة طاعتهم ، ولآخرين في الذات يبسطهم ، ولآخرين في اُنسهم بالله { إِلَىٰ أَجَلٍ مُّسَمًّى } [ الحج : 33 ] وهو بلوغ حد كمالهم ، ثم محلها إلى البيت العتيق ذلك محل كل سالك إلى حضرة القديم ومنزلة { وَلِكُلِّ أُمَّةٍ جَعَلْنَا مَنسَكاً } [ الحج : 34 ] أي : ولكل سالك جعلنا طريقة ومقاماً وقربة على اختلاف طبقاتهم : * فمنهم : من يطلب الله من طريق المعاملات . * ومنهم : من يطلب من باب المجاهدات . * ومنهم : من يطلبه بطريق المعارف . * ومنهم : من يطلبه به ؛ { لِّيَذْكُرُواْ ٱسْمَ ٱللَّهِ } [ الحج : 34 ] أي : لتتمسك كل طائفة منهم في الطلب بذكر الله تعالى { عَلَىٰ مَا رَزَقَهُمْ مِّن بَهِيمَةِ ٱلأَنْعَامِ } [ الحج : 34 ] أي : على رزقهم من قهر النفس من العبور على المقامات ، والوصول إلى الكمال { فَإِلَـٰهُكُمْ إِلَـٰهٌ وَاحِدٌ } [ الحج : 34 ] الذي وفقكم لهذه الكرامات ونيل الدرجات ، فله أسلموا لما قدر لكم في الأزل ، وحكم به استسلاماً من داخل القلب لا من الفرط والإسلام يكون بمعنى الإخلاص والإخلاص من تصفية الأعمال من الآفات ، ثم تصفية الأخلاق من الكدورات ، ثم تصفية الأحوال من الالتفات ، ثم تصفية الانفكاك من الأغيار { وَبَشِّرِ ٱلْمُخْبِتِينَ } [ الحج : 34 ] أي : المستقيمين على هذه الطريقة بقدر الاستطاعة .